مواجهة أونلاين بين المسلمين والهندوس مع اقتراب الانتخابات الهندية

الحملات المضللة جزء من إستراتيجية هندوسية أوسع لنشر خطاب الكراهية.
الخميس 2023/11/30
الأقليات وقود انتخابي

كلما اقترب موعد انتخابات وطنية أو محلية في الهند إلا وكان استهداف المسلمين عبر وسائل التواصل الاجتماعي جزءا من إستراتيجية انتخابية أوسع لحزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي الحاكم. وهذه المرة كان للحرب على غزة نصيب من الحملة.

نيودلهي - انتشرت رسالة على تطبيق واتساب في الهند بعد ساعات على هجوم حماس في السابع من أكتوبر وهي تزعم أنها تدرج أسماء 17 هنديا قتلوا أو أصيبوا في الهجوم. وأثارت القصة ردود فعل هائلة، لكن القائمة كانت مزيفة.

وأكد مدققو الحقائق والباحثون الذين يوثقون المعلومات المضللة عبر الإنترنت حول الأقلية المسلمة في الهند انتشار المئات من الرسائل في الأسابيع التالية للهجوم بسرعة على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الهندية.

وحذرت العديد منها الهندوس من أن المسلمين سيهددون سلامتهم إذا خسر حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي انتخابات العام المقبل.

وقال بهارات ناياك، وهو مدقق مستقل للحقائق في ولاية جهارخاند بشرق الهند، “يُستغل كل حادث محلي وعالمي لإيصال رسالة مفادها أن المسلمين أشرار، وأن على الهندوس أن يخافوا”.

وأضاف ناياك، الذي يتتبع المعلومات المضللة وخطاب الكراهية على رسائل واتساب واسعة الانتشار، “عندما لا يوجد حادث محلي في الحاضر، نسجّل إعادة تدوير للحوادث الماضية باستخدام صور ومقاطع فيديو بعد التلاعب بها للتأكيد على أهمية التصويت لصالح حزب بهاراتيا جاناتا لضمان أمن الهندوس”.

مارك أوين جونز: الصراعات تخلق فرصة لتأجيج الهندوس والمسلمين
مارك أوين جونز: الصراعات تخلق فرصة لتأجيج الهندوس والمسلمين

وقالت الباحثة رينا شاندران في تقرير نشرته مؤسسة تومسون رويترز إن خطاب الكراهية المعادي للإسلام والسامية تصاعد في جميع أنحاء العالم منذ السابع من أكتوبر، مع تداول الملايين من المنشورات المسيئة على فيسبوك وإنستغرام وتيك توك وإكس، وهو ما وثّقه مركز أبحاث معهد الحوار الإستراتيجي ورابطة مكافحة التشهير غير الربحية.

ويشكّل المسلمون في الهند حوالي 14 في المئة من سكان البلاد ذات الأغلبية الهندوسية البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة. وأكّد مدققو الحقائق وخبراء التكنولوجيا ارتفاع المعلومات المضللة وخطاب الكراهية الذي يستهدفهم مع اقتراب موعد الانتخابات العامة بحلول مايو 2024، وانتخابات العديد من الولايات هذا الشهر.

وقال مارك أوين جونز، أستاذ مشارك في برنامج ماجستير الآداب في العلوم الإنسانية والمجتمعات الرقمية بجامعة حمد بن خليفة في قطر، إن “هذا النوع من الروايات دائما ما ينبثق عن الصراعات والانتخابات وتخلق طبيعة هذا الصراع فرصة لتأجيج الهندوس والمسلمين”.

وأشار جونز الذي يدرس المعلومات المضللة إلى أن “الجهات الحكومية تسلحها لحشد القواعد بخطابات ومعلومات مضللة مثيرة للانقسام”.

وقال توم فادكان، المتحدث الرسمي باسم بهاراتيا جاناتا، في رده على طلب للتعليق إن الحزب والحكومة لا يشجعان أي خطاب كراهية ضد أي مجتمع أو شخص.

وقال رئيس الوزراء ناريندرا مودي في حديثه خلال زيارة للبيت الأبيض في يونيو “لا يوجد مجال لأي تمييز” على أساس الطائفة أو العقيدة أو الدين أو الجنس في حكومته.

وعرفت الهند تاريخا طويلا من الاشتباكات الطائفية. واتهمت جماعات حقوق الإنسان أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا وحلفاءه باعتماد الخطاب التحريضي ضد المسلمين لتأجيج العنف خلال العقد الماضي.

وانتشرت هاشتاغات مثل “جهاد الكوفيد” و”جهاد الحب” خلال السنوات الأخيرة لاتهام المسلمين بنشر فايروس كورونا المستجد عمدا وإجبار النساء الهندوسيات على اتباع الدين للزواج.

واندلعت اشتباكات دامية بسبب شائعات كاذبة على واتساب وفيسبوك عن اختطاف عصابات إسلامية للأطفال.

وأطلق حزب بهاراتيا جاناتا حملة وطنية لجذب الناخبين المسلمين، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يفوز بولاية ثالثة في 2024. وقال زعيم بارز في حزب إسلامي هذا الشهر إن العنف بين الهندوس والمسلمين لا يتصدر عناوين الأخبار إلا الآن لأن المنافسين السياسيين يستغلونه لاستهداف الحزب.

المنصات فشلت في التعامل مع معاداة السامية، والعنصرية المعادية للسود، والتمييز ضد النساء

ووجد الباحثون أن الانتخابات تؤجج خطاب الكراهية ضد المسلمين، حيث بلغ متوسط الصدامات أكثر من حادثة واحدة يوميا في النصف الأول من 2023، وكانت جلها في الولايات التي تشهد انتخابات مقبلة، وفقا لمجموعة مراقبة الهجمات على الأقليات هندوتفا ووتش، ومقرها واشنطن.

وأكدت منظمة التحقق من الحقائق “بوم لايف” زيادة في المعلومات المضللة قبل الانتخابات في ولاية كارناتاكا الجنوبية في مايو التي فاز حزب المؤتمر الوطني المعارض بها.

وقالت كارين ريبيلو، وهي نائبة رئيس التحرير في المنظمة، إن “المعلومات المضللة التي تستهدف المسلمين أصبحت أكثر شراسة وعدوانية، حيث عززت معظم الادعاءات الكاذبة الصور النمطية السلبية”.

وقالت شركة ميتا المالكة لفيسبوك وإنستغرام إنها أضافت المزيد من مدققي الحقائق في الهند، “مما يجعلها الدولة التي تعتمد أكبر عدد من المدققين التابعين لجهات خارجية في المؤسسة”.

وقال المتحدث الرسمي باسم ميتا “وضعنا إستراتيجية شاملة للانتخابات، وهي تتضمن كشف خطاب الكراهية والمحتوى الذي يحرض على العنف بهدف إزالته، والحد من انتشار المعلومات المضللة… والشراكة مع السلطات الانتخابية للعمل على المحتوى الذي ينتهك القانون المحلي”.

الانتخابات على الأبواب

وقالت منصة يوتيوب إنها تزيل “المحتوى المخالف في أسرع وقت ممكن عند الإبلاغ عنه”، مضيفة أن فريقها يراقب الاتجاهات في “أشكال المحتوى الخطرة” ويعالجها قبل أن تشكّل خطرا أكبر.

وتعد الهند من بين أكبر الأسواق لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي. وتسجّل أكثر من 300 مليون مستخدم على فيسبوك، ونحو 500 مليون على يوتيوب وواتساب.
وكثيرا ما تخالفت شركات التواصل الاجتماعي مع السلطات الهندية بشأن الإشراف على المحتوى.

وحظرت حكومة مودي تطبيق تيك توك في 2020 بسبب مخاوف أمنية، وشددت تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبة بالإزالة السريعة للمنشورات التي تعتبر ضارة وبالقدرة على تتبع المعلومات.

وتلقت ميتا ما يقرب من 64 ألف طلب لإزالة محتوى من الحكومة الهندية في النصف الثاني من 2022، حسبما تظهره بياناتها. وشكّلت هذه الإبلاغات أكثر من ربع جميع الطلبات.

وأزال موقع يوتيوب التابع لشركة غوغل أكثر من مليوني مقطع فيديو في الهند من أبريل إلى يونيو 2023، وهو ما شكّل أكبر عدد في العالم.

لكن جايشري باجوريا، الباحثة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، قالت إن المسؤولين الحكوميين يستهدفون منشورات المنشقين ونشطاء حقوق الإنسان، بما في ذلك الناشطون المسلمون، وليس المحتوى الضار الذي ينشره قادة حزب بهاراتيا جاناتا أو حلفاؤهم.

وأضافت “لا يحاسب قادة حزب بهاراتيا جاناتا أو أنصاره الذين ينشرون تعليقات مسيئة ضد المسلمين أو الأقليات الأخرى، ويحرضون على العنف”.

حزب بهاراتيا جاناتا أطلق حملة وطنية لجذب الناخبين المسلمين، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يفوز بولاية ثالثة في 2024

ووافقت ميتا على إجراء تقييم مستقل لتأثير حقوق الإنسان بعد أن سربت فرانسيس هوغن، المبلغة عن مخالفات فيسبوك، وثائق داخلية في 2019 تظهر أن المنصة تكافح لمراقبة خطاب الكراهية في دول من بينها الهند.

ولم تنشر ميتا التقرير الكامل، على الرغم من دعوات جماعات حقوق الإنسان التي حثتها على ذلك.

وقال المتحدث إن لميتا “سياسات واضحة ضد خطاب الكراهية وتزيل المحتوى الذي يحض عليها والذي يستهدف أي شخص على أساس دينه أو جنسيته أو عرقه أو طائفته”.

ولا يقتصر الأمر على الهند، حيث فشلت شركات وسائل التواصل الاجتماعي في التحرك لمعالجة 89 في المئة من المنشورات التي تشمل كراهية معادية للمسلمين ومحتوى معاديا للإسلام بعدما أبلغ المستخدمون عنها، حسب تقرير صدر العام الماضي عن مركز مكافحة الكراهية الرقمية، وهو منظمة بريطانية غير ربحية.

وأكّد التقرير أن المنصات فشلت في التعامل مع معاداة السامية، والعنصرية المعادية للسود، والتمييز ضد النساء.

وقال إس كيومسعود، وهو ناشط في مجال حقوق الأقليات في مدينة حيدر أباد الهندية، “يبدو أن المنصات تعتزم إسكات المستخدمين المسلمين أكثر من إيقاف خطاب الكراهية”. وقدم شكايتين حول خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي.

وعندما قُتل ما يقرب من 300 شخص في حادث قطار في ولاية أوديشا الشرقية في يونيو، وثقت بوم وألت نيوز ما لا يقل عن اثني عشر ادعاء كاذبا حول الحادث. وتراوحت من الزعم أن مدير المحطة هو مسلم هارب إلى وجود مسجد بالقرب من السكة الحديدية.

وقال كيران جاريميلا، الأستاذ المساعد في كلية روتجرز للاتصالات والمعلومات في نيوجيرسي، وهو يدرس المعلومات المضللة على واتساب، إن “هذه الرسائل تنتشر على نطاق واسع لأن الروايات التي تبثها تلقى دعما في المجتمع. وتسهّل هذه المنصات تضخيم التحيزات”.

7