مواجهة إيران تمنح بنيامين نتنياهو فرصة لمحو وصمة 7 أكتوبر

تل أبيب - المواجهة مع إيران والجماعات المتحالفة معها في المنطقة تمثل بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصة لإنقاذ مكانته السياسية في الداخل حتى مع إمكانية اندلاع حرب إقليمية، وذلك بعد عام من هجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي أضر بصورته باعتباره أحد صقور الأمن.
وبعد سلسلة الضربات العنيفة على جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران في الأسابيع القليلة الماضية، استعاد الكثير من الإسرائيليين ثقتهم في أجهزتهم العسكرية والاستخباراتية بعد حالة الإحباط التي طغت عليهم جراء الإخفاقات الأمنية الكارثية التي تجسدت في الهجوم الدامي الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على بلدات في جنوب إسرائيل العام الماضي.
ونتنياهو شخصية مكروهة لمئات الآلاف الذين شاركوا في مظاهرات في أنحاء العالم احتجاجا على حرب إسرائيل على غزة خلال العام الماضي، كما يمثل إزعاجا متكررا حتى لأقرب حلفائه الولايات المتحدة لكن الأمر انعكس إيجابيا عليه في الداخل الإسرائيلي.
فقد استقبلت إسرائيل نبأ اغتيال حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله والحليف الرئيسي لحماس في غارة إسرائيلية في 27 سبتمبر بفرحة غامرة في بلد لا يزال يعاني من صدمة السابع من أكتوبر 2023 ومن الضرر الذي لحق بصورته في الخارج جراء الحرب المستمرة منذ عام في قطاع غزة.
هجوم السابع من أكتوبر 2023 أضر بشعبية بنيامين نتنياهو وصورته باعتباره أحد صقور الأمن في إسرائيل
وحتى عندما لجأ الإسرائيليون إلى الاحتشاد في الملاجئ تحت وطأة الهجوم الصاروخي الإيراني الأسبوع الماضي، فإن نجاح إسرائيل في اعتراض معظم القذائف بالتنسيق مع حلفائها الغربيين ساعد في تعزيز شعور البلاد بالقدرة على الصمود.
لكن مقتل ما لا يقل عن تسعة جنود إسرائيليين في لبنان منذ إعلان إسرائيل عن عمليتها البرية هناك في الأول من أكتوبر، أثار حالة من القلق وأعاد التذكير بالمخاطر المحتملة التي تنتظر إسرائيل هناك.
بيد أن نتنياهو الذي وصف مقتل نصرالله بأنه “نقطة تحول”، قاد جوقة من التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الإسرائيليون في الأيام الأخيرة والتي سعت إلى تهيئة السكان إلى المزيد من المعارك.
وقال في بداية اجتماع سياسي أمني بعد الهجمات الصاروخية الإيرانية “لقد ارتكبت إيران خطأ كبيرا الليلة وسوف تدفع ثمنه”.
ووفقا لاستطلاع أجرته الجامعة العبرية في القدس، فإن حوالي 80 في المئة من الإسرائيليين يشعرون بأن الحملة في لبنان حققت التوقعات أو تجاوزتها، لكن نفس الاستطلاع كشف عن خيبة أمل في ما يتعلق بالحملة في غزة، حيث أيد 70 في المئة وقف إطلاق النار من أجل إعادة الرهائن الإسرائيليين إلى ديارهم.
نجاة سياسية
حوالي 80 في المئة من الإسرائيليين يشعرون بأن الحملة في لبنان حققت التوقعات أو تجاوزتها
كان نتنياهو عضوا في وحدة النخبة بالقوات الخاصة التي نفذت عددا من أجرأ عمليات إسرائيل لإنقاذ رهائن في السبعينات. ويهيمن نتنياهو على السياسة الإسرائيلية منذ عشرات السنين وفاز بفترة ولاية سادسة غير مسبوقة في عام 2022 ليكون صاحب أطول فترة في منصب رئيس الوزراء في تاريخ البلاد.
وكان تحالفه مع الأحزاب الدينية القومية اليمينية المتشددة مفتاحا لانتصاره، وواجه بعضا من أكبر الاحتجاجات في تاريخ إسرائيل العام الماضي بشأن حزمة تدابير استهدفت الحد من سلطات المحكمة العليا مما أثار اتهامات له بأنه يقوّض أسس الديمقراطية في البلاد.
وتضررت شعبيته بشكل أكبر بسبب محاكمته بتهم فساد ينفيها.
ومنذ بداية الحرب، أفسحت الاحتجاجات على التغييرات القضائية المجال لمظاهرات حاشدة على نحو متكرر تطالب حكومته ببذل المزيد من الجهد لإعادة الرهائن الذين احتجزتهم حماس في السابع من أكتوبر، حيث أشار بعض المحتجين إلى أن نتنياهو يتعمد إطالة أمد الحرب لتحقيق أهدافه السياسية.
ودأب نتنياهو على القول إن الضغط العسكري المستمر على حماس هو فقط الذي سيعيد الرهائن، وتعهد بمواصلة الحرب إلى أن يتم القضاء على حماس كقوة عسكرية وحاكمة في غزة.
ويرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي حتى الآن تحمّل المسؤولية الشخصية عن هجمات السابع من أكتوبر والتي تعد أسوأ الإخفاقات الأمنية في تاريخ إسرائيل. واكتفى بالقول إنه سيتعين على الجميع الإجابة على أسئلة صعبة عندما تنتهي الحرب مع حماس، ورفض الدعوات التي تطالب باستقالته وبإجراء انتخابات مبكرة.
نتنياهو شخصية مكروهة لمئات الآلاف الذين شاركوا في مظاهرات في أنحاء العالم احتجاجا على حرب إسرائيل على غزة خلال العام الماضي
وخارج إسرائيل، كان نتنياهو هدفا للمحتجين الغاضبين من الحملة العسكرية الإسرائيلية التي ألحقت دمارا هائلا بقطاع غزة وقتلت وفقا للسلطات الصحية الفلسطينية أكثر من 42 ألف فلسطيني. وانتقدت حكومات دول أجنبية منها الولايات المتحدة الحليف الوثيق لإسرائيل الهجوم الإسرائيلي على غزة وعبّرت تلك الحكومات عن قلقها أيضا من امتداد الصراع إلى لبنان.
وتنظر المحكمة الجنائية الدولية في طلب الادعاء بإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، مما يضعه في نفس الخانة مع يحيى السنوار القيادي بحركة حماس التي تصنفها الكثير من الدول الغربية منظمة إرهابية.
ولم تضر هذه التطورات بصورة نتنياهو في الداخل بين قاعدته من أنصار اليمين رغم كونه أكثر الزعماء استقطابا في تاريخ إسرائيل.
ووصف نتنياهو الخطوة التي اتخذها الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية بأنها “سخيفة” وقال إنها موجهة ضد إسرائيل بأكملها ومعادية للسامية.
عدو لدود
نتنياهو يرفض حتى الآن تحمّل المسؤولية الشخصية عن هجمات السابع من أكتوبر والتي تعد أسوأ الإخفاقات الأمنية في تاريخ إسرائيل
قبل أن تبدأ إسرائيل حملتها المتصاعدة ضد حزب الله الشهر الماضي، كانت شعبية نتنياهو السياسية قد تحسنت بالفعل في الداخل إلى حدّ ما خلال عام من الحرب ضد حماس، وهي حركة يعتبرها معظم الإسرائيليين حتى من اليسار عدوا لدودا.
وتظهر استطلاعات الرأي في الآونة الأخيرة أن حزب ليكود أصبح مرة أخرى أقوى حزب في إسرائيل، رغم أنه سيواجه صعوبات من أجل تشكيل ائتلاف حاكم إذا أجريت انتخابات الآن.
ولكن قد لا يحتاج إلى ذلك، بعد أن ضم جدعون ساعر حليفه السابق، الذي تحول إلى منافس، إلى حكومته التي تشهد انقسامات في الكثير من الأحيان. وأدت هذه الخطوة إلى زيادة أغلبيته في الكنيست المكون من 120 مقعدا إلى 68 مقعدا وهي أغلبية مريحة.
وقد يمنحه هذا بعض التأمين ضد الشركاء الجامحين بالائتلاف مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وهما متشددان من حركة المستوطنين أبديا باستمرار عدم الاستعداد في اتباع نهج الحكومة.
وبعد أن تفادى اللوم على أسوأ كارثة في تاريخ إسرائيل، قد يكمل نتنياهو فترة ولايته كاملة إذ لن تجرى انتخابات قبل عام 2026.