من يفترش الحصير التقليدي في المغرب

الرباط - تعتبر صناعة الحصير التقليدي في المغرب من الصناعات القديمة جدا يعتمد فيها الحرفيون على نبتة السمار التي تنمو بمحاذاة الوديان والجداول بأقاليم الحوز، وضواحي مراكش، ودكالة وعبدة، وضواحي الجديدة، والشياظمة وحاحا، وضواحي الصويرة، وسوس ماسة درعة، وضواحي أكادير.
هناك في تلك المناطق الشاسعة بالمغرب، يعكف الصناع التقليديون على شرائط نبتة السمار يصنعون منها حصائر جميلة يبسطونها لتغطية أرضية غرف المنازل والجوامع، لكن هذه الحرفة التقليدية تواجه شبح الانقراض بسبب توفر الوسائل الحديثة لصناعة الحصير.
وتعود صناعة الحصير إلى عهد الفتوحات الإسلامية بجنوب أوروبا، ولا سيما في الأندلس التي شهدت ظهور صناعات فنية عديدة ماتزال البلدان العربية تفتخر بها.
ويعتبر حصير السمار المغربي من بين الأفرشة التقليدية التي فكر في صناعتها السكان المحليون، عربا وأمازيغ، منذ سنين طويلة قبل اكتشافهم مادة البلاستيك وغيرها من المواد الصناعية التي تعج بها سوق الأثاث والديكور المغربية اليوم.
حصير السمار يغربل الأتربة إلى الأسفل ويمنعها من الصعود إلى الأعلى، ويقي من أمراض الربو وضيق التنفس
ويقول صاحب ورشة لصناعة الحصير في الرباط إن “هذه الصناعة التي يعود تاريخها إلى مئات السنين تعتبر من الصناعات التقليدية المهددة بالزوال”.
وتشتهر المناطق والقبائل المغربية بإنتاج نبتة السمار التي ينسج منها الحصير التقليدي، وهي نوع من الشريط القصبي الطبيعي اللين المرن، الذي يختص بصنع حصائره الرجال بواسطة آلة يدوية تسمى “المرمة”، وهي آلة يدوية تقليدية، عبارة عن قطعة خشبية طولها متران أو أكثر، بها ثقوب مسطرة، يقوم الصانع بتمرير القنب وشرائط السمار وسط ثقوبها المسطرة بشكل دقيق متقن، ثم تشد جوانب السمار المنسوج بخيط مركزي يصنع بالفتل من نبات الحلفاء يشد به الصانع الحاذق صفوف شرائطه، ويوحدها في صفوف تبدو للناظر إليها منبسطة متكاملة لا فراغ بينها ولا اعوجاج، ومن الصناع من أضاف الصباغة إلى السمار فأصبح الحصير مزخرفا بفسيفساء الألوان.
|
وما يميز حرفة صناعة حصير السمار المغربي، كونها صناعة محلية صرفة تختلف عما نجده في بعض المناطق الأخرى، فهي منتوج طبيعي يتم صنعه من طرف عاملين إثنين.
ومن حسنات اعتماد الحصير فراشا في بعض البيوت المغربية، خصوصا في البوادي، كونه يتميز بعوامل صحية، لأنه مصنوع من نبات السمار الذي ثبت علميا وتجريبيا أنه مضاد للحساسية، يقوم بغربلة الأتربة إلى الأسفل ويمنعها من الصعود إلى الأعلى، ولحصير السمار وظيفة وقائية من أمراض “الربو” وضيق التنفس.
ويتفق الحرفيون العاملون في صناعة الحصير على أن هذه الحرفة طالها التهميش والنسيان، رغم ما تمثله من قيمة تراثية وفنية قديمة في المخزون الحضاري المغربي.
وأصبحت صناعة حصير السمار تقتصر على المساجد والفنادق التي تعتمد في ديكوراتها على الأثاث التقليدي، حيث أصبح المستهلك المغربي يميل إلى شراء السجاد البلاستيكي والزرابي والموكيت الصينية والتركية التي غزت الأسواق المغربية.
ويحاول العديد من الحرفيين في هذا المجال، والذي اقتصر زبائنهم على بعض السياح والمساجد، تأسيس جمعيات لإنقاذ صناعتهم وضمان استمرارها لكن دون جدوى، إذ هجر هذه الحرفة أغلب أصحابها، ولم يعد أي إقبال على تعلمها من قبل الجيل الجديد.