موسكو تستعجل تحديث منظومة الدفاع الصاروخي

تتحرك روسيا بعجلة لتحديث منظومة الدفاع الصاروخي حول موسكو لحمايتها وللتخفيف من حدة مشاكل الإنتاج التي تواجهها الشركة الحكومية المصنعة لأنظمتها الدفاعية والتي دفعتها إلى تأجيل تسليم أنظمة إس – 400 للهند إلى العام المقبل، فالحرب في أوكرانيا خلقت مشكلات عديدة في تصنيع الأسلحة فاقمتها العقوبات الدولية على البلاد.
واشنطن - أخّرت روسيا تسليم صفقات الأسلحة التي وقعتها مع الهند، على أن تركز في المقابل على تحديث منظومة الدفاع الجوي حول العاصمة موسكو، مما يوحي بأن الكرملين يسابق الزمن لتأمين العاصمة تحسبا لأيّ تطور في الحرب الأوكرانية قد يجعله في مرمى ضربات الناتو أو الولايات المتحدة.
وأعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في 22 مارس نية روسيا استكمال تحديث نظام الدفاع الصاروخي حول موسكو قبل انطلاق العام المقبل.
وتحدّث شويغو عن نشر قريب لوحدات جديدة تشمل قسم دفاع جوي، وفريقا مجهزا بأنظمة دفاع جوي متوسطة المدى من طراز إس – 350. وستدخل محطة التحكم الفضائي “رازفيازكا” الخدمة مع لواء عمليات خاص للدفاع الجوي والصاروخي.
ومنظومة إس – 350، وهي منظومة صواريخ متوسطة المدى، اخترعها وصنعها مجمع “ألماز- أنتي” لقوات الصواريخ المضادة للطائرات التابعة للقوات الجوية – الفضائية الروسية. وتتلخص وظيفتها الأساسية في حماية المنشآت الحكومية والصناعية والعسكرية ومجموعات القوات ضد وسائل الهجوم الجوي المعادية. وتستطيع منظومة إس – 350 اعتراض الطائرات المهاجمة والصواريخ على حد السواء.
على روسيا أن تبدع في قدراتها الدفاعية الصاروخية في موسكو وحولها في مواجهة تعدد مشاكل الإنتاج
ومن المفارقات أن سلاح الجو الهندي أبلغ في اليوم التالي لتصريحات وزير الدفاع الروسي أن روسيا أخّرت تزويد نيودلهي بأنظمة إس – 400. وقد كان من المقرر تسليم أنظمة الدفاع في 2023 والانتهاء من العملية بحلول 2024 وفقا للعقد الموقع في 2018.
وجاء التأخير رغم تطمينات المسؤولين الروس أن تسليم الأنظمة إلى الهند سيستمر وفقا للجدول الزمني الأصلي. لكن هذه المرة لم تكن الأولى التي تأخرت فيها العملية. وسُجّلت التأخيرات الأولى في أواخر 2022، بعد عدة أشهر من إعلان الكرملين أن حربه ضد أوكرانيا لن تؤثر على عقد إس – 400 مع الهند.
لكن رئيس شركة “ألماز – أنتي” الروسية المملوكة للدولة، وهي الشركة الرئيسية المصنعة لأنظمة الدفاع الجوي والصاروخي، أكد أن الحرب في أوكرانيا خلقت مشاكل كبيرة لنشاط الشركة التصنيعي منذ أبريل 2022. كما أن روسيا انطلقت في استخدام صواريخ إس – 300 وحتى صواريخ إس – 400 كصواريخ أرض – أرض قصيرة المدى.
ورأى تقرير لموقع “أويل برايس” الأميركي نقلا عن مؤسسة جايمس تاون أن التأخير في إمدادات إس – 400 للهند يصبح بذلك حتميا حيث تبقى قدرة روسيا على إنتاج هذه الصواريخ محليا محدودة لأسباب أهمها العقوبات الغربية. لكن هذا الموقف يوضح أولويات الكرملين في مجال الدفاع الجوي والصاروخي.
استثمرت روسيا حوالي 550 مليار روبل (13 مليار دولار) وأكثر من عقدين في تحديث قدرتها الإنتاجية لأنظمة الدفاع الجوي والصاروخي. وكلّفها تطوير ثلاثة مصانع جديدة في سانت بطرسبرغ وكيروف ونيجني نوفغورود 107 مليار روبل (3 مليارات دولار). وشملت مشاريعها الرئيسية تطوير أنظمة إس – 400، ومنصات إطلاق لنظام الدفاع الصاروخي الباليستي في موسكو، وصاروخ 53 تي 6 المضاد للصواريخ الباليستية والصاروخ بعيد المدى 51 تي 6، وتطوير أنظمة الدفاع الصاروخي الباليستية المتنقلة إس – 500 مع صواريخ اعتراضية إن – 677 من المحتمل أن تكمّل صواريخ تي 635 الحديثة أو أن تعوّضها.

اقرأ أيضاً: بوتين يدشّن حقبة جديدة من الانتشار النووي
لكن المشكلة في نهج الإنتاج الروسي هي أن كل المشاريع المخطط لها كانت طموحة جدّا وواجهت مشاكل تكنولوجية وتصنيعية عديدة على الرغم من المليارات من الروبلات المُعتمدة في الاستثمارات وعشرات الآلاف من المهندسين والعلماء الذين يعملون في “ألماز – أنتي”.
ولم تكن روسيا على سبيل المثال قادرة سوى على بدء تصنيع متسلسل متدرج لصواريخ إن – 640 بعيدة المدى لأنظمة إس – 400 بحلول 2018.
وجاء الإعلان عن بدء التصنيع التسلسلي لأنظمة إس – 500 في 2021، أي بعد سنة واحدة من الهدف الأصلي المخطط له. كما أعلِن عن أول تسليم لأنظمة إس – 500 إلى القوات المسلحة الروسية في 2022.
ولكن هذه الإمدادات لن تكون جاهزة حتى 2025. وقد نشهد بهذا تأجيل الانتهاء المعلن عن التحديث النهائي لنظام الدفاع الصاروخي الباليستي حول موسكو بحلول نهاية 2023 لانتشار المشاكل في تصنيع هذه الصواريخ.
وتعد منظومة إس – 500 من أقوى الأنظمة الدفاعية في العالم حيث يمكنها أن تتصدى لصواريخ باليستية في الفضاء القريب تبعد عن الأرض 600 كيلومتر حتى لو طارت بسرعة تفوق كثيرا سرعة الصوت.
وكي تتمكن إس – 500 من التعامل مع أهداف خارج غلاف الأرض الجوي، تم تزويدها برادار “60 كا 6” القادر على اكتشاف أهداف تبعد عن الأرض 2000 كيلومتر، والذي لا تحتوي عليه منظومة إس – 400 التي يقدّر مدى صواريخها الاعتراضية بـ400 كيلومتر. ولا يكتفي رادار “60 كا 6” بالبحث عن الأهداف الواجب اعتراضها، بل يكشف للصواريخ الاعتراضية مسار الصواريخ المزمع صدها.
وتستطيع منظومة إس – 500 صدّ طائرات شبحية أيضا، مثل مقاتلتي “أف – 22″ و”أف – 35” الأميركيتين. وعموما، فإن منظومة إس – 500 تقدر على صدّ جميع وسائل الهجوم، جويا وفضائيا، أيا تكن سرعتها وارتفاعها.
لكن الكرملين وشركة “ألماز – أنتي” يحاولان الآن التركيز على تعزيز عملية تحديث نظام الدفاع الصاروخي الباليستي حول موسكو وقد لا يهتمان كثيرا بسمعة تصدير الأسلحة الروسية في نظر الهند وغيرها.
ومع تقلّص ميزات السوق العالمي أمام روسيا أثناء الحرب، أصبحت إمدادات الأسلحة المحلية الأولوية القصوى مع تواصل نقصها في صفوف القوات المسلحة الروسية. وقد يعتقد الكرملين فيما يتعلق بأنظمة الدفاع الجوي والصاروخي أن روسيا الضعيفة يجب أن تكون جاهزة في أقرب وقت ممكن لمواجهة قادمة مع الجيش الأوكراني الحديث المجهز بأسلحة وذخائر غربية.
ويبعث ذلك الشك في الإعلان عن نشر المزيد من أسلحة الدفاع الجوي والصاروخي للعمليات الخاصة. وسيتعين على روسيا بالتالي أن تبدع في قدراتها الدفاعية الصاروخية الباليستية في موسكو وحولها في مواجهة تعدد مشاكل الإنتاج والعجز المتزايد في القدرات التقنية على المدى القصير إلى المتوسط.

وتؤكد تصريحات سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، التي أطلقها الاثنين، أن اهتمام روسيا بتحديث منظومة الدفاع الجوي حول موسكو على حساب الإيفاء بصفقات الأسلحة مع الهند وغيرها يأتي استعدادا لأيّ هجوم محتمل، وإن كان غير مرجح، على العاصمة.
وقال باتروشيف خلال مقابلة مع صحيفة “روسيسكايا غازيتا” إن ثقة الولايات المتحدة في احتمال توجيه ضربة صاروخية وقائية على روسيا في حالة نشوب صراع مباشر بـ “الغباء الخطير للغاية”، مؤكدا أن روسيا لديها سلاح فريد يمكنها به تدمير أيّ عدوّ بما في ذلك الولايات المتحدة في حالة وجود تهديد على وجودها.
وتابع “يظل السياسيون الأميركيون لسبب ما واثقين من أنه في حالة حدوث صراع مباشر مع روسيا، فإن الولايات المتحدة قادرة على توجيه ضربة صاروخية وقائية، وبعد ذلك لن تكون روسيا قادرة على الرد. هذا غباء قصير النظر وخطير للغاية”.
وأضاف “يتحدث البعض في الغرب بالفعل عن الانتقام الذي سيؤدي إلى انتصار عسكري على روسيا، ويتناسون بهذا دروس الماضي. لهذا يمكننا أن نقول شيئًا واحدًا، وهو أن روسيا تتحلى بالصبر ولا تخيف أحدًا بميزتها العسكرية. لكنها تمتلك أسلحة حديثة فريدة من نوعها قادرة على تدمير أيّ عدوّ، بما في ذلك الولايات المتحدة، في حالة وجود تهديد لوجودها”.