مهرجان الرحل في محاميد الغزلان منبر البيئة والتنمية المستدامة

في إطار مهرجان الرحّل بمحاميد الغزلان، أُطلقت مبادرة رمزية شارك فيها العشرات من المتطوعين لتنظيف الصحراء من النفايات البلاستيكية بهدف رفع الوعي بمخاطر التلوث البيئي، وقد أسفرت الحملة عن جمع مئات الكيلوغرامات من النفايات، مسلّطة الضوء على ضعف جهود إعادة التدوير وضرورة حماية البيئة الصحراوية من النفايات.
محاميد الغزلان (المغرب) ـ يلتقط متطوعون قطع نفايات متناثرة وسط الأحراش على مشارف بلدة محاميد الغزلان الصحراوية في جنوب المغرب، في مبادرة رمزية تهدف إلى التوعية بمكافحة التلوث البيئي في الصحراء.
وتجمّع نحو خمسين مشاركًا في الدورة العشرين للمهرجان الدولي للرحّل، منتصف أبريل، للمساهمة في هذه المبادرة، بتنظيف المنطقة من بقايا القناني والأدوات البلاستيكية في الغالب، وذلك في أجواء مرحة تحت أمطار خفيفة.
وتُعدّ محاميد الغزلان إحدى أبرز بوابات الصحراء الكبرى، وشكّلت منذ عقود ملتقى ثقافيًا وموسيقيًا من خلال مهرجان الرحّل السنوي الذي يحتفي بالتقاليد البدوية والفنون العالمية. وقد أصبح هذا المهرجان أيضًا منبرًا كبير التأثير حول قضايا البيئة والتنمية المستدامة.
وبحسب المنظمين، جُمِع ما بين 400 إلى 600 كيلوغرام من النفايات خلال حوالي خمس ساعات.
ويقول مؤسس المهرجان نورالدين بوغراب “عادةً ما تركز مثل هذه المبادرات على تنظيف الشواطئ أو الغابات، لكن الصحراء أيضًا تعاني من التلوث الناجم عن الأنشطة البشرية”.
متطوعون من مشارف بلدة محاميد الغزلان الصحراوية جمعوا ما بين 400 و600 كيلوغرام من النفايات خلال حوالي خمس ساعات
ويصف بوغراب (46 عامًا)، وهو من سكان محاميد الغزلان، حملة التنظيف بأنها “نداء من أجل حماية صحارى العالم من التلوث”.
وانطلقت الحملة من المدخل الشمالي للبلدة الهادئة “وهي منطقة متضررة بشكل خاص من التلوث،” كما يقول بوغراب، ثم امتدت حتى أطراف البلدة الصغيرة (نحو ستة آلاف نسمة) جنوبًا، حيث ينتهي العمران وتبدأ الصحراء الكبرى.
وشارك في الحملة فنانون ونشطاء من المجتمع المدني المحلي، إضافة إلى سياح أجانب.
ويشير العالم المتخصص في الدراسات الصحراوية مصطفى ناعمي إلى أن التلوث في هذا المجال القاحل يُعزى بالأساس إلى “الإنتاج المكثف للمواد البلاستيكية، وانخفاض معدل إعادة تدويرها، بالإضافة إلى النفايات التي تنقلها الرياح”.
وبشكل عام، يُقدّر إنتاج النفايات المنزلية في المغرب بنحو 8.2 مليون طن سنويًا، وفقًا لوزارة الانتقال الطاقي. وهو “ما يكفي لملء 2780 مسبحًا أولمبيًا،” بحسب الخبير في التنمية المستدامة حسن شواوطة، الذي أضاف لوكالة فرانس برس أن “ما بين 6 إلى 7 في المئة فقط من هذه النفايات يُعاد تدويرها” في المملكة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 37 مليون نسمة.
وفي العام الماضي، صنّفت دراسة عالمية حول “التلوث البلاستيكي”، أنجزها باحثون من جامعة ليدز البريطانية، المغرب في المرتبة 33 عالميًا من أصل 246 دولة منتجة للبلاستيك الملوِّث للمنظومات البيئية.
وقد أوضحت هذه الدراسة، المنشورة في مطلع سبتمبر الماضي، أن المغرب “من ضمن كبار الملوثين بالبلاستيك الملقى في البيئة،” مشيرة إلى أن المملكة أنتجت نحو 358558 طنًا من البلاستيك الملوث للبيئة عام 2020.
ومعلقًا على مضامين الدراسة، قال مصطفى العيسات الباحث المتخصص في المناخ والتنمية المستدامة إن “هذه المرتبة العالمية بين كبار الملوثين تدفعنا إلى التساؤل حول تأثير النفايات البلاستيكية على البيئة، وحجم إنتاج المغرب منها، لما تُشكّله من عبء على البيئة من خلال أثرها السلبي”.
وتابع العيسات، في تصريحه لموقع هسبريس، أنه “بعد قمة مراكش للمناخ، أوقف المغرب إنتاج البلاستيك الأسود، الذي يسبب أضرارًا بيئية جسيمة نظرًا إلى عدم تحلله لأكثر من 100 سنة، مما يؤثر سلبًا على الأراضي الزراعية ونفاذ المياه إلى التربة، كما يؤثر على الأنهار والكائنات البحرية والتنوع البيولوجي”.
وأضاف “حرق البلاستيك يساهم في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسببة للاحتباس الحراري، وبالتالي، فإن الانخراط في معالجة هذه الإشكالية عبر تدوير النفايات في إطار الاقتصاد الدائري هو الحل الأنسب، وهو مجال لا يزال المغرب متأخرًا فيه”.
ولفت إلى أن “النفايات ما زالت تُلقى في المطارح العشوائية، ولا يُستفاد منها إلا بنسبة لا تتجاوز 5 في المئة،” داعيًا إلى “سنّ إستراتيجية تتماشى مع النموذج التنموي الجديد للمملكة، الذي يصبو إلى تحقيق تنمية مستدامة؛ إذ لا تنمية مستدامة دون اقتصاد دائري”.
وتهدف حملة التنظيف الأخيرة “بالدرجة الأولى إلى إبراز أهمية الحفاظ على البيئة الصحراوية،” وفق ما يقول أحد المتطوعين، رونان لوفلوك، وهو مصوّر فوتوغرافي فرنسي جاء من نيويورك، حيث يقيم، للمشاركة في المهرجان الذي شمل أنشطة فنية متعددة.
ويقول الشاب البالغ من العمر 35 عامًا “هذا الصباح، عثرنا خصوصًا على نفايات بلاستيكية تحللت مع الزمن إلى قطع صغيرة متناثرة في كل مكان”.
ويشير الفنان المالي عثمان آغ عمر (35 عامًا) إلى أهمية مثل هذه المبادرات بالنسبة إلى الحيوانات المحلية، إذ تشكّل النفايات خطرًا على قطعان الماشية، وهي مورد رزق أساسي لسكان الواحات الصحراوية.
وآغ عمر عضو في فرقة “إمرغان تمبكتو” التي تمزج بين موسيقى الطوارق والبلوز.
ويُذكّر مصطفى ناعمي بأن “النفايات البلاستيكية لها تأثيرات ضارة على البيئة الصحراوية، إذ تلوث الأراضي والمراعي والأنهار ومناطق الترحال الرعوي”.
وكان هذا النوع من الترحال، بحثًا عن الكلأ، سائدًا في هذه المناطق على مدى قرون، لكنه يتجه نحو الزوال في المغرب بفعل التغيرات المناخية التي أثّرت على المسالك المعتادة للرعاة، مما يدفعهم بشكل متزايد إلى التخلي عنه.
وبحسب آخر المعطيات الرسمية، التي تعود إلى عام 2014، يُقدَّر عدد الرحّل في المغرب بنحو 25 ألفًا، ما يمثل تراجعًا بنسبة 63 في المئة مقارنةً بعام 2004.
ويشير أستاذ علم الاجتماع القروي محمد مهدي إلى أن هذه الفئة من مربي الماشية “لم تستفد كثيرًا من الدعم الذي توفّره الدولة لمواجهة تداعيات الجفاف، مقارنةً بالمزارعين الذين ينتجون مواد مخصصة للتصدير”.
ويأمل محمد أوجعة (50 عامًا)، رئيس فرقة “حمّام الصحراء” لموسيقى كناوة وأحد المشاركين في الحملة، أن تكون هذه المبادرة “بداية لسلسلة مبادرات أخرى لتنظيف الصحراء”.
ويضيف مؤكدًا على أهمية العمل من أجل “بيئة نظيفة في هذه المناطق الصحراوية، من أجل الأجيال المقبلة”.