مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن تروج للمدينة الوردية

مدينة بحيطان وصخور وردية في الأردن بعيدة عن عالم الحياة المعاصرة وضجيجها توفر لزائريها رحلة حياة بسيطة، فيركب الزوار الجمال والخيل والحناطير ويشربون القهوة على الطريقة البدوية، وفي الليل تشعل أحيانا الشموع لتضيء جانبا من تاريخ ليالي الشرق بهدوئه ورومنسيته، البتراء تستقبل زوارها في الليل والنهار ولمن يريد أن ينعم بأجوائها فلا تكفيه زيارة خاطفة بيوم واحد.
عمّان - تطوع ناشطون أردنيون لنشر وبث محتوى رقمي عن المناطق السياحية والأثرية في الأردن على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة تدعو لزيارة أماكن تنقلُ الزائر إلى التاريخ وعبق الحضارات القديمة.
يقول حسني معيوف المصور والناشر على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، المعنونة بـ”مرحبا بكم في الأردن من أعماق قلبي” ومترجمة أيضا باللغة الإنكليزية، “بدأت عملي التطوعي للترويج للسياحة الأردنية منذ العام 2010”، مؤكدا أن إبراز هوية الأماكن والمناطق السياحية في المملكة يعد واجبا وطنيا.
ويشير معيوف إلى أنّ عدد مشاهدي الصفحة تجاوز 270 ألف متابع من 88 دولة، موضحا أن معظم الصور ومقاطع الفيديو المنشورة على الصفحة تعمد إلى إبراز معالم خفية لم تحظ بتسليط الضوء عليها سابقا في بعض الأماكن السياحية بالمملكة.
وتعتبر صفحة معيوف الوطنية التي تحتوي على أكثر من 56 ألف صورة ومقطع فيديو من أشهر الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وفقا لإحصائيات يوفرها الموقع.
معيوف، الحاصل على جائزة من جمعية الفنادق الأردنية قبل ثلاث سنوات، يركز في تصويره على منطقته البتراء، وبعض المناطق السياحية الأخرى، كما يركز على المشاهد الخلابة من طبيعة الأردن تزامنا مع بداية فصل الربيع في مناطق من شمال ووسط المملكة.
ويقول معيوف، إن الصور قد تغري السياح بزيارة البتراء التي انضمت إلى شبكة مدن السياحة العالمية، لكنها لا تكفي لاكتشاف أسرار جمالها وتاريخها الممتد في الماضي.
وبعد أحداث السيول الأخيرة في البتراء أصبح السياح يفضلون الزيارة في الربيع الذي يمتد من مارس وحتى مايو، إذ يشهد شهر أبريل عادة استقبال عدد كبير من الوفود السياحية.
المرشد السيناريست
يقول الدليل السياحي محمد المومني إن زيارة البتراء تحلو في كل الأوقات لكن في فصل الربيع يكون الطقس ألطف، ما يسمح للسياح بزيارة أهم المعالم السياحية في البتراء كالسيق وهو عبارة عن شق صخري ضخم يصل ارتفاعه إلى 80 مترا مكسوًا بتشكيلة مُختلفة ومُتنوعة من التكوينات الجيولوجية الصخرية المُلونة ويعتبر مدخل المدينة وممر الوصول الوحيد إليها.
ويؤكد المومني، أن مواقع كثيرة تستحق الزيارة، منها، خزينة فرعون، والشارع المعمد والمعبد الكبير، والدير البيزنطي، وجبل هارون، وضريح المسلات ووادي موسى، ومن لا يتم زيارة كل هذه الأماكن تبقى في قلبه حسرة، لذلك ينصح دائما السياح بأن لا تقل عطلتهم عن الأسبوع.
وتؤكد السائحة البلجيكية لوار التي زارت البتراء لثلاثة أيام فقط كلام المومني، قائلة “لا تعبر الصور بأي حال من الأحوال عن مدى روعة المكان، من الموهبة المعمارية الضخمة للأنباط، إلى الطريقة الفاتنة التي تتغير بها أشعة الشمس في ألوان الصخور نهارا من البرتقالي إلى الوردي، والرمادي الداكن مع غروب الشمس. هذه الأجواء المتنوعة هي حقاً غير اعتيادية تحتاج إلى زيارة مطولة”.
وأضافت، أن شرح المرشد السياحي جعلها تنبهر بتاريخ المدينة وهي اليوم مقرة العزم على مواصلة البحث في أسرار اللون الوردي وخصوصية هذا المعمار في الكتب والمكتبات، أو العودة مرات أخرى.
ويفصّل المرشدون السياحيون الشرح والغوص في تاريخ المدينة بناء على رغبة السائح نفسه، فهناك من السياح الذين ينبهرون بالمعمار الوردي حتى أنهم لا ينصتون للمرشد الذي يضطر آنذاك للشرح السريع للأماكن كأن يقدم توضيحا سريعا: بأن يقول عن خزينة فرعون التي يمر بها السائح مباشرة باعتبارها من مواقع السياحة الجاذبة للأنظار في البتراء وأول ما يمر به السائح عند عبور السيق، “هذا بناء صخري منحوت في الجبال يعود تاريخه لعهد مملكة الأنباط تحديدًا القرن الأول الميلادي حيث تم نحتها لتكون مقبرة لأحد ملوكهم لتُصبح، ويصل ارتفاعها إلى 43 مترا وعرضها 30 مترا” مركزا على الجانب الجمالي للحيطان الوردية التي تعطي انعكاسات ضوئية بألوان خلاّبة حينما تسقط عليها أشعة الشمس.
ويقول المومني، إن “هناك من السياح الأجانب خاصة من يدفعك للشرح أكثر والحديث مطولا عن تاريخ المواقع الموجودة في المنطقة بحسن إصغائه”، لذلك يؤكد على أن يكون الدليل السياحي على دراية مفصلة بتاريخ البتراء فلا يكفي هذا النوع من السياح أن تصف له الشارع المعمد الذي تصطف على جانبيه أعمدة عملاقة منقوشة، ويرجع تاريخه للقرن الثالث قبل الميلاد حيث عهد مملكة الأنباط والرومان الذين أعادوا بناءه.
وهنا لا يمكنك أن تمر دون الحديث عن الحياة الدينية والثقافية للأنباط وأنت تمر بذلك السائح إلى المعبد الكبير لتحدثه عن طريقة بنائه لأنه لم يتم نحته في الصخر، ليكتشف السائح بنفسه عظمة مملكة الأنباط حين يدخل المعبد ليكتشف أن مساحته تتعدى 7500 متر مربع وارتفاعه يصل إلى 19 مترا وامتداد 25 مترا.
بأسلوب بسيط ومتسلسل يستطيع المرشد أن يمر بأصدقائه السياح إلى كل المواقع، هكذا يعتبر المومني أن كل القادمين معه أصدقاء له وللمدينة الوردية، ويعتبر أن لا فرق بين الدليل السياحي وكاتب السيناريو أو الراوي في الفيلم الوثائقي.
يقول المومني، “إنك حين تمر بضريح المسلات مع السياح لابد أن تعتبرهم كممثلين يكتشفون المكان الذي سيعملون به دون أن تنسى القيمة التاريخية والحضارة القديمة التي أنجزت هذه المقبرة الملكية التي تقع بأعلى تلة وتشرح النقوش المُعقّدة المنحوتة عليها، ستجدهم أحيانا منشغلين عنك باتخاذ الصور وهو أمر محمود قد يكون في حد ذاته إشهارا سياحيا مجانيا فكلنا نظل أياما طويلة نتحدث عن عطلتنا ونتباهى بالصور التي اتخذناها هناك”.
وتعتبر السائحة الإنكليزية إليسا الأردن بوابة الشرق لأنه يضم إحدى أهم عجائب الدنيا وهي مدينة البتراء الوردية ووادي رم القريب منها، وتبدأ رحلتها بوادي موسى الذي يضم أكشاكا تقليدية وكأنها سوق قديمة تعيش في عصرنا الراهن، هناك اشترت بعض التذكارات من أواني خزفية وفخارية ملونة كما اقتنت هدايا من الحُلي النسائي المصنوع يدويا.
إذا كانت المدينة التاريخية بحيطانها الوردية تسحر السياح بانعكاس الشمس عليها فإن أجواءها الليلية تحلق بالحالمين في الأجواء الرومانسية إلى عالم الأحلام على ضوء الشموع والإضاءة الخافتة وعلى إيقاعات الربابة وعزفها الذي يسري في المشاعر.
السياحة الليلية في البتراء لها طابع جديد يكمل سحر المكان والصخور، فليل البتراء له رونق خاص حيث يعد المشرفون على المدينة النبطية برنامجا لزيارة السائح للمدينة الوردية ليلا بدءا من مروره بالسيق إلى غاية وصوله إلى الخزنة وتتخلل تلك الطريق التي تستغرق ساعة ذهابا وإيابا شموع مضاءة تضفي أجواء ساحرة للسياح على طول المسافة.
ويجلس السياح أمام موقع الخزنة كجزء من برنامج مدينة البتراء الأثرية للاحتفاء بهذا الصرح العظيم في الليل، حيث يضاء المكان بنحو 1500 شمعة في مشهد بديع، وتأخذ رحلة البتراء الليلية الزائر في رحلة بالمنطقة الأثرية سيرا على الأقدام لمسافة أكثر من الكيلومتر، فيما تعزف الموسيقى التقليدية أثناء استقبال مجموعة من المجتمع البدوي للضيوف في الموقع القديم.
سلع ترحب بالزوار العرب
أشاد السائح السعودي نصيف الذي أمضى إجازته مع العائلة في وادي رم والبتراء التي كانت تسمى أيضا سلع بهذه المواقع الأثرية التي زارها قائلا، إن الأردن متحف أثري مفتوح يمتلك أغنى موروث بالحضارة الإنسانية.
وبين أن الأردن يعد منطقة جاذبة ليس في الجانب التاريخي والحضاري فحسب، بل أيضا في الجانب السياحي الديني والعلاجي، مبديا إعجابه خصوصا بالبحر الميت الذي يقع في أخفض بقعة في العالم ويحوي من الأملاح ما هو نادر على المستوى العالمي، إضافة إلى وجود حمامات “ماعين” العلاجية التي تستقطب الكثير من المرضى والمستجمين وخاصة من دول الخليج العربي.
وقالت وزيرة السياحة في الأردن مجد شويكة، إن الوزارة اتخذت سلسلة إجراءات لتسهيل دخول الأشقاء العرب، والعناية بكل وسائل الراحة لهم وتأمين كافة المرافق المختصة بالخدمات السياحية الأساسية.