مهاجر عراقي يصمّم ألعاب كمبيوتر تجسّد تجربة "الهروب"

لودفيغسبورغ (ألمانيا) - عندما يضطر الأشخاص إلى ترك أوطانهم حيث تكون حياتهم معرضة للخطر، يتعلمون أن هناك أشياء لن ينسوها أبدا في مغامراتهم الجديدة التي لا تخلو هي الأخرى من المخاطر.
وإذا تعرض المرء في أي وقت لوضع يائس، وواجه الاختيار بين الهاتف المحمول والماء، فعليه أن يذهب للاختيار الأول، بحسب ما يقوله راواند أحمد، الذي فرّ من العراق وواجه المصاعب مع أسرته عندما كان طفلا.
ويرى الشاب الكردي أن هذه التجارب من الأمور التي يجب مشاركتها مع الأشخاص، الذين يتساءلون عما كانت عليه تلك التجربة.
ويقوم راواند الذي يعيش حاليا في ألمانيا، بتطوير ألعاب كمبيوتر، حيث يستغل تجاربه الحياتية لتكون محورا للعبة التي يقوم بتطويرها.
وبالنظر إلى الوراء، يقول أحمد إن الأشخاص ظلوا يتصرفون طوال حياتهم، كما لو أن هروبهم جعلهم خبراء في الشعور بما يبدو عليه المرور بشيء من هذا القبيل، وذلك بالنسبة إليهم وللآخرين أيضا.
ويقول أحمد وهو يجلس أمام مكتبه في مدينة لودفيغسبورغ بألمانيا، إنه بعد أن أجاب على أسئلة حول ما مرّ به مرارا وتكرارا، قرر أن يجد طريقة لنقل تلك الذكريات، ولكن بوسيلة مبتكرة ومختلفة.
ويقوم في الوقت الحالي بوضع اللمسات الأخيرة على إحدى الشخصيات التي تظهر في لعبته، التي يدور موضوعها حول عمل طريق للهروب.
ألعاب الكمبيوتر الجادة تمكن من استيعاب تجارب الآخرين، وبالتالي تجعل اللاعبين يفهمون العالم بصورة أفضل بعض الشيء
إنها فكرة حان الوقت لتنفيذها، وقد حظيت اللعبة بإشادة واسعة إلى درجة جعلت أحمد يترشح للفوز بجائزة من الحكومة الألمانية.
ويقول أحمد "يعدّ الترشيح للجائزة بمثابة بادرة تقدير بالنسبة إليّ".
ويواجه العراقيون المصاعب خلال رحلتهم الشاقة متنقلين بين مختلف الدول الأوروبية للوصول إلى البلد الذي يريدون.
يقول حيدر آل مرجان، وهو يوتيوبير وواحد من الشباب العراقيين الذين غادروا بلادهم في رحلة مجهولة، “من أصعب اللحظات التي واجهتنا ونحن في الغابة، عندما أنهينا ما نتوفر عليه من طعام وشراب، ولم نجد شيئا لنأكله لمدة يوم ونصف اليوم، مؤكدا أن المجموعة كانت تضم أطفالا ونساء، كانوا الأكثر عرضة للمخاطر".
وأضاف “لم نكن ندري أن الأمر قد يكون بهذا السوء. من قدموا قبلنا دخلوا إلى الاتحاد الأوروبي بسهولة دون التعرض للضرب أو التعنيف أو الصدّ".
ويقول أحمد، إنه لم يكن من السهل تحويل تجربة الهروب -وهو موضوع عاطفي ومعقد- إلى لعبة، واصفا العملية بأنها عبارة عن توازن مستمر بين الجدية واللعب.
كما يدرك الآخرون أيضا أن هذه العملية لها متطلبات، ولا تسير دائما كما هو مخطط لها.
من ناحية أخرى، يقول يان ميشائيل بولمان، وهو خبير في ألعاب الكمبيوتر بجامعة العلوم التطبيقية في فرايبورغ، إنه قد يكون من الصعب جدا تحقيق التوازن الصحيح عندما يتم تطوير ألعاب تدور حول مواضيع جادة.
إلا أن الجهد يستحق كل هذا العناء، لأن الألعاب الجادة توفر الفرص أيضا، حيث يقول بولمان “عندما نلعب، نتمكن من استيعاب تجارب الآخرين، وبالتالي نفهم العالم بصورة أفضل بعض الشيء".
ويوضح أن ذلك يجعل من السهل فهم المواقف التي لا يمكن تصورها بالنسبة إلى الكثيرين.
ويوضح فيليكس فالك، من الاتحاد الألماني لصناعة الألعاب، أن الألعاب عادة ما تكون أكثر ملاءمة لذلك عن وسائط الإعلام التقليدية.
فعلى عكس ما يحدث عندما يشاهد المرء فيلما، يضطر ممارسو ألعاب الكمبيوتر إلى اتخاذ قراراتهم بأنفسهم ويعانون من عواقب اختياراتهم.
وما زالت اللعبة التي تحمل اسم “الطريق إلى الأمام”، قيد التطوير، ولكنها بمجرد اكتمالها، ستدور حول تجارب ومسارات متنوعة للهروب، سواء من سوريا أو جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة، وسواء كان الهارب رجلا أو امرأة.
ويقول أحمد على موقعه الإلكتروني، إن اللعبة تستعرض الصعوبات التي يمرّ بها اللاجئون في الأراضي التي تشهد اضطرابات لأسباب مختلفة، مثل الحروب أو المجاعات أو الكوارث الطبيعية أو الاضطهاد بسبب معتقداتهم الدينية أو تفضيلاتهم الجنسية.
وخلال اللعبة، يتعين على اللاعبين تأمين سلامة الشخصيات التي يلعبونها من خلال جمع الموارد.
ويقول أحمد إنه لا يهتم في الوقت الحالي بمسألة عدم جنيه أي مكاسب من مشروعه حتى الآن، مضيفا "بالنسبة إليّ، فإن الأمر يستحق ذلك. أريد تطوير شيء يمكنني من خلاله أن أُحدث فرقا".
يذكر أن مطور الألعاب قد قام بتأسيس شركته الخاصة، وهو يرغب في المستقبل أيضا أن يعالج من خلال ألعابه مواضيع مثل الصحة العقلية، أو النزاعات المحيطة بقضية تغير المناخ.