ميكانيكية عُمانية تداعب محركات السيارات بدقة

المجتمع المحافظ لا يعني اليوم أن تظل النساء رهينة المنازل وأن يقتصر أغلب المهن على الرجال، فالعمانية زينب اليعربية اخترقت هذا التقسيم واحترفت مهنة الميكانيكي لتداعب بأناملها المحركات وقطع الغيار، متحدية نظرة المجتمع.
مصيرة (عمان) - رغم أنها وُلدت وعاشت في مجتمع محافظ يقسم طبيعة الشغل بين الرجال والنساء، إلا أن زينب بنت علي اليعربية اختارت أن تقرر مصيرها، واقتنصت الفرصة لتثبت جدارة المرأة في ورشة تصليح السيارات، بعد أن كان ذلك ضربا من الخيال في حقبة مضت.
لم تكن زينب ترغب في أن تكون لها حياة نمطية رتيبة كسائر النساء في الوطن العربي يهتممن بالزوج وتربية الأولاد، فاختارت أن تتحدى نفسها وكل صورة وضعت عن الفتاة، وقررت التعامل مع قطع الغيار وزيوت التشحيم وتغيير القطع التالفة في السيارات، إلى أن أصبحت ماهرة في تصليح المركبات وتتقن معرفة أعطالها ومسميات القطع الدقيقة فيها، بالإضافة إلى ممارستها لمهنة بيع كل أنواع قطع غيار المركبات الجديدة.
وكانت نقطة انطلاقها من والدها الذي شاهدته يعمل في الورشة، وتابعت شغفه وحبه للمهنة، فرسمت من طفولتها ملامح مهنتها، بل ورسمت تفاصيل قصتها التي ورثتها منه.
زينب تحقق حلمها رغم الصعوبات والأسئلة التي واجهتها من المجتمع منذ بداياتها في الميكانيك
في عام 2006 بدأت بيع قطع الغيار في محل ملحق بورشة تصليح السيارات التباع لوالدها، ماضية في طريقها الذي لا يحتمل الخطأ، ناهيك عن ارتباطه بالرجل بشكل كامل ومباشر، فكانت الصخرة الأكبر والعقبة الأوضح أنها فتاة، وخوفها من ردة فعل الزبون في اللحظة التي يراها فيها لأول مرة.
فتاة تتعامل مع قطع السيارات الدقيقة، إلا أن هذا كان دافعها وسببا قادها إلى خوض التجربة، وسهّل وجود العمالة الوافدة في الورشة عليها بيع قطع الغيار ومعرفة أسماء القطع، والتعرف على دور كل قطعة في المحرك.
في البداية ترددت اليعربية لحاجة المهنة إلى قوة عضلية ووقت طويل في التعامل مع الأعطال، بالإضافة إلى التعامل مع أدوات ثقيلة وحادة، كل هذه المخاوف تجاوزتها زينب وكأنها تغلق فصلا من حياتها لتبدأ بآخر.
وقالت “بدأت بتشخيص الأعطال والتعلم على فك قطع الغيار وتغييرها بصورة سريعة، وبحكم الخبرة التي اكتسبتها من بيع قطع الغيار ووجود مجموعة من الفنيين بالورشة، استطعت أن أتقن الكثير من مهارات التعامل مع المركبة، وخاصة في الأعطال الميكانيكية، وهذا ما جعل من الفتيات تتجه إلى الورشة، لأن التعامل مع فتاة من جنسهن أمر أسهل لهن”.
وتقوم اليعربية بالأعمال الفنية والميكانيكية، مثل فك شمعات الاحتراق والتعامل مع المحرك بشكل مباشر من خلال فك غطاء المحرك والبحث عن العطل الفني به، مثل التسربات والأصوات الغريبة فيه، وكذلك التعامل مع مبرد الماء بالمركبة، كما تقوم بفحص المركبة من الأسفل بالنزول إلى حفرة الفحص، وذلك للقيام بفحص وعاء زيت المحرك وغير ذلك من القطع بأسفل المركبة.
وأشارت زينب إلى أنها لم يسبق لها فك المحرك بالكامل وتصليحه، على اعتبار أن إخراج المحرك من جسم المركبة يحتاج إلى جهد كبير وتعاون من أكثر من شخص، ولكن في المقابل قامت بتصليح المحرك بعد فكه بالكامل وإخراجه من المركبة، وعملت على تغيير بعض القطع التالفة فيه.
ولم يكن حلم اليعربية مستحيلا، رغم أنها واجهت الكثير من الانتقادات في بداية عملها، كونها امرأة تعمل في ورشة تصليح السيارات.
وعن معاناتها ونظرة الناس إليها وعن التساؤلات التي أثارها المجتمع، كان لزاما عليها أن تجيب، ولكن ليس قولا إنما فعلا، وفي كل خطوة لها كانت تكسب رضا المستهلك وثقته، واضعة بذلك بصمتها الواضحة في مجال بيع غيار المركبات وتصليحها.
وبينما تضع زينب قدمها على الأرض في عالم اقتصر على الرجال فإن نظرتها متجه إلى المستقبل، فلن تملّ العمل ولن تكلّ إلى أن تمتلك ورشتها الخاصة لمركبات النساء.
وتريد زينب اليوم تمرير هذا الشغف لغيرها من النساء من خلال تدريب الفتيات على هذه المهنة، وإيجاد فرص عمل مباشرة لهن على اعتبار أن هذا المجال مجال متجدد ومستمر.وتحلم زينب أن تضم هذه الورشة أعمالا متنوعة كأعمال صيانة وإصلاح الأعمال الميكانيكية وأعمال تصليح وسمكرة المركبات، بالإضافة إلى أعمال كهرباء المركبات بأنواعها، إلى جانب وجود محل متخصص لقطع غيار المركبات ومغسلة للمركبات.