مهرجان كان السينمائي سبعيني يحتاج إلى التجديد

بلغ مهرجان كان السينمائي من العمر مرحلة الشيخوخة في زمن عزف فيه الشباب عن صالات العرض واتجهوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات البث التدفقي، لذلك أصبح مطالبا بأن يجدد نفسه لاستقطاب أوسع قاعدة متابعة للفن.
كان (فرنسا) – يسعى مهرجان كان السينمائي في سنة بلوغه الخامسة والسبعين لأن يجدد شبابه، ويطمح هذا الملتقى العالمي المرموق للفن السابع الذي ارتبط اسمه باسم جادة كروازيت في المدينة الفرنسية، إلى إعادة استقطاب جيل منصات البث التدفقي والشبكات الاجتماعية إلى الشاشات الكبيرة.
وكان لافتاً أن المهرجان أنهى هذه السنة شراكته القديمة مع محطة “كنال+” التي اكتسبت في ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته رمزية سينمائية، وكانت تتولى خصوصاً نقل وقائع افتتاح المهرجان واختتامه.
واعتمد المهرجان عوضاً عن “كنال+” شريكين إعلاميين جديدين، أحدهما من القطاع العام هو مجموعة “فرانس تلفزيون”، والثاني موقع “بروت” الذي يتيح مخاطبة الأجيال الشابة خصوصاً.
◙ ثمة من يرى أن الزمن تخطى قواعد اللباس الصارمة على السجادة الحمراء كالكعب العالي للنساء وربطة العنق للرجال
وهذا الموقع المتخصص في مقاطع الفيديو القصيرة والذي أسسه قبل خمس سنوات المسؤول السابق في “كنال+” رونو لو فان كيم، موجود أيضاً في الهند ومصر وساحل العاج واليابان. ويؤكد الموقع أن عدد متابعيه يبلغ نحو 500 مليون من أكثر من مئة دولة، تتراوح أعمار معظمهم بين الثامنة عشرة والرابعة والثلاثين.
من هنا، ثمة بُعد رمزي للتحالف بين المهرجان وهذا الموقع في خضمّ تراجع الإقبال على دور السينما.
ولا يقصد كثير من الشباب دور السينما إلا لحضور أفلام الأبطال الخارقين سواء أكانت من إنتاج “مارفل” أو “دي.سي كوميكس”.
إلا أن رئيس “بروت” غيّوم لاكروا لاحظ أن المواضيع التي تتناولها أفلام مهرجان كان “تعبّر بشكل كبير عن الشباب في كل أنحاء العالم”. ورأى لاكروا في شراكة “بروت” مع المهرجان وسيلة لجعله “أكثر شمولاً”، إن من حيث قدرته على إثارة اهتمام مختلف الأجيال والفئات العمرية أو “في ما يتعلق بالتنوع”.
ويتضمن المهرجان أصلاً مجموعة من البرامج المخصصة لدعم المواهب الشابة وإطلاقها، ومنها مثلاً “سينيفونداسيون” و”لا فابريك سينما”. وأعاد المهرجان أخيراً تركيز لائحة الأفلام المختارة ضمن قسم “نظرة ما” على المواهب الجديدة.

وبعد عام على التوجه التجديدي الذي تمثّل في منح السعفة الذهبية إلى ثلاثينية هي الفرنسية جوليا دوكورنو عن فيلمها “تيتان”، يتنوع المتنافسون على جائزة المهرجان بين مخضرمين كديفيد كروننبرغ (79 عاماً) والأخوين داردين (68 و71 عاماً)، وصاعدين على غرار لوكاس دونت (30 عاماً) أو سعيد روستايي (32 عاماً).
ويرى أستاذ الاقتصاد جوليان بيّو أن مهرجان كان، كالوسط السينمائي برمته، يحتاج إلى “تحديث صورته” و”استقطاب جيل جديد”.
فعلى سبيل المثال، ثمة من يرى أن الزمن تخطى قواعد اللباس الصارمة على السجادة الحمراء، كالكعب العالي للنساء وربطة العنق للرجال.
وأضاف بيّو “إلى جانب توم كروز الذي سيستحوذ على اهتمام جيل طفرة المواليد، سيكون حاضراً في مهرجان كان جيل جديد من الممثلين الجذابين الذين يستقطبون عدداً كبيراً من المتابعين على الشبكات الاجتماعية”، ولا تريد وسائل الإعلام الجديدة تفويت إطلالة هؤلاء في المهرجان.
وسعياً إلى ذلك، تتولى شبكة تيك توك الاجتماعية المتخصصة في مقاطع الفيديو القصيرة جداً والتي تحظى بشعبية بين المراهقين، بصفتها شريكاً رسمياً جديداً لمهرجان كان، نقل وقائع صعود النجوم درجه الشهير، وإجراء مقابلات مع الفنانين، في حين تستفيد إنستغرام من الضجة المرافقة لكان لإبراز بعض من أصبحوا مشاهير عليها، ممن لا علاقة لهم على كل حال بالفن السابع.
وسيكون نجم تيك توك كابي لامي الذي يبلغ عدد متابعيه مئة مليون ضمن لجنة تحكيم مسابقة لمقاطع الفيديو القصيرة التي تتراوح مدتها بين 30 ثانية وثلاث دقائق تنظمها الشبكة، ويتسلم الفائزون بها جوائزهم في العشرين مايو من المفوّض العام للمهرجان تييري فريمو.
وقال غيّوم لاكروا “لو كان المخرجان مارتن سكورسيزي وميشال أزانافيسوس في السادسة عشرة اليوم، لَما استخدما كاميرا سوبر 8 لإنتاج المحتوى وإخبار القصص، بل هاتفهما الذكي”. ويؤكد أن “بروت” سيتيح لمهرجان كان أن يكون حاضراً “حيثما الشباب موجودون”.
حتى أن “بروت” سيجعل المهرجان حاضراً بمعالمه وبجادة كروازيت في عالم ميتافيرس الافتراضي من خلال “فورتنايت”، إحدى لعبتي الفيديو الأكثر شعبية في العالم، إذ يبلغ عدد مستخدميها نحو 200 مليون.
وفي زي صحافي أو ممثل أو مخرج، سيتمكن اللاعبون من الوصول إلى مهام مختلفة، ومنها “إجراء مقابلات” أو “اختبار الممثلين” المتقدمين لتولي دور في فيلم، أو “المشاركة في صعود درج المهرجان”.
ويتوقع جوليان بيّو أن تثير هذه المبادرات متعددة الوجوه “استهزاء البعض وانتقاداتهم”، لكنّه يشدّد على أن السينما “ينبغي أن تواكب زمنها حتى لا تموت”.

◙ السينما ينبغي أن تواكب زمنها حتى لا تموت