من ينتصر زمن الوباء.. تمرد الشعوب أم متاريس الحكومات

مع انتشار وباء كورونا، والذي اجتاح العالم لاسيما دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ ستة أشهر، ما تزال عدة حكومات تكابد بكل الطرق من أجل السيطرة على تمرد شعوبها التي ملت من القيود الشديدة. وبين وعيد وتحدّ، بات الطرفان في صراع لفك قمع هذه الإجراءات ليدخل المحللون في حالة من البحث في مآلات هذا الوضع بالنظر إلى أحداث قديمة.
لندن - تتملّك المواطنين في أغلب دول العالم وبينها بلدان المنطقة العربية، حالة من الغضب الكامن بسبب قيود الإغلاق والتي رسمت خيوط الكآبة على عقولهم، بعد أن تراوحت بين تقنين التنقل أو البقاء في البيوت، وهو ما انطوى، بحسب البعض، على تمييز غير قانوني يرتقي إلى المس من حقوقهم ما يجعلهم يردون الفعل بالتمرد.
وتبدو رغبة الحكومات للتخلص من مشكلة فايروس كورونا أكبر من رغبة الشعوب، لكن الأمر ليس كما يتصور البسطاء من الناس، وهو ما جعل المحللين يعتقدون أن هذه المعركة قد تطول وأنه لا أحد منتصرا فيها لأن الجميع في سلة واحدة ومبدأ الربح والخسارة قد لا يكون المحدد الأبرز.
ودخلت حكومات دول عربية مثل الأردن وتونس والجزائر والمغرب في سباق مع الزمن من أجل تطويق المشكلة، وقد ظهرت بعض الانتقادات من قبل الناس بسبب القيود، ولكن الأمر قد يبدو مختلفا في معظم دول الخليج بالنظر إلى الالتزام الشديد من الجميع بالإجراءات الاحترازية. وهذا دون التركيز على مناطق النزاع في سوريا واليمن وليبيا، حيث لا تبدو الصورة واضحة هناك وما إذا كانت أطرف النزاع لديها خطط لمواجهة الوباء.
ويمكن القول إن التمرد على قواعد مكافحة فايروس كورونا أعمق مما يظن الكثيرون، وعلى المسؤولين الذين يتخذون قرار فرض إجراءات الإغلاق، أو رفعها، أن يبذلوا المزيد من الجهد للحد من التمرد عليها.
ويؤكد المحلل الفرنسي ليونيل لوران أن تاريخ الأوبئة مليء بالأمثلة على تمرد الناس على قرارات السلطات الصحية الصارمة للحد من انتشار الوباء، وحدث هذا عندما تمرد سكان مدينة مرسيليا الفرنسية على الحجر الصحي ضد الطاعون في القرن التاسع عشر، وعندما رفضوا ارتداء الأقنعة الواقية أثناء جائحة الأنفلونزا الإسبانية في 1918 كانت النتيجة المروعة موجة جديدة من العدوى المميتة.
وربما يكون عدد وفيات جائحة كورونا حاليا الذي وصل إلى مليون وفاة ضئيلا للغاية لدى مقارنته بوفيات جائحة الأنفلونزا الإسبانية، التي وصلت إلى 50 مليونا، لكن دورة المخاطر تتجدد.
وتواجه فرنسا وإسبانيا وبريطانيا حاليا تهديدا ثلاثيا، حيث أن أعداد المصابين بكورونا تقفز باطراد، وضاقت الناس من الركود الاقتصادي الناجم عن إجراءات الإغلاق، وهناك رفض متزايد للإجراءات المشددة في الحد من انتشار الفايروس.
وشهدت مدينة مرسيليا مظاهرة لأصحاب الحانات والمطاعم ألقوا خلالها بمفاتيح هذه الأماكن على الأرض بسبب حظر التجوال وإغلاق المطاعم والحانات لمنع انتشار الفايروس. أما في العاصمة الإسبانية مدريد، يرى المحتجون أن الإغلاق المحلي لبعض المدن والمناطق ينطوي على تمييز غير قانوني.
ولا يقتصر الغضب الممتد من شوارع لندن إلى برلين على من يؤمنون بنظرية المؤامرة بالنسبة لقرارات الإغلاق لمواجهة كورونا، بحسب المحلل ليونيل لوران المتخصص في الشؤون الأوروبية.
ويقول لوران إنه لا يجب النظر إلى هذه الاحتجاجات باعتبارها استثناءات أنانية للقاعدة، فبعيدا عن الأقلية المحتجة عالية الصوت، ثمة مؤشرات على أن الأغلبية الصامتة تفقد ثقتها في الهياكل البيروقراطية ويحتاج صناع السياسة في العالم الآن إلى استعادة الثقة العامة.
ورغم أن الالتزام بارتداء الكمامات، وبالنظافة الشخصية، لا يزال واسع النطاق، بحسب الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة يو غوف في الدول الأوروبية، فإن تأييد الحجر الصحي والعزل الذاتي يتراجع.
وقال 48 في المئة فقط في فرنسا إنهم يؤيدون العزل الصحي للمخالطين لمرضى كورونا، مقابل 78 في المئة كانوا يؤيدون العزل في مارس الماضي. كما تراجعت نسبة التأييد في بريطانيا وإسبانيا، ولكن بدرجة أقل.
وهناك أدلة متزايدة على أن الأشخاص الذين يطلب منهم البقاء في المنزل لا يفعلون ذلك. وبحسب دراسة أخرى لكلية كينغز كوليدج لندن، والتي شملت أكثر من 30 ألف شخص خلال الفترة من مارس إلى أغسطس الماضيين، كان 18.2 في المئة فقط يبقون في منازلهم بعد ظهور أعراض الإصابة بفايروس كورونا المستجد، و10.9 في المئة فقط ممن يتلقون تحذيرات من خلال القائمين بتتبع وسائل الاتصال.
ويرى لوران في تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ أن هذا التطور مثير للقلق في ضوء الأهمية الحيوية للعزل الذاتي في كسر دائرة انتقال الفايروس قبل وصوله إلى الفئات الأشد عرضة للمخاطر، ولكبار السن.
وبالنسبة لهؤلاء الذين لا يملكون رفاهية أداء أعمالهم من المنزل، فإن العزل الذاتي يعني أيضا حرمانهم من أجر جيد كانوا يحصلون عليه من وظيفتهم. وقال ما بين 10 و11 في المئة ممن شملهم المسح إن “الخروج إلى العمل” من أسباب عدم الالتزام بقاعدة البقاء في المنزل.
وهذه النتيجة تؤيد نتيجة توصلت إليها دراسة سابقة أشارت إلى أن نصف البريطانيين من العمال ذوي الدخل المنخفض لا يستطيعون تحمل العزل الذاتي لآن الأجر أثناء فترة الإجازة المرضية الإجبارية منخفض جدا، بحسب اتحاد النقابات العمالية.
ولكن الأمر ليس كذلك في جميع الدول. ففي النمسا، يحصل العمال الذين يخضعون للعزل الصحي على أجرهم كاملا، وبالتالي فنسبة الالتزام بأوامر العزل هناك تبلغ أكثر من 98 في المئة. وفي حين تتجه الأنظار بشدة نحو أساليب الإغلاق في الدول الأوروبية، فإن الاهتمام أقل نسبيا بأنظمة الضمان الاجتماعي لديها.
وفي حين تدعو منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدول إلى التوسع في منح العمال إجازة مرضية، مع احتفاظهم بكامل مزاياهم، وبخاصة أصحاب الأعمال الخاصة عند الحاجة إلى خضوعهم للعزل المنزلي، يتعين على أوروبا أن تفعل ذلك أيضا.
والحقيقة أنه يجب أن تترافق مكافأة الملتزمين بقرارات العزل الذاتي، مع عقاب المخالفين لهذه القرارات، لكن ذلك يحتاج إلى ثقة الناس في القواعد المطبقة وفي المسؤولين عن تطبيقها وهي الثقة المفقودة حاليا.