مهاجرون سوريون جدد يخاطرون بحياتهم نحو أوروبا

غيسن (ألمانيا) - كانت الكردية السورية البالغة من العمر 29 عاما قد سارت لمدة 60 ساعة عبر الغابات الرطبة والمظلمة في بولندا في محاولة لشق طريقها إلى ألمانيا، ثم التوت ركبتها.
ولم تكن هذه النكسة الأولى في رحلة بشرى، ففي وقت سابق أغمي على صديقتها المقربة في نوبة هلع أثناء مطاردة حرس الحدود البولنديين لهما. واختبأتا في الخنادق وخلف الأشجار بينما حاولت صديقتها استعادة أنفاسها، لكن ذلك لم يكن جيدا. وسلمتا نفسيهما وألقى بهما الحراس عبر الحدود إلى بيلاروسيا.
وعادتا بسرعة على نفس الطريق تحت المطر وفي درجات الحرارة المتجمدة في الغابات لمدة يومين آخرين. ووصلتا أخيرا إلى قرية بولندية حيث نقلتهما سيارة عبر الحدود إلى ألمانيا نحو حياة تأملان أن تكون أفضل.
وقالت بشرى في بلدة غيسن بوسط ألمانيا حيث تقدمت بطلب للحصول على وضع اللجوء “تحملت الألم الذي لا يطاق. الهروب من شيء ما هو الأسهل في بعض الأحيان (…) لا مستقبل لنا في سوريا”.
وكانت بشرى وجها من وجوه المهاجرين السوريين الجدد الذين يستمرون في مغادرة البلاد على الرغم من أن الحرب الأهلية المستمرة منذ 10 سنوات قد خفّت وتجمّدت خطوط الصراع لسنوات.
78
ألف سوري تقدموا بطلبات لجوء إلى أوروبا هذا العام، بزيادة 70 في المئة عن العام الماضي
إنهم لا يفرون من أهوال الحرب التي دفعت بمئات الآلاف إلى الهجرة نحو أوروبا، بل من بؤس تداعياتها. فقد فقدوا الأمل في المستقبل في بلادهم وسط الفقر المدقع والفساد المستشري والبنية التحتية المدمرة، فضلا عن استمرار الأعمال العدائية والهجمات الانتقامية التي تشنها جماعات مسلحة.
وتقدم أكثر من 78 ألف سوري بطلبات لجوء إلى الاتحاد الأوروبي حتى الآن هذا العام، بزيادة 70 في المئة عن العام الماضي وفقا لسجلات الاتحاد الأوروبي.
ويعيش تسعة من كل عشرة أشخاص في فقر داخل سوريا. ويحتاج حوالي 13 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، بزيادة قدرها 20 في المئة عن العام السابق، لكن الحكومة غير قادرة على تأمين الاحتياجات الأساسية، ونزح ما يقرب من 7 ملايين داخليا.
وأدت الجائحة إلى تفاقم أسوأ أزمة اقتصادية منذ بدء الحرب في 2011، فالعملة السورية آخذة في الانهيار، والحد الأدنى للرواتب بالكاد يكفي لشراء خمسة أرطال من اللحوم شهريا، إذا كان اللحم متاحا.
وتعدّ الأرقام أقل بكثير من مستويات 2015، لكن السوريين اليائسين يتسابقون للخروج. وأصبحت مجموعات وسائل التواصل الاجتماعية مكرسة لمساعدتهم في إيجاد طريقة. ويسأل المستخدمون أين يمكنهم “التقدم للحصول على عمل” أو تأشيرات منحة دراسية. ويطلب آخرون النصيحة بشأن “أحدث طرق الهجرة، وتكلفة المهربين، ومدى خطورة استخدام الهويات الزائفة للخروج من سوريا، أو دخول دول أخرى”.
وفي نفس الوقت، يطالب جيران سوريا الذين يتصارعون مع أزماتهم الاقتصادية بإعادة اللاجئين إلى ديارهم. ومن بين المهاجرين الجدد إلى الاتحاد الأوروبي سوريون غادروا تركيا أو لبنان حيث ظلوا لاجئين منذ سنوات.
وفتحت بيلاروسيا لفترة وجيزة حدودها مع بولندا أمام المهاجرين هذا الصيف ما أدى إلى مواجهة مع الاتحاد الأوروبي الذي يتهم رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو بتنظيم الهجرة غير الشرعية ردّا على العقوبات الأوروبية المفروضة عليه.
وكانت بشرى واحدة من بين عدة آلاف فقط ممّن تمكنوا من العبور من بيلاروسيا حيث توفي 15 منهم وهم يحاولون خوض الرحلة.
وغادرت إلى مينسك من أربيل في أواخر سبتمبر، حيث كانت بداية رحلة مروعة. وروت بشرى كيف “بقوا على قيد الحياة باستهلاك البسكويت والماء” لأيام، وكيف نام ستة منهم جالسين على حصيرة جافة، وكسرت سنّ صديقتها وهي ترتجف من البرد.
وبعد محنة الغابة اضطرتا للاختباء في حفرة عندما جاءت دورية للشرطة مع كلاب بوليسية لتفقد سيارتها. وأثناء المرور على طول الطريق السريع، خلعت بشرى حجابها لتجنب الشك عند نقاط التفتيش، ووصلت إلى غيسن في الثاني عشر من أكتوبر.
وقالت بشرى “ما زلت أسال نفسي كيف تحملت كل هذا؟ هل كان الأمر يستحق كل هذا العناء؟”، حيث كانت حياتها في سوريا مليئة بالاضطرابات لسنوات. وكانت في الجامعة في مدينة دير الزور الشرقية عندما اندلعت الحرب في 2011 وانتشرت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في المدينة. فانتقلت بسرعة إلى جامعة أخرى في أقصى الشمال. وسرعان ما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على دير الزور وبقية الشرق.
وكانت بشرى ووالداها خارج سيطرة داعش في الشمال الشرقي الذي يسيطر عليه الأكراد، لكنهم عاشوا في خوف من العنف، وبالكاد غادرت المنزل لمدة عامين.
وفي النهاية وجدت وظيفة مع مجموعة مساعدات دولية. وادّخرت ما يكفي لتغادر وتتحقق من طرق الخروج من سوريا.
ودمرت الحرب شمال شرقي سوريا الغني بالنفط. وأهلك الجفاف سبل عيش المزارعين. وأصبح راتب والد بشرى الآن يساوي 15 دولارا في الشهر، بانخفاض عن 100 دولار في بداية الحرب.
ولم تكن المنطقة آمنة رغم هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في 2019، لكن الخلايا النائمة تواصل استهداف الأمن بقيادة الأكراد والإدارة المدنية.
وبُلّغ عن ثماني عمليات خطف هذا الصيف في بلدة قريبة منها.
ووجهت تهديدات إلى بشرى بعد أن كشفت عن قضية فساد تورط فيها مسؤولون محليون متنفذون مما جعلها تخشى على حياتها. ورفضت الإدلاء بتفاصيل لأن عائلتها لا تزال في سوريا.
وعجلت المضايقات من خططها للمغادرة وأقنعت والديها اللذين كانا قلقين بشأن ذهاب امرأة عزباء في مثل هذه الرحلة بمفردها.
وقالت “إذا بقيت في سوريا فسوف يلاحقني الأمن طوال حياتي”، لكن الحصول على حق اللجوء والإقامة في ألمانيا هو بوابة الحرية.
وتأمل في دراسة العلوم السياسية لفهم الأخبار التي قاطعتها منذ بدء الحرب لتجنب مشاهد الفظائع التي كانت تعيشها بالفعل. وتريد أن تتمتع بحرية السفر. وقالت “انتهيت من القيود”.
وقال بشرى إنها إذا لم تحصل على أوراقها في ألمانيا فإنها ستواصل المحاولة. وتابعت “إذا لم أتمكن من الوصول إلى حيث أريد أن أذهب، فسوف أذهب إلى حيث يمكنني العيش”.