موسم تقسيم الحصص في قطاع النفط والغاز بالعراق

المصالح الاقتصادية والأجندات الجيوسياسية طويلة الأمد تدفع الخصوم إلى التعاون في مجال تطوير صناعة النفط والغاز في العراق. ورغم العداء المكنون بين الصين والغرب برزت مؤخرا مجالات للتعاون بينهما.
بغداد - شهدت الأيام الأخيرة إعلانين رئيسيين من قطاع النفط والغاز في العراق يضيفان إلى الشعور بالضيق واسع النطاق الذي يشعر به الذين يعانون من التنافر المعرفي تجاه البلاد.
وفازت الشركات الصينية مرة أخرى بمعظم العقود الـ13 لحقول النفط ومناطق التنقيب التي منحتها وزارة النفط العراقية في جولة العطاءات الأخيرة التي عقدت من 11 إلى 13 مايو. وستضيف عند تطويرها بالكامل 750 ألف برميل من النفط و850 مليون قدم مكعبة يوميا من الغاز إلى إنتاج البلاد.
وهذا ما يتماشى مع محاولات الصين المستمرة للسيطرة على الأصول العراقية والكثير من مستقبلها السياسي والاقتصادي.
ومن جهة أخرى، سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الرئيسيون إلى إحباط مشروع الاستيلاء الصيني هذا، وذلك أساسا بعقد الشركات الرئيسية المرتبطة بالغرب صفقات نفط وغاز أخرى في البلاد حيثما أمكن.
وربما يكون الأهم من كل هذا هو أن ذلك شمل صفقة رباعية المحاور بقيمة 27 مليار دولار تديرها شركة توتال الفرنسية.
ويقول المحلل الاقتصادي سايمون واتكينز في تقرير على موقع أويل برايس الأميركي إنه بالنظر إلى هذين العاملين، فإن إعلان الأسبوع الماضي أن شركة هندسة الطاقة الصينية ستعمل مع الشركة الفرنسية على تنفيذ مشروع الطاقة الشمسية بقدرة جيغاواط واحد في حقل أرطاوي في البصرة (عنصر أساسي في صفقة توتال الضخمة) شكّل مفاجأة، على أقل تقدير.
وكانت العديد من شركات النفط والغاز الصينية الكبرى من بين الشركات التي فازت بعقود في الآونة الأخيرة.
مشاركة الصين في المساعدة في كل من مشروع أرطاوي والطاقة الشمسية تشكل امتدادا لتكتيك جديد طالما كان ذلك مفيدا
وشملت هذه المشاريع المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري للرقعة 7، ومجموعة تشونغمان للبترول والغاز الطبيعي لحقول نفط شرق بغداد والفرات الوسطى (ولحقلي القرنين وأبوخيمة)، وجيو جايد بتروليوم كورب لحقل يزرباطية وجبل سنام، وسينوبك لحقل سومر، ومجموعة أنتون لتكنولوجيا حقول النفط لحقل الظفرية، ومجموعة الطاقة المتحدة (مقرها هونغ كونغ)لتطوير مصفاة الفاو.
وتبرز أرقام الصناعة أن أكثر من ثلث احتياطيات النفط والغاز المؤكدة في العراق وأكثر من ثلثي إنتاجه الحالي كان تحت إدارة شركات صينية حتى قبل هذا.
وكانت هذه الهيمنة مندرجة ضمن خطة بكين، بمجرد أن أنهت الولايات المتحدة رسميا مهمتها القتالية في البلاد في نهاية 2021.
ووقعت شركة تشنهوا أويل لتجارة النفط الحكومية الصينية صفقة إمدادات نفط مسبقة الدفع بقيمة 2 مليار دولار لمدة خمس سنوات مع الحكومة الفيدرالية العراقية في بغداد خلال تلك الفترة سعيا لتحقيق هذا الهدف.
وعكست بالضبط نفس نوع الصفقات التي أبرمتها روسيا في إقليم كردستان العراق بعد فشل استفتاء الاستقلال في نهاية 2017، الذي منح موسكو سيطرة فعالة على جميع أصول النفط والغاز في الإقليم.
ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بنفوذ كاف للاعتماد على بغداد لإحباط الصفقة، إلا أن الصين نجحت في توسيع شروط اتفاقية “النفط مقابل إعادة الإعمار والاستثمار” لسنة 2019 مع العراق إلى “الاتفاقية الإطارية العراقية – الصينية” الأعمق لسنة 2021.
الغرب يطمح في الحد من اعتماد العراق الطويل على إيران لسدّ ما يصل إلى 40 في المئة من احتياجاته في الطاقة
وشملت بنودها منح الأفضلية للشركات الصينية في جميع عقود النفط والغاز المستقبلية للمواقع التي كان لبكين مصلحة فيها.
وينص بند آخر على تخفيض أسعار النفط والغاز العراقيين اللذين تشتريهما بكين. لكن صفقة 2021 تجاوزت النفط والغاز، وأتاحت للصين مجالا كبيرا لإقامة بنية تحتية في جميع أنحاء البلاد.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك منح الصين عقودا لبناء مطار مدني ليحل محل القاعدة العسكرية في عاصمة محافظة ذي قار الجنوبية الغنية بالنفط في 2021.
وتشمل هذه المنطقة اثنين من أكبر حقول النفط العراقية المحتملة (الغراف والناصرية).
وقالت الصين إنها تعتزم استكمال المطار بحلول 2024. وسيشمل مشروع المطار تشييد مباني شحن متعددة وطرقا تربطه بوسط المدينة ومناطق النفط الرئيسية الأخرى الواقعة جنوب البلاد.
وتقرر توسيع المطار في المناقشات اللاحقة التي شملت “الاتفاقية الإطارية بين العراق والصين” لسنة 2021، ليصبح مدنيا وعسكريا مزدوج الاستخدام.
وسيكون المكون العسكري قابلا للاعتماد الصيني دون الحاجة إلى التشاور أولا مع أيّ حكومة عراقية تكون في السلطة خلال تلك الفترة.
الشركات الصينية فازت مرة أخرى بمعظم العقود الـ13 لحقول النفط ومناطق التنقيب التي منحتها وزارة النفط العراقية في جولة العطاءات الأخيرة
وانبثقت تفرعات من هذه الاتفاقية، في شكل خطط لربط برنامج طريق التنمية الإستراتيجية العراقي الذي تبلغ تكلفته 17 مليار دولار مباشرة بمبادرة الحزام والطريق الصينية.
وهذا ما يسمح بحرية حركة البضائع والأشخاص من الصين إلى أوروبا عبر العراق. ويمكن أن يرتبط بكل من “الجسر البري” الإيراني الذي طال انتظاره إلى البحر المتوسط وبـ”ممر الطاقة الروسي – الإيراني”.
لكن الشيء الوحيد الذي لم يسر في مصلحة بكين في العراق منذ نهاية 2021 كان صفقة توتال الرباعية بقيمة 27 مليار دولار.
ومن أحد فروعها الرئيسية المشروع المشترك لإمدادات مياه البحر الذي يعتبر حاسما في تمكين العراق من زيادة إنتاجه من النفط الخام بشكل كبير إلى 6 أو 9 أو حتى 13 مليون برميل في اليوم.
وتأخر المشروع لأكثر من عقد، حيث تنافست شركة إكسون موبيل الأميركية ومؤسسة البترول الوطنية الصينية عليه حتى انسحبت الشركة الأميركية أخيرا ولم تحقق تلك الصينية أيّ تقدم جوهري، ما مكّن شركة توتال من افتكاك العقد.
ويتضمن المشروع معالجة مياه البحر من الخليج ثم نقلها عبر خطوط الأنابيب إلى مرافق إنتاج النفط للحفاظ على الضغط في الخزانات وإطالة عمر الحقول ودورة إنتاجها.
وتتمثل خطة المشروع المشترك الأولية في أن يوفر في البداية حوالي 6 ملايين برميل يوميا من المياه إلى خمسة حقول على الأقل في جنوب البصرة وحقل واحد في محافظة ميسان، قبل توسيعه ليشمل حقولا أخرى.
ويمكّن أحد المشاريع الرئيسية جمع الشركة الفرنسية للغاز المصاحب وتكريره.

ويتواصل حرق هذا الغاز حاليا أثناء التنقيب عن النفط في 5 حقول جنوب العراق، وهي غرب القرنة 2 ومجنون والطوبة واللحيس وأرطاوي.
ويطمح الغرب في الحد من اعتماد العراق الطويل على إيران لسدّ ما يصل إلى 40 في المئة من احتياجاته في الطاقة.
وستكون هذه انطلاقة جيدة في التفرقة بين البلدين (وإن كان بدرجة صغيرة في البداية). ويمكن استغلال هذه النقطة أكثر لتقويض النفوذ الإقليمي الذي يتمتع به هلال القوة الشيعي.
ويمكن إثر ذلك إحباط جهود إيران المستمرة لبناء “جسر بري” يمرّ عبر العراق وصولا إلى ساحل البحر المتوسط، حيث ستستغله طهران لزيادة شحنات الأسلحة إلى وكلائها المسلحين لتستخدمها ضد إسرائيل.
وتتمتع توتال بالفعل بخبرة مستمرة في العمل في جميع أنحاء العراق، حيث تمتلك حصة 22.5 في المئة في حقل الحلفاية النفطي في محافظة ميسان في الجنوب وحصة 18 في المئة في حقل سرسنك النفطي في إقليم كردستان في الشمال.
وهذا ما يمنحها خبرة تشغيلية تمكنها أيضا من زيادة إنتاج النفط الخام من حقل أرطاوي النفطي، وهو ثالث المشاريع الأربعة التي تلتزم بها.
ووفقا لتعليقات سابقة من وزارة النفط العراقية، ستساعد توتال للطاقة في زيادة الإنتاج من حقل أرطاوي النفطي إلى 210 آلاف برميل يوميا من النفط الخام، وهو ما سيشكل ارتفاعا من حوالي 85 ألف برميل يوميا تسجلها اليوم.
وكان بناء محطة للطاقة الشمسية وتشغيلها بقدرة جيغاواط واحد في العراق من آخر المشاريع الأربعة التي كان من المقرر أن تكون للشركة الفرنسية.
وقد تشكل مشاركة الصين في المساعدة في كل من مشروع أرطاوي والطاقة الشمسية بالتالي امتدادا لتكتيك جديد من الغرب للتعاون بين الجانبين في العراق، طالما كان ذلك مفيدا على الأقل.
وقبل وقت قصير من الإعلان عن هذا التعاون بين الشركات الفرنسية والصينية، وقعت شركة بي بي البريطانية اتفاقا مبدئيا لإعادة تأهيل وتطوير أربعة حقول في منطقة كركوك الغنية بالنفط في المنطقة الشمالية الحساسة سياسيا في العراق. وصرّح مصدر رفيع المستوى في أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي تحدث إليه موقع أويل برايس حصريا الأسبوع الماضي أن سياسة العداء بين الغرب والشرق في العراق غير مفيدة. واعتبر تغيير المسار الأمر الأنسب خلال هذه المرحلة.