موروثات تقليدية إماراتية برؤية عالمية في لندن

"إرثي للحرف المعاصرة" يعرض مجموعة تصاميم حصرية تضم 78 قطعة فنية تجمع بين الحِرف والموروثات التقليدية الإماراتية، وعدد من فنيات الحِرف العالمية.
الأحد 2019/09/22
زوار يطلعون على مجموعة من المداخن من عمل بإشراف الفنانة البريطانية آدي توك

شاركت الإمارات كضيف شرف بأحد أكبر معارض التصميم في العالم، بمجموعة من المعروضات مزجت بين عناصر ومواد مستوحاة من البيئة الإماراتية وتراثها، وتصاميم حديثة تجسد مفاهيم الاستدامة، بإمضاء فنانين إماراتيين وأوروبيين.

لندن – لفتت المشاركة الإماراتية لهذا العام في “معرض لندن للتصميم” الأنظار، وتميزت بالتألق في حدث سنوي يستقطب كبرى منصات التصميم والفنون في العالم.

واصطحبت المشاركة الإماراتية زوار معرض لندن للتصميم في رحلة عبر تاريخ ومراحل صناعة الحرف التقليدية الإماراتية، ابتداء من المواد الخام وكيفية تحضيرها للاستخدام في الحرف، مرورا بعملية التصميم والتصنيع اليدوي، وصولا إلى المنتج بشكله النهائي.

وأدخل المجلس “إرثي للحرف المعاصرة” التابع لمؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة في الشارقة، خلال مشاركته ممثلا للإمارات، على تصميم جناحه الخاص في المعرض، الذي يمتد على مساحة 40 مترا مربعا، عناصر ومواد مستوحاة من بيئة الإمارات وتراثها، وتصاميم حديثة تجسد مفاهيم الاستدامة.

وعرض المجلس مجموعة تصاميم حصرية تضم 78 قطعة فنية من المجوهرات والديكور والأثاث والحقائب، وغيرها من المشغولات الإبداعية والفنية، التي تجمع بين الحِرف والموروثات التقليدية الإماراتية، وعدد من فنيات الحِرف العالمية.

ومجلس إرثي للحرف المعاصرة مؤسسة إماراتية تهدف إلى تمكين المرأة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، من خلال إحياء الحرف التقليدية وتطويرها، بالإضافة إلى توفير مستقبل مستدام لهذه الحرف.

ويقدم المجلس الدعم للحرفيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجنوب شرق آسيا، وآسيا الوسطى، من خلال توفير برامج التدريب المهني والفني، والتطوير الاجتماعي، إلى جانب برامج تبادل الخبرات والمهارات.

كما يسعى المجلس للمحافظة على الحرف التقليدية والتراثية الإماراتية، وبناء جيل من الحرفيات والمصممات، وتعزيز مشاركة الناشئة من خلال تزويدهم بالتدريب والإرشاد والتوجيه.

تصاميم لفتت زوار معرض لندن للتصميم
أقراط "حليمة" من مجموعة سباكة الذهب والسفيفة من عمل المصممة الإماراتية علياء بن عمير

وصمم المنتجات ونفذها أكثر من 40 حرفيّة ومتدربة من برنامج “بدوة” للتنمية الاجتماعية التابع للمجلس، بالتعاون مع فنانين ومصممين وحرفيين عالميين من الإمارات، وباكستان، واليابان، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وإسبانيا، وإيطاليا، وفلسطين، خلال اثنين من أبرز مشاريع المجلس؛ “مختبرات التصميم”، و”حوار الحِرف”.

وقال الشيخ فاهم بن سلطان القاسم، رئيس دائرة العلاقات الحكومية في الشارقة، إن “دعوة مجلس “إرثي” للحرف المعاصرة لتمثيل دولة الإمارات العربية المتحدة ضيف شرف معرض لندن للتصميم يعد انعكاسا لجهود إمارة الشارقة في تعزيز الريادة المجتمعية”.

وأضاف “كل مجموعة هي نتاج التعاون بين مصممين إماراتيين، ومصممين دوليين، ما يعكس تنوعاً ثقافياً وفنياً ملحوظاً، ونسعى من خلال الأعمال المعروضة إلى تجسيد رسالة التفاهم الثقافي التي تتبناها دولة الإمارات، وتوضح حجم التبادل والتعاون بين الإمارات والمملكة المتحدة”.

وقالت ريم بن كرم، مديرة مؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة “مشاركة إرثي في معرض لندن للتصميم، والكشف عن أول خط إنتاج حصري للمجلس، تساهم في تعزيز العمل الإبداعي المشترك بين الحرفيات والفنانين والمصممين الإماراتيين والعالميين”.

مختبرات التصميم

وتنقسم الأعمال المعروضة إلى 12 مجموعة، تشمل أربع مجموعات من مشروع “حوار الحِرف”، وثماني مجموعات من مشروع “مختبرات التصميم”، تضم كلٌّ منها 3 إلى 10 قطع فنية مصنوعة يدوياً.

مشروع “مختبرات التصميم” الذي أطلقه مجلس إرثي للحرف المعاصر يجمع نخبة من المتدربات الإماراتيات والحرفيّات في برنامج “بدوة” للتنمية الاجتماعية التابع للمجلس، مع عدد من المصممين المحترفين الإماراتيين والعالميين، للعمل على إنتاج ثماني مجموعات بتقنيات تدمج بين الحرف اليدوية المحلية والعالمية، تتضمن منتجات يوميّة وأعمالا فنية.

أواني من الجلد الإسباني والتلي الإماراتي، من إنتاج المصمم الإسباني أدريانسلفادور كانديلاوالمصممة الإماراتية شيخة بنظاهر
أواني من الجلد الإسباني والتلي الإماراتي، من إنتاج المصمم الإسباني أدريانسلفادور كانديلاوالمصممة الإماراتية شيخة بنظاهر

ويهدف المشروع إلى تدريب جيل جديد من الحرفيّات للارتقاء بإمكاناتهن، وإكسابهن خبرات في مختلف الحرف، وضمان مستقبل مستدام للحرف التقليدية اليدوية.

وفي هذا الإطار يرتكز مشروع “حوار الحرف” الذي أطلقه المجلس بالتعاون مع مؤسسة “كريتيف ديالوغ” في برشلونة، على المزج بين الحِرف التقليدية الإماراتية والعالمية مع إدخال فنون التصميم الحديث بما يقابلها مع حرف تقليدية.

وقد نجح المشروع في إتاحة فرصة للحوار وتبادل الأفكار بين مصمّمين إماراتيين وإيطاليين، وإسبان، حول تقنيات التصميم والإنتاج، حيث تعاونوا على إنتاج أربع مجموعاتٍ حصريّة تتداخل في صناعتها وتصميمها عناصر وفنون التلي والسفيفة والفخار من الإمارات، والجلد الإسباني، وزجاج مورانو الإيطالي.

وتعاونت المصممة الإماراتية فاطمة الزعابي مع المصمم الإيطالي ماتيو سيلفيريو لتقديم المجموعة الأولى من مشروع حوار الحرف، والتي تجمع الفخار الإماراتي بزجاج مورانو الإيطالي، لصنع مزهرية، وشاحن للهواتف، ومصباح.

وفي المجموعة المبتكرة من تصاميم الكراسي التي يقدمها “إرثي” قدم المصممون لورا بلاسكو وخوانمي خواريز وأليكس استيفيز من “ميرميلادا استوديو” في برشلونة الإسبانيّة والمصممة الإماراتية غاية بن مسمار صورة حية لاستخدام نسج السفيفة في فن صناعة الأثاث، للمرة الأولى.

واستوحى المصممون هذه الأعمال من مجموعة صور لبيوت “العريش” التقليدية، التي تبنى من سعف النخيل وتتواجد في المناطق الصحراوية.

السفيفة والفخار

وتتكون هذه المجموعة من مقاعد وطاولات مشغولة بالفخار يمكن جمعها لتبدو كأنها عمود منحوت، حيث ابتكر المصمم الإماراتي عبدالله الملا والمصمّمة الإسبانية بيبا ريفيرتر قطع أثاث ضخمة يتجاوز عرضها 60 سنتمتراً وارتفاعها متراً واحداً، واستخدم المصممان نسيج السفيفة التقليدي كعنصر تصميم بتناغم مع الأشكال الفخارية.

وترتكز مجموعة الأواني التي يقدمها المصمم الإسباني أدريان سلفادور كانديلا والمصممة الإماراتية شيخة بن ظاهر، على الميزات الطبيعية للجلد، إذ يمكن التحكّم بالجلد بسهولة ومرونة عند تبليله بالماء. وتمزج هذه الأواني الجلد الطبيعي ومنسوجات التلّي لتعرض حواراً بين حرفتين وثقافتين.

جداريّات إماراتية ويابانية

تصاميم مستوحاة من أشكال الفنون الإسلامية التاريخية
قوارير عطور، بالتعاون مع المصممة الفلسطينية ديما سروجي

الفنانان كازويتو تاكادوي، المصمم الياباني، والفنانة باتريشا سوانيل المقيمان في بريطانيا، تعاونا لإنتاج لوحات جدارية تجمع التطريز باستخدام مواد طبيعية على ورق “الواشي” الياباني وحرفة السفيفة الإماراتية.

في حين تتميّز مجموعة الحقائب المبتكرة في المعرض عن غيرها باستخدامها تقنيات نسج السفيفة الإماراتية وتقنيات النسيج الأميركية. وتم استبدال سعف النخيل بجلد الإبل، حيث جاء إنتاجها بتعاون بين حرفيّات ومتدربات من برنامج بدوة والفنانة الأميركية جنيفر زوريك.

عطر فلسطيني إماراتي

ولفتت الأنظار في المعرض قوارير العطر المصنوع من دهن العود الإماراتي والمعبأ في زجاج من عمل الفنانة والمصممة الفلسطينية ديما سروجي بالتعاون مع حرفيين متخصصين بالنفخ في الزجاج ومتدرّبات من برنامج بدوة على إنتاجِ زجاجاتٍ للعود والعطور ومداخن زجاجية للعود. وتتميز الزجاجات بتصاميم جديدة ومختلفة، تمثل البيئتين الفلسطينية والإماراتية وتجسد شكل نبات الصبّار والأحجار المرجانية وقناديل البحر.

وتعاونت الفنانة أدي توك التي تعمل مع متحف “فيكتوريا وألبرت” والمرشحة لجائزة “لويفي” في المملكة المتحدة، مع الفنانين الإماراتيين لصنعِ مجموعة من مداخن العود المعدنية وآنية لحفظ دهن العود، مستوحاة من أشكال الفنون الإسلامية التاريخية.

وصُنع كل وعاء يدوياً باستخدام تقنيات صياغة الفضة التقليدية، إلى جانب تقنيات التشكيل والباتينا التي تعلمتها حرفيات “بدوة”، إذ تم تصميم المداخن لتكون واسعة وكبيرة لتنشر دخان العود، بينما صممت آنية مغلقة لدهن العود لتحافظ عليه وتحميه من العوامل الجوية.

أثاث طبيعي

وكشفت معروضات إرثي عن قطع أثاث مكوّنة من طاولة ومجموعة من المقاعد المصنوعة في قوالب رملية، حيث أجرى المصمّمون ومتدرّبات برنامج بدوة تجارب أولية، مستخدمين كميات متفاوتة من الماء والرمل والإسمنت والطين والتراب لصنع مادة مشابهة للصخر، التي استخدموها لصناعة قطع الأثاث عبر صبها في قوالب من الرمل.

وشاركت حرفيات بدوة في صنع نسيج السفيفة باستخدام جلد الإبل لتغطية مقاعد الكراسي.

تصاميم حديثة تجسد مفاهيم الاستدامة
مسباح للديكور من مجموعة المسابح بالتعاون مع مركز التصميم الباكستاني "ذا ليل كوليكشن"

وشهد المعرض أعمالا بإشراف مصمّمة المجوهرات الإماراتية علياء بن عمير، التي قدمت مجوهرات من الذهب صممت على شكل السفيفة، ساهمت في نسجها حرفيات”بدوة” المتمرسات، فمن خوص النخيل صنعت قطع من السفيفة استخدمت لصناعة قوالب شمعية، ومن ثم تم صب ذهب من عيار 18 قيراطا في القوالب الشمعية لصنع مجموعة من المجوهرات تضم قلائد وخواتم وأقراطا بالإضافة إلى زجاجات عطور مصغرة يمكن ارتداؤها مثل القلادة.

وتحت عنوان “الخراريف” الشعبية قدم الإماراتيون لوحات مطرزة بالتلي، وهي أعمال تمت بالتعاون مع مصممة الأزياء الإماراتية خلود ثاني، وقد تعلمت متدربات برنامج بدوة حرفة التطريز على يد حرفيين متخصصين بالتطريز من علامة “بنت ثاني”، واكتسبن تقنيات التطريز على جلد الإبل.

تمكين المرأة

ويسعى برنامج “بدوة” للتنمية الاجتماعية التابع للمجلس إلى توفير دورات التدريب المهني للحرفيات الإماراتيات، وإتاحة الفرصة أمامهن للوصول إلى الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية، وتمكينهن على المستوى الاقتصادي والمهني والاجتماعي، من خلال تفعيل الشراكات التجارية وإطلاق برامج تبادل المهارات الحِرفية.

ويضم البرنامج أكثر من 60 حِرفية متخصصة بالحِرف اليدوية الإماراتية التقليدية مثل التلي (الضفائر المجدولة يدوياً)، والسفيفة (جدل سعف النخيل)، والتطريز. وعقب إطلاق مشروع “مختبرات التصميم”، انضمت مجموعة جديدة من المتدربات إلى البرنامج، وشاركن في دورات تدريبية قصيرة في الحرف اليدوية والمهارات الناعمة، بهدف تعزيز قدراتهن الحِرفية ومهاراتهن الاجتماعية.

24