مهرجان صيف الزرقاء يؤكد على تطور الحراك المسرحي في الأردن

ضمن فعاليته قدم مهرجان صيف الزرقاء العديد من الأعمال التي تبين مدى تطور الفعل المسرحي الأردني ومن بينها مسرحية "أخطاء إملائية… الكتاب" للمخرج كامل شاويش.
الجمعة 2020/10/09
"ذاكرة صفراء" دعوة للخروج من الوهم

الزرقاء (الأردن)- اختتمت الخميس فعاليات مهرجان صيف الزرقاء المسرحي الثامن عشر، الذي جاء بعنوان “وتستمر الحياة رغم كورونا”، وبث عروضه إلكترونيا عبر منصة فرقة الزرقاء للفنون المسرحية.

وقدم المهرجان العديد من الأعمال التي تبين مدى تطور الفعل المسرحي الأردني ومن بينها مسرحية “أخطاء إملائية… الكتاب” للمخرج كامل شاويش، والتي عرضت على مسرح الشاعر حبيب الزيودي في مركز الملك عبدالله الثاني الثقافي في الزرقاء، والتي تبرز حالة التناقض والصراع الداخلي الذي يعيشه الإنسان المثقف وسط مجتمعه الشرقي المحافظ.

وجسد أدوار العمل كل من طارق اليافاوي، وتولين منصور، إضافة إلى مخرج المسرحية كامل شاويش.

وتروي المسرحية، التي تنتمي إلى المدرسة الرمزية في الفن، قصة حياة أحد الكتّاب المتعمق في الثقافة والأدب والفن، والذي تشاء الأقدار أن يقع في حب فتاة ذات شغف كبير بالمسرح والفن، ما يضعه في مواجهة مباشرة مع أفكاره المنفتحة من جهة، ونظرة المجتمع إلى المرأة المولعة بالفن من جهة أخرى.

المعرض بث عروضه إلكترونيا عبر منصة فرقة الزرقاء للفنون المسرحية
المعرض بث عروضه إلكترونيا عبر منصة فرقة الزرقاء للفنون المسرحية

تحاول شخصية “الكاتب” في المسرحية بشتى السبل ثني الفتاة عن مهنة التمثيل والمسرح، إلا أن رغبتها القوية تتجاوز رغبة الكاتب ودافعه الذي يتماشى مع الثقافة المجتمعية الذكورية السائدة، ما يؤدي به في النهاية إلى أن يصاب بحالة من الانفصام، بسبب عدم قدرته على التوفيق بين حبه للفتاة من جهة، ودافعه المجتمعي ومحاولاته الدؤوبة لجعلها تترك الفن والتمثيل، إلا أنها تهجره في النهاية وتبوء محاولاته لاستعادتها بالفشل.

ويصل “الكاتب” إلى ذروة الحبكة المسرحية وإلى نهاية المشهد المؤثر الذي يمزق فيه الكتاب الذي بين يديه، ليدخل مرحلة انفصام أخرى، ويضع المتلقي أمام العديد من الأسئلة التي تثير لديه الحيرة أيضا في محاولة لإيجاد حل للمأزق الذي يعيشه، كما يعيشه أناس آخرون يقيمون بيننا.

وقال المخرج كامل شاويش إن جائحة كورونا التي نعيشها حاليا، أظهرت العديد من المواهب الشبابية الإبداعية الكامنة الشغوفة بحب المسرح والفن، وتحدوها الرغبة لتطوير الحركة المسرحية والتعبير عن هموم وتطلعات مجتمعية في كل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، ما يؤشر على قوة ومتانة الفن والمسرح على وجه الخصوص في إحداث التطور والتنوير والارتقاء المجتمعي المنشود.

وأشار إلى أن العرض المسرحي دون وجود حضور وجمهور أشبه بالرقص في الظلام، كون الجمهور يعد عنصرا رئيسيا من عناصر العرض المسرحي، فحينما يسمع الفنان أو الممثل ضحكة الجمهور أو التصفيق، فإن ذلك ينعكس على أدائه وتفاعله مع الشخصية التي يؤديها على خشبة المسرح.

عرض آخر تميز من بين عروض المهرجان هو مسرحية “ذاكرة صفراء” التي تمثل دعوة للإنسان للخروج من الوهم الذي يكبله ويعيق طموحاته والانطلاق نحو الفضاء الرحب للحياة بكل جمالياتها.

وكتب المسرحية عباس الحايك وأعدها وأخرجها عبدالسلام الخطيب، في حين جسدها الممثلون محمود الرشايدة، فرح نصار، وعمر سلام، فيما ألف الموسيقى المصاحبة للعرض الفنانة مرح الدباغ، وصمم الإضاءة الفنان ماهر جريان.

وتسرد المسرحية قصة حياة شاب عشريني في مقتبل العمر، يعيش واقعا مأزوما بسبب الإعاقة الأولى التي شوهت ملامح وجهه، والإعاقة الثانية التي قيدت حركته، إضافة إلى القيود التي فرضتها عليه وصية والده المتوفى وهو في عمر الخمس سنوات، حيث أوصاه الأب بعدم الخروج للعالم والاختلاط بالناس والبيئة المحيطة كي لا يكون محط سخرية ولا يجلب العار للأسرة.

وتعيش شخصية المسرحية “أنسي” واقعا محتشدا بالصراعات النفسية، فتخرج شخصية “أمل” من خياله المريض وغير القادر على التصرف السوي، إذ تحاول هذه الشخصية الوهمية أن تجعله ينحّي وصية أبيه القمعية جانبا وأن ينساها تماما، لأنها تشده للأسفل ولا تتيح له ممارسة أي نوع من الحياة والاندماج مع الآخرين.

وبين المخرج الخطيب، أن الحركة المسرحية الأردنية تتطور باستمرار، إذ توجد طاقات شبابية تحب الفن والمسرح وتحاول التعبير عن العديد من القضايا المجتمعية والفكرية والفنية بطرائق وأساليب فنية حداثية جاذبة للمتلقي.

حراك مسرحي على مستوى الإنتاج المسرحي
حراك مسرحي على مستوى الإنتاج المسرحي

وإضافة إلى العروض المسرحية قدم المهرجان عددا من الورشات من بينها ورشة عمل مبادئ الاشتغال على الممثل التي نظمتها فرقة الزرقاء للفنون المسرحية في قاعة مركز الملك عبدالله الثاني الثقافي في الزرقاء.

وجاءت الورشة ضمن مهرجان صيف الزرقاء المسرحي الثامن، واستمرت أربعة أيام بواقع عشر ساعات تدريبية يوميا، وشارك فيها 13 متدربا ومتدربة بالفئة العمرية 14 -20 عاما.

وتضمنت الورشة التي أشرف عليها المخرج زيد مصطفى، تمارين مسرحية وإرشادات نظرية، ونماذج تطبيقية للمشاركين، وشروحات لفكرة المشهد المسرحي ومبرراته، وتقديم فكرة التمرين وتطبيقه عمليا.

وتم اللجوء إلى تطبيقات عملية بهدف إكساب المتدربين مهارة توظيف الجسد بشكل صحيح للتعبير عن شخصية المشهد المسرحي بطريقة مؤثرة والتركيز على تعابير وجه الممثل أثناء المشاهد المسرحية، وتوظيفها بما يثري العرض المسرحي ككل، إضافة إلى الاشتغال على مسائل تقنية لها علاقة بصوت الممثل، من ناحية كيفية التنفس واستخدام الصوت ومخارج الحروف والنطق السليم.

"أخطاء إملائية… الكتاب" و"ذاكرة صفراء" عملان تميزا في الدورة الـ18 من مهرجان صيف الزرقاء المسرحي

وبين المخرج زيد مصطفى أن الورشة اشتملت على شروحات نظرية وتطبيقات عملية تناولت كيفية تركيب المشهد المسرحي الذي يتكون من الفكرة “ماذا أريد”، والمعالجة “أسلوب الطرح”، والفعل “أسلوب الإخراج”، إضافة إلى تحفيز مخيلة الممثل بهدف زيادة مخزونه الفكري والثقافي.

وقال إنه من الصعوبة الفصل بين الموهبة في التمثيل المسرحي والتعلم، لتداخلهما وامتزاجهما مع بعضهما، حيث إن التعليم يصقل الموهبة والموهبة تحفز على التعلم.

وأضاف إننا نشهد حراكا مسرحيا رائعا، على مستوى الإنتاج المسرحي وكذلك تطورا ملحوظا على مستوى المشاهدة والمتابعة للأعمال المسرحية من قبل الجمهور الأردني الذي يتمتع بذائقة مسرحية جيدة.

14