موكب مهيب للمومياوات الملكية لأول مرة في تاريخ مصر

المومياوات سيتم عرضها في المتحف القومي للحضارة المصرية بداية من 18 أبريل الجاري.
السبت 2021/04/03
رحلة لعظماء التاريخ المصري

القاهرة – نقلت مصر لأول مرة في تاريخها، مومياوات 22 ملكا وملكة من زمن الفراعنة، في موكب لم تشهد له شوارع القاهرة مثيلا، لتستقر في موقعها الجديد في المتحف القومي للحضارة المصرية في جنوب العاصمة.

وكتب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "بكل الفخر والاعتزاز أتطلع لاستقبال ملوك وملكات مصر بعد رحلتهم من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية".

وتابع "إن هذا المشهد المهيب لدليل جديد على عظمة هذا الشعب الحارس على هذه الحضارة الفريدة الممتدة في أعماق التاريخ".

ودعا الرئيس المصري "كل المصريات والمصريين والعالم أجمع إلى متابعة هذا الحدث الفريد، مستلهمين روح الأجداد العظام، الذين صانوا الوطن وصنعوا حضارة تفخر بها كل البشرية، لنكمل طريقنا الذي بدأناه…طريق البناء والإنسانية".

ونقلت مومياوات 18 ملكا وأربع ملكات من عصور الأسر الفرعونية السابعة عشرة إلى العشرين، على متن عربات مزينة على الطراز الفرعوني تحمل أسماءهم، تباعا بحسب الترتيب الزمني لحكمهم.

وهذا الموكب المعروف إعلاميا باسم "الرحلة الذهبية" هو الأول في تاريخ مصر الذي يجمع هؤلاء الملوك مجتمعين على متن عربات ذهبية اللون، تتقدمه خيول واستعراضات فنية، ويشارك فيه عدد كبير من نجوم الفن المصري والعربي.

وترجع المومياوات الملكية إلى عصر الأسر 17، 18، 19، 20، منهم مومياء الملك رمسيس الثاني، والملك سقنن رع، والملك تحتمس الثالث، والملك ستي الأول، والملكة حتشبسوت، والملكة ميرت آمو.

واتخذت السلطات المصرية إجراءات أمنية مشددة منذ صباح السبت في ميدان التحرير من حيث سينطلق الموكب من المتحف المصري حيث استقرت المومياوات لأكثر من قرن.

وسار الموكب لمسافة سبعة كيلومترات إلى المتحف القومي للحضارة المصرية وسط حراسة أمنية مشددة.

وقال عالم الأثار المصري زاهي حواس إن "العالم كله سيشاهد هذا الموكب الملكي.. ستكون أربعون دقيقة هامة في عمر مدينة القاهرة".

ويفتح المتحف القومي للحضارة المصرية، وهو مبنى حديث في مدينة الفسطاط التاريخية بمنطقة مصر القديمة في جنوب القاهرة، أبوابه الأحد بعدما فُتح جزء منه في العام 2017. لكن الجمهور لن يتمكن من رؤية المومياوات الملكية إلا اعتبارا من الثامن عشر من الشهر الجاري.

ويتقدم الموكب، الملك سقنن رع من الأسرة الفرعونية السابعة عشرة (القرن السادس عشر قبل الميلاد) ويختتمه الملك رمسيس التاسع من الأسرة الفرعونية العشرين (القرن الثاني عشر قبل الميلاد).

ويضم الموكب "الذهبي للفراعنة" الملك رمسيس الثاني والملكة حتشبسوت المعروفين على نطاق أوسع بين الجمهور، وستصاحبه موسيقى يعزفها فنانون مصريون.

وفي حين ركز الكثيرون حول العالم على تفاصيل الاحتفال والاهتمام الإعلامي والسياسي الذي يحظى به، أعاد المصريون عبر وسائل التواصل الاجتماعي إحياء العداوة التاريخية بين الملكة حتشبسوت والملك تحتمس الثالث، بشكل ساخر من نقل عدوين لم يتفقا في حياتهما في الموكب نفسه بعد الموت.

ويعود الصراع بين حتشبسوت وتحتمس الثالث إلى الفترة بين سنة 1504 و1450 قبل الميلاد، حيث شهدت مصر صراعا طويلا بين اثنين من أعظم ملوك الأسرة الثامنة عشرة.

وعلى مدار 54 عاما قبل الميلاد لم يستطع الثنائي الملكي المتصارع تخطي الخلافات، أو توحيد الأهداف، إذ لم يُنه حالة الصراع المتبادلة بينهما سوى موت الملكة ليفرض تحتمس الثالث سيطرته بأريحية.

عمل طويل 

حدث تم الإعداد له طوال أشهر
حدث تم الإعداد له طوال أشهر

وقالت المديرة العامة لمنظمة اليونسكو أودري أزولاي التي ستحضر الاحتفالية، إن نقل المومياوات إلى المتحف القومي للحضارة المصرية هو "نتاج عمل طويل للحفاظ عليها وعرضها بشكل أفضل".

وأضافت أزولاي في بيان الجمعة "أمام أعيننا يمر تاريخ الحضارة المصرية".

واكتُشفت معظم هذه المومياوات بالقرب من الأقصر اعتبارا من العام 1881، ولم تغادر المتحف المصري في ميدان التحرير بقلب العاصمة المصرية منذ بداية القرن العشرين.

ومنذ خمسينات القرن الماضي، كانت معروضة واحدة بجانب الأخرى في قاعة صغيرة من دون شرح كاف بجوار كل منها.

وستُنقل المومياوات كل في عربة بمفردها في غلاف يحتوي على النيتروجين حتى تكون في ظروف مماثلة لتلك التي تُحفظ بها حاليا داخل صناديق العرض في المتحف المصري.

وستُزود العربات التي ستنقل المومياوات تجهيزات خاصة لاستيعاب الصدمات.

وفي المتحف القومي للحضارة المصرية، ستُعرض المومياوات داخل صناديق حديثة مزودة بتقنيات "لضبط درجة الحرارة ومستوى الرطوبة، أكثر تقدما من تلك الموجودة في المتحف القديم"، بحسب ما قالت سلمى إكرام أستاذة المصريات في الجامعة الأميركية بالقاهرة المتخصصة في التحنيط.

وستُعرض كل منها منفردة إلى جانب التابوت الخاص بها بطريقة تشبه المقابر الملكية المدفونة تحت الأرض، مع نبذة تعريفية عن كل ملك وكل القطع الأثرية المرتبطة به.

ويقول حواس "ستُعرض المومياوات لأول مرة بطريقة جميلة لأغراض ثقافية وليس من أجل الإثارة".

ويضيف "لن أنسى أبدا عندما اصطحبت (الأميرة) مارغريت، شقيقة الملكة إليزابيث الثانية، إلى المتحف.. أغمضت عينيها وهربت".

وإثر الضربات الموجعة التي تلقتها السياحة المصرية عقب ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك، تسعى مصر إلى استعادة الملايين من الزوار من خلال الترويج لمتاحفها الجديدة ومن بينها متحف الحضارة.

لعنة الفراعنة

من الاستعدادات للموكب
من الاستعدادات للموكب

ستفتح مصر خلال شهور متحفا آخر هو المتحف المصري الكبير قرب أهرامات الجيزة الذي سيضم كذلك آثارا فرعونية أبرزها مومياء توت عنخ آمون (القرن الرابع عشر قبل الميلاد) ومجموعته كلها التي اكتشفت في العام 1922.

وقال وليد البطوطي مستشار وزير السياحة والآثار، إن العرض "يبين أنه وبعد آلاف السنين، ما زالت مصر تكن تقديرا كبيرا لقادتها".

وأثار "الموكب الملكي" تعليقات كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يسلم من روح الفكاهة والتندر لدى المصريين الذين اعتبروا أن جنوح السفينة في قناة السويس وحادث قطار الصعيد الذي أودى بحياة 18 شخصا في الأيام الماضية هما نتاج "لعنة الفراعنة" الذين يعبّرون عن استيائهم لنقلهم من مرقدهم الحالي.

واعتاد المصريون على وصف أي حدث حزين أو مأسوي بأنه نتاج "لعنة الفراعنة"، من باب التندر.

وسبق أن ورد ذكر "لعنة الفرعون" في عشرينات القرن الماضي بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون وما أعقب ذلك من وفيات اعتبرت غامضة بين أعضاء فريق علماء الآثار الذي اكتشفها.