موسم فاكهة الجوافة المدللة شحيح في فلسطين

غزة (فلسطين) - مع قدوم فصل الخريف، يبدأ المزارعون في قطاع غزة بقطف فاكهة الجوافة بمذاقها الحلو ولونها الذي يميل إلى اللونين الأخضر والأصفر معا، فيزيدها جمالا في أعين الناظرين لها، لكن موسم هذا العام فقدَ ما يزيد عن نصف الإنتاج مقارنة بالسنة الماضية؛ بسبب انتشار آفات زراعية بشكل كبير، وازدياد ملوحة مياه الري وتلوثها بالصرف الصحي.
وقضت آفة “النيماتودا” ونوع من الفطريات يسمى “الفيوزاريوم” على العشرات من أشجار الجوافة وثمارها، كما تسبب ازدياد ملوحة مياه الري بتدني جودة الإنتاج.
و”النيماتودا” ديدان دقيقة الحجم تعرف بأسماء مختلفة منها الديدان الثعبانية، وتعمل على تعقيد الجذور وتصيبها بالتقرحات الشديدة، وتؤثر على عناصرها الغذائية وتؤدي إلى ضعف عام، وربما تقضي على الأشجار المصابة بها.
ويقول مزارعون فلسطينيون إنهم خسروا 60 بالمئة من إنتاجهم هذا العام من الجوافة، مقارنة بالموسم الماضي؛ الأمر الذي يهدد استمرار زراعة الفاكهة الخريفية بشكل خطير خلال الأعوام المقبلة.
وفي أحد أكبر مزارع الجوافة في منطقة المواصي غربي مدينة خانيونس، جنوبي القطاع، يحاول المزارع محمود زعرب (65 عاما) أن ينقذ ما يمكن إنقاذه من أشجار الجوافة بمزرعته، بعد أن غزتها آفة “النيماتودا” عبر استخدام أدوية خاصة بمكافحتها.
يقول زعرب “أعداد كبيرة من الأشجار أصابتها آفة النيماتودا، وقضت عليها أو أتلفت ثمارها، الأمر الذي تسبب بتناقص الإنتاج هذا العام بنسبة تصل إلى 60 بالمئة.. إذا لم نستطع القضاء على الآفة العام المقبل لن يكون هناك إنتاج”.
ويضيف “فضلا عن آفة النيماتودا، فإن فطر الفيوزاريوم أصاب مزارع مجاورة لمزرعته، وتسبب بتلف أعداد كبيرة من أشجار الجوافة فيها”.
ويوضح المزارع زعرب، أن ملوحة مياه الري هي السبب الرئيسي للأمراض، تزداد بشكل متسارع سنويا بسبب معدلات الاستهلاك العالية من المياه الجوفية، وتسرب مياه البحر والمياه العادمة إلى الآبار الجوفية.
60 بالمئة من إنتاج الجوافة خسرها المزارعون هذا العام مقارنة بالموسم الماضي، ما سيهدد استمرار زراعتها مستقبلا
ويطالب المزارع الفلسطيني وزارة الزراعة بأن تسارع إلى إنقاذ مزارع الجوافة من الهلاك التام بسبب الآفات الزراعية وملوحة المياه. ويلفت إلى أن زراعة الجوافة تشغل المئات من الأيادي العاملة وتحقق إيرادات جيدة للاقتصاد الفلسطيني.
وينتج قطاع غزة نحو 3 آلاف طن من فاكهة الجوافة سنويا، ويتراوح سعر الكيلوغرام منها حسب جودتها ما بين 2-4 شيكل (الدولار يعادل 3.5 شيكل).
وحسب بيانات وزارة الزراعة بغزة، فإن متوسط إنتاج الدونم الواحد (1000 متر مربع) نحو 1.7 طن من الجوافة سنويا، فيما يقدر معدل استهلاك الفرد السنوي في قطاع غزة من الفاكهة الخريفية بـ 5-6 كيلوجرام.
ويبدأ موسم حصاد الجوافة بداية أيلول من كل عام ويستمر حتى منتصف نوفمبر، ويشارك المئات من العمال في قطف ثمار الجوافة التي يعتبر موسمها مصدر رزق جيد لهم. في السياق ذاته، يقول أدهم البسيوني، المتحدث باسم وزارة الزراعة في قطاع غزة، إن “مساحات الأراضي المزروعة بأشجار الجوافة في أنحاء القطاع تبلغ نحو 2500 دونم خلال الموسم الحالي”.
وكانت مساحة الأراضي المزروعة بالجوافة في غزة تبلغ 6 آلاف دونم في العام 2005، حسب بيانات رسمية سابقة.ويضيف البسيوني “الجوافة إحدى المحاصيل الاستراتيجية بقطاع غزة، وعليها إقبال من المواطنين، حيث يتم تسويقها بشكل جيد وبأسعار مناسبة في الأسواق المحلية”.
ويشير إلى أن أكثر ما يهدد قطاع زراعة الجوافة في غزة هو ارتفاع نسبة ملوحة المياه بسبب الاستهلاك الجائر لها.
وحول آفة “النيماتودا”، التي تفتك بمحصول الجوافة، تقول وزارة الزراعة في غزة “إنها موجودة منذ القدم، وعلى المزارع أن يهتم جيدا بالعملية الزراعية للجوافة للحد من انتشارها بالطرق السلمية بحيث لا تضر بالمحاصيل ولا تؤثر على صحة الإنسان”.
ويوضح البسيوني أنه يمكن للمزارعين التعامل بشكل فعال مع آفة النيماتودا وفطر الفيوزاريوم، عبر عمليات المكافحة المختلفة مثل تعقيم التربة قبل الزراعة ومعالجة الأشجار بعد حصاد الثمار.
ويشدد المتحدث باسم الزراعة على ضرورة زراعة أشجار الجوافة في المناطق التي تتوفر فيها مياه عذبة، وزراعة أشجار الزيتون والنخيل في المناطق التي تعاني من ارتفاع في نسبة ملوحة المياه.
ويشير إلى أن علاج مشكلة ملوحة المياه يكون عبر تقارب فترات ري أشجار الجوافة حتى لا تتركز الأملاح في جذور الأشجار وتتسبب بإضعافها.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة نحو 173 ألف دونم، منها 82 ألف دونم مزروعة بالخضروات، و71 ألف و400 دونم مزروعة بالفاكهة، وفق بيانات سابقة لوزارة الزراعة الفلسطينية.
ويساهم القطاع الزراعي في غزة بنسبة 4.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للقطاع، الذي بلغ العام الماضي 2.731 مليار دولار.
يُذكر أن فوائد الجوافة لا تقتصر على تناول ثمارها فقط، والتي تحتوي على فيتامين (أ، ب، ج)، بل يُصنع من هذه الثمار الحلويات والمربيات والعصير، أما الأوراق فيستخدمها الكثير من الناس في علاج السعال والأمراض الصدرية، وهي الوصفة التي لا تزال تستخدم بقوة في الطب الشعبي في فلسطين.