مواقع أثرية في السودان مهددة بالدمار بسبب الفيضانات

الخرطوم - تواجه مواقع أثرية في السودان تهديدا غير مسبوق بسبب ارتفاع مستوى مياه الفيضانات التي تجتاح البلاد منذ أيام، وسط تحذيرات من قبل علماء ومسؤولين من التهاون في معالجة هذه المشكلة قبل أن تتعرض للتدمير.
ولطالما نبه المختصون من تأثير التغيّرات المناخية، حيث إن ارتفاع حرارة الأرض بأكثر من درجة ونصف الدرجة سيؤدي إلى اضطراب لم يسبق له مثيل في الأنظمة البيئية منذ ظهور أولى الحضارات البشرية.
وتبدو مخاوف المسؤولين السودانيين مفهومة خاصة وأن هذه الكارثة قد تزيد من تعقيد وضعية البلاد، فقد قال حاتم النور مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف إن “الفيضانات العارمة التي يشهدها السودان حاليا تهدد موقعين يضمان أهرامات مروي ونوري الملكية والموقعان من أهم المواقع الأثرية في البلاد”.
وأوضح أن الحمام الملكي في مروي، وهو حوض يمتلئ سنويا خلال موسم فيضان النيل، معرض للخطر بسبب مستويات المياه غير المسبوقة، مضيفا أن الفرق تعكف منذ أمس الاثنين على حماية الموقع من الغرق.
وتقع مدينة مروي الأثرية على الضفة الشرقية لنهر النيل على بعد نحو 200 كيلومتر شمال شرقي العاصمة الخرطوم. وكانت مروي عاصمة أسرة كوش التي حكمت في مطلع القرن السادس قبل الميلاد.
وقال النور إن المقابر الواقعة على عمق يتراوح بين سبعة وعشرة أمتار أسفل الأهرامات في مدينة نوري، التي تبعد 350 كيلومترا شمالي الخرطوم تضررت بسبب زيادة منسوب المياه الجوفية.
عاصمة مملكة مروي في البجراوية مدينة مدرجة منذ 2003 على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي
وأعلن مدير الوحدة الأثرية الفرنسية في السودان مارك مايو لوكالة الصحافة الفرنسية الاثنين الماضي أنّ منطقة البجراوية الأثرية التي كانت في ما مضى عاصمة للمملكة المروية، مهدّدة بالفيضان بسبب ارتفاع منسوب مياه نهر النيل إلى مستوى قياسي.
وقال مايو إنّ “مفتّشي الآثار السودانية بنوا سدودا في المكان بواسطة أكياس معبّأة بالرمال واستخدموا المضخّات لسحب المياه ومنعها من إتلاف هذه التحفة الأثرية”.
وكانت السلطات السودانية قد أعلنت السبت الماضي حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد بسبب الفيضانات القياسية التي خلّفت ما يقرب من 102 قتيل ودمّرت أو ألحقت أضرارا بأكثر من 100 ألف منزل.
وبحسب خبير الآثار الفرنسي فإنّه لم يسبق أبدا للفيضانات أن بلغت مدينة البجراوية الملكية التي تبعد 500 متر عن مجرى نهر النيل. وإذ أكّد مايو أنّ الوضع حاليا تحت السيطرة، لكنه حذّر من أنّه إذا استمرّ ارتفاع منسوب النيل، فقد لا تعود الإجراءات المتّخذة كافية.
ولكن المخاوف لا تتعلق بآثار هذه المملكة غير أن العالم الفرنسي يؤكد أن مواقع أثرية أخرى مهدّدة بفعل الفيضانات على طول مجرى النيل.
ومنطقة البجراوية الأثرية تضمّ المقبرة حيث أهرامات مروي الشهيرة والمدينة الملكية لهذه الإمبراطورية المركزية التي حكمت من سنة 350 قبل الميلاد إلى سنة 350 ميلادية وكانت أراضيها تمتدّ على وادي النيل لمسافة 1500 كيلومتر، من جنوب الخرطوم وصولا إلى الحدود المصرية.
وزار وزير الثقافة والإعلام فيصل صالح المدينة الملكية في البجراوية للبحث عن سبل حماية هذا الموقع المدرج منذ 2003 على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي.
وتضم أهرامات نوري مقبرة طهارقة، وهو الذي حكم ما أصبح الآن يضم أراضي مصر والسودان في القرن السابع قبل الميلاد. وقال حاتم النور إن هذه المقبرة أثر تاريخي لا يقدر بثمن. ومثلما هو الحال في مصر كان أفراد الأسر الملكية في السودان يدفنون في مقابر أسفل الأهرامات.
وقبل عام، أعاد علماء آثار فرنسيون ثلاث قطع أثرية اكتُشفت في شمال السودان إلى متحف السودان القومي في الخرطوم بعد ترميمها، من بينها جدارية تعود إلى 3500 عام. وكانت هذه القطع الثلاث قد اكتُشفت في ثلاثة مواقع أثرية مختلفة خلال السنوات الأخيرة في السودان ورممها فريق من خبراء فرنسيين.
وتشمل القطع جدارية كانت مملوكة لملكة قديمة من الحضارة النوبية، ولوحا حجريا عليه كتابات بلغة حضارة مروي وهو أقدم الشواهد التاريخية على كتابة أفريقية صرفة، فضلا عن منحوتة جدارية يعود تاريخها إلى حوالي 3500 عام.
واكتُشفت الجدارية في موقع أثري في منطقة البطانة السودانية، فيما عُثر على اللوح الحجري في مدينة الموتى بمنطقة سيدينجا، أما المنحوتة الجدارية الثالثة فقد اكتُشفت في معبد قرية صلب، وكلها مواقع في شمال السودان حيث يجري فريق من علماء الآثار الفرنسيين والسودانيين أعمال حفر للاستكشاف الأثري منذ سنوات.