مهندس لبناني يصادق الكتب تحت جسر في بيروت

بيروت ـ محاطا بالمئات من الكتب، يعيش المواطن اللبناني محمد إسماعيل المُغربي (79 عاما)، الذي عمل مهندسا في السابق، تحت أحد جسور العاصمة بيروت.
ومع أنه لم يفارق قارعة الطريق منذ سنتين، فإنه يرفض أن يطلق عليه تسمية “مشرد”، ويؤكد أن هذا المكان “جميل” بالنسبة إليه.
ولد الرجل في بيروت عام 1943، ولا تزال كلماته ملونة باللهجة المصرية تأثرا بالأعوام التي أمضاها في القاهرة عندما كان يدرس الهندسة، قبل أن تتبدل أحواله وظروفه.
تخرج المُغربي من كلية الهندسة المدنية بجامعة القاهرة، ودرس لمدة ست سنوات “قانون العمارة الحديثة”، وعمل محاضرا في الجامعة القانونية، كما عمل في مجاله وأيضا بالتجارة الحرة خلال فترات متفاوتة من حياته.
فكرة جمع الكتب بدأت عند المهندس السابق للابتعاد عن الواقع الصعب حينما دخل السجن عام 2018، لنحو سنة و3 أشهر، قبل أن يخرج براءة، بحسب ما يروي للأناضول.
بعد خروجه من السجن لم تتسن له العودة إلى المنزل الذي كان يقطنه، بسبب خلافات حول الأرض.
المغربي يستمر في جمع الكتب حتى تحوّل الجسر إلى ما يشبه مكتبة مبعثرة في الهواء، يقصدها محبو المطالعة
يُفضل ألا يُدخل عائلته في ظروفه ومشكلاته، ويقول إن لديه ثلاثة أولاد، شابان خارج البلاد وابنة متزوجة، بينما زوجته متوفية.
ويشير إلى أنه كان يقيم سابقا على أرض تعود إلى أحد الأشخاص قرب بيروت، إلا أن “سماسرة” حاولوا الاستيلاء عليها، فدخل السجن بسبب تلك القضية، لكنه خرج بريئا في ما بعد.
ومنذ ذلك الحين، لجأ المُغربي إلى أحد جسور بيروت، استقر تحته، واستمر في جمع الكتب، حتى تحول المكان إلى ما يشبه مكتبة مبعثرة في الهواء، يقصدها محبو الروايات والباحثون عن كتب نادرة.
بين أكوام الكتب، يوجد سرير وبعض الأمتعة وموقد حطب، أشياء كانت كفيلة بجعل المُغربي لا يفارق المكان مهما كانت الظروف المناخية، إلا للاستحمام في إحدى محطات الوقود المجاورة.
يمضي المُغربي أيامه في مطالعة الكتب وترتيبها، وعلى وجهه ابتسامة لا تفارقه، وتظهر جليا في أثناء حواراته مع الذين يقصدونه بحثا عن كتب معينة.
لا يحب وصفه بالمشرد، كما يرفض أن “يتصدّق” عليه أحد، أو يعطيه مالا للمساعدة، إنما يعتمد على بيع الكتب لكن على طريقته الخاصة.
لا يُسعّر المُغربي الكتب، أما إذا كان الشخص لا يحمل مالا فيمكنه أيضا الحصول على أي كتاب يختاره مجانا، هكذا يتعامل الرجل مع زبائنه.
ويقول “الكتاب لا يقدر بثمن، لأن القراءة تجعل المواطن إنسانا شريفا ومثقفا”، مردفا “بالثقافة نكون، وبغير الثقافة لا نكون”.

وعن مصدر الكتب، يوضح المُغربي أن كثيرا من الأصدقاء والمعارف يقدمون له الكتب مجانا.
كما أنه يقصد السوق الشعبية وبعض المكتبات، بحثا عن كتب معينة، لكنه يستغرب أحيانا غلاء أسعار الكتب في تلك المكتبات.
أما ظروف المعيشة في العراء وصعوباتها، فهي “أمور ثانوية” بالنسبة إلى المُغربي الذي يؤكد أنه “يجد نفسه بهذا المكان أكثر من أي مكان آخر”.
ويقول “وجدت الإنسانية بهذا المكان، الناس تعبر لي عن لطفها وأدبها”.
ويضيف “أنا لست بحاجة إلى مساعدة مادية، بل إلى كلمة نبيلة، لأن الكلمة الطيبة تجعل من المرء إنسانا، والكلمة الشريرة تقتل الإنسان”.
قصة المُغربي دفعت وزير الثقافة اللبناني محمد المرتضى إلى زيارته الأسبوع الماضي، للاطلاع على أحواله بهدف تقديم المساعدة اللازمة له.
يقول الرجل، إنه يثمن كثيرا زيارة الوزير، خصوصا أنها كانت المرة الأولى التي يزوره مسؤول ويطلع على أحواله.
ولفت إلى أنه “تحدث مع الوزير حول مدى إمكانية تحسين المكتبة وترتيبها مع بقائها في المكان نفسه، نظرا إلى أهميتها الثقافية والمجتمعية”.
ووعد المرتضى بمساعدته في هذا الشأن، كما قدم له هدية عبارة عن مجموعة كبيرة من الكتب لإغناء مكتبته، ثم وقع له على كتاب عن المتحف اللبناني ليحتفظ به.

“هذا الإنسان.. مدرسة”، بهذه الكلمات يصف الشاب عبدالحسن طنانة، المُغربي، ويقول إن “الجلوس معه هو بمثابة قراءة كتاب نظرا إلى الثقافة الواسعة التي يتمتع بها”.
يقصد طنانة المكان بحثا عن الكتب والروايات القديمة، ويقول “نجد هنا كتبا تعود إلى القرن الماضي وما قبله”.
ويضيف طنانة، الذي يعمل في مجال التسويق ويهوى القراءة “هذا النوع من الكتب لا نجدها في المكاتب الحديثة، إنما يمكن إيجادها هنا”.
وأفاد بأن “أهمية الكتب التي تعود إلى ذاك الزمان، أن كُتابها كانوا كتابا وليسوا تجارا كما هو حال الكثيرين منهم اليوم، الذين يسعون إلى الربح فقط”.
ومؤخرا، اشتعلت النيران بمكتبة المُغربي، وأتت على قسم من محتوياتها وأغراضه الشخصية، وقد اتهم “جيران” له بافتعال الحريق، فيما تتولى القوى الأمنية التحقيقات في الحادث.
وعلى إثر ذلك، أطلق نشطاء بمنصات التواصل الاجتماعي حملة لمساعدته، وتركيب مكتبة خشبية في مكان الحريق، كما قدموا له مجموعة من الكتب.
من جهتها، أصدرت وزارة الثقافة بيانا عقب الحادث، أعلنت فيه أنها تعمل بالتنسيق مع المراجع القضائية المختصة لجلاء ملابسات الحادثة وتداعياتها والعمل على معالجة الموضوع في أسرع وقت ممكن.
وأشارت الوزارة إلى أنه بعد ذلك سيُستكمل العمل على “معالجة أوضاع” المُغربي.