من يريد العيش بجانب البحر

تراجعت جاذبية المناطق الساحلية على مستوى العالم بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر ما من شأنه أن يجعل بعض المنازل والمناطق المنخفضة من المدن وحتى مساحات شاسعة من الدول القارية غارقة تحت الماء. كما يعدّ التلوث البحري السبب الثاني الذي يقلل من جاذبية الموقع الساحلي.
فيكتوريا (سيشيل ) - يختار الذين يكسبون عيشهم من البحر تاريخيا العيش على الساحل. وأبقى الخوف من التعرض للعواصف، ولهجمات القوات البحرية الأجنبية، معظم السكان الآخرين بعيدا عن هذه المناطق. لكن ذلك تغير تدريجيا، وأصبح الموقع الساحلي لا يقتصر على الصيادين وعائلاتهم. وتدل أسعار العقارات المرتفعة عبره على شعبيته. ولكن، هل سيبقى الأمر كذلك؟
يدفع ارتفاع مستويات سطح البحر إلى الشك في احتمال تواصل هذه الجاذبية. وبينما قد تختلف الأرقام من باحث إلى آخر إلا أن الارتفاع يحدث بالتأكيد بسبب ارتفاع درجة حرارة المحيط وذوبان الجليد. وسيصبح العدد بالأقدام عوضا عن السنتيمترات بحلول نهاية القرن الحالي. وستكون بعض المنازل والمناطق المنخفضة من المدن وحتى مساحات شاسعة من الدول القارية تحت الماء. وتعدّ بنغلاديش في منطقة خطر، بالإضافة إلى عدد من الجزر، وخاصة في المحيط الهادئ. وغرقت بعض هذه الأراضي في البحر بالفعل.
ويعدّ التلوث البحري السبب الثاني الذي يقلل من جاذبية الموقع الساحلي. وتنتشر النفايات في البحر وحول الساحل. وتواصل بعض الهيئات البلدية التخلص من بعضها عمدا دون الإجراءات السليمة. وتجرف النفايات إلى الشاطئ في بعض الحالات، وغالبا ما تصل إلى أماكن بعيدة. ويجمع المتطوعون حتى في بعض جزر سيشيل النائية أطنانا من القمامة في عمليات تنظيف الشواطئ، مما كان من المفرض أن يكون شاطئا غير مأهول.
فما الذي يجب أن نفعله لعكس الاتجاهات وإنقاذ المجتمعات الساحلية؟ لا يصعب العثور على إجابات. وتكمن أفضل طريقة لإبطاء ارتفاع مستويات سطح البحر في خفض درجات الحرارة العالمية. ولكن التقدم نحو هذه الأهداف كان مخيبا للآمال. كما يمكن تقليل التلوث البحري بشكل كبير لو توفرت للدول الفقيرة القدرة على معالجة النفايات كما يلزم. وتبدو العملية سهلة نظريا ولكنها تتطلب نقلا هائلا للموارد من الشمال إلى الجنوب.
أفضل طريقة لإبطاء ارتفاع مستويات سطح البحر تكمن في خفض درجات الحرارة العالمية، ولكن التقدم نحو الهدف صعب
وتوجد بعض الطرق الأسهل لمعالجة الوضع لكنها تشبه عمليا تغطية جرح عميق بضمادة. وتشمل بناء منازل جديدة على ركائز متينة، ورفع الجدران البحرية، ورفع القمامة عن الشواطئ بانتظام، وسن قوانين أكثر فعالية لتنظيم صيد الأسماك وعمليات الشحن لتقليل النفايات في البحر. لكن السؤال الأكبر يتطلب أن نسأل عمن سيتخذ إجراءات بشأن الحلول العالمية التي تشتد الحاجة إليها؟
– يحضر الآلاف من المندوبين سنويا حدثا يدرس تغير المناخ. وسيكون مؤتمر كوب 29 في أذربيجان. ولكن ما الذي يتحقق من هذه الأحداث؟ نسمع كلمات رنانة تلقى موافقة الأغلبية، ولكن التقدم لا يحدث إذا اختارت الصين والهند عدم المشاركة.
– تشجع الأمم المتحدة أعضاءها على تحقيق أهداف الاستدامة. وشهدت سنة 2015 إطلاق 17 هدفا من أهداف التنمية المستدامة المطلوب تحقيقها بحلول 2030 على أبعد تقدير. وتجاوزنا منتصف الطريق لكننا لا نزال متأخرين في تحقيق تلك الأهداف.ويتمحور الهدف 14، “الحياة تحت البحر”، حول المحيط. ولا يمكن لأحد أن يعترض على تحليل الأهداف واختيارها إلا أن المشكلة التي تظل مطروحة تتمثل في كيفية تنفيذها.
– يلقي قادة الدول خطبا، ويسافرون حول العالم. لكنهم يتراجعون حين يتطلب الأمر توفير الموارد اللازمة لإجراء التغييرات.
وتبرز التجربة أن المبادرات الواعدة لا تُصاغ في قاعات المناقشة الكبرى. وتظل المنظمات الصغيرة التي لا يمكن لها حل جميع مشاكل العالم، هي الأقدر على إحداث الفارق على المستوى المحليّ. وتتمتع المنظمات غير الحكومية، على سبيل المثال، بميزة كونها تركز على قضايا محددة. ويمكن لاستعادة غابات المانغروف، وحماية موائل الثدييات البحرية في موقع معين، أو إحياء صناعة جوز الهند الساحلية أن تحقق جميعها فوائد ملموسة.
المتطوعون يجمعون في بعض جزر سيشيل النائية أطنانا من القمامة في عمليات تنظيف الشواطئ، حتى غير المأهولة
كما تنشط المدارس والمجتمعات المحلية في مشاريع تنظيف الشواطئ، وتزوّد الزوار بالمعلومات، وتعمل على ترميم الحواجز. وقد لا تلقى اهتماما كبيرا باعتبارها من غير المنظمات والمؤسسات، لكن البيئة الساحلية ستكون أكثر فقرا دون تدخلاتها.
وتعدّ الشركات الناشئة مصدرا ثالثا للابتكار. ويبدو رواد الأعمال الشباب دائما مستعدين لاستثمار مدخراتهم الخاصة في الأفكار التي قد تتطور يوما ما إلى أعمال مربحة. وغالبا ما تحقق نتائج تخدم الصالح العام. وتشمل الأمثلة التي يمكن رؤيتها في بلدان مختلفة إعادة تدوير منتجات النفايات.
تحتاج المجتمعات الساحلية إلى كل المساعدات التي يمكنها الحصول عليها. ولا يمكننا الانتظار إذا كانت الهيئات الوطنية والدولية بطيئة في الاستجابة. نشهد العديد من الأفراد والجماعات المستعدين لاتخاذ خطوات تشتد الحاجة إليها. ومن يدري ماذا سينتج عن البدايات الصغيرة. يحتاج هؤلاء بالتأكيد إلى كل المساعدة التي يمكننا تقديمها، حيث ولى زمن الانتظار.
وتوصلت دراسة أجريت في خمس دول من المحيطين الهندي والهادئ إلى أن المجتمعات الساحلية قد تواجه خسائر في الغذاء من مصايد الأسماك والزراعة نتيجة لتغير المناخ.
نُشر البحث في مجلة “نيتشر كمينيكيشن”، حيث كشفت أنه من المتوقع أن تكون لتغير المناخ تأثيرات على قطاعات إنتاج الغذاء، ومن المرجح أن تشهد المناطق الاستوائية تأثيرات على كل من الزراعة ومصايد الأسماك، وهذا يمكن أن يخلق عبئًا مزدوجًا على المجتمعات الساحلية الريفية التي تعتمد بشكل كبير على كلا القطاعين.
ووضعت الأبحاث السابقة نموذجًا لكيفية استجابة الزراعة ومصايد الأسماك لتغير المناخ على مستوى العالم ، لكن هذه التوقعات واسعة النطاق قد لا تكون ذات صلة تذكر بالمقاييس المحلية التي تحدث فيها الآثار الاجتماعية والاقتصادية.
قام الباحثون بالتحقيق في التأثيرات المحتملة لتغير المناخ على الزراعة ومصايد الأسماك لـ72 مجتمعًا ساحليًا في جميع أنحاء إندونيسيا ومدغشقر وبابوا غينيا الجديدة والفلبين وتنزانيا.
وقام المؤلفون بدمج المسوحات الاجتماعية والاقتصادية لأكثر من 3000 أسرة مع توقعات نموذجية للخسائر في غلة المحاصيل ومصيد مصايد الأسماك في إطار سيناريو انبعاثات عالية وسيناريو انبعاثات منخفضة.
أفادوا أنه على الرغم من اختلاف المجتمعات المختلفة في مدى تعرضهم للخطر داخل البلدان وعبرها، فإن المجتمعات ذات الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض معرضة بشكل خاص لتأثيرات شديدة.
ويشير المؤلفون إلى أن الخسائر المحتملة أعلى في قطاع مصايد الأسماك من الزراعة، لكن العديد من المجتمعات التي شملتها الدراسة ستواجه خسائر كبيرة في كل من الزراعة ومصايد الأسماك في وقت واحد، في ظل سيناريو انبعاثات عالية.
ويعد ارتفاع مستوى سطح البحار عاملا مضاعفا للأخطار الأخرى، وهو ما حذر منه الأمين العام للأمم المتحدة خلال نقاش مفتوح في مجلس الأمن على المستوى الوزاري بشأن ارتفاع مستوى البحر وتداعيات ذلك على السلم والأمن الدوليين.
وقال أنطونيو غوتيريش إن لمجلس الأمن دورا حاسما في بناء الإرادة السياسية اللازمة لمواجهة التحديات الأمنية المدمرة الناشئة عن ارتفاع منسوب مياه البحار. وشدد على ضرورة العمل المشترك بشأن هذه القضية الحاسمة، ودعم حياة وسبل عيش ومجتمعات الأشخاص الذين يعيشون في الخطوط الأمامية لهذه الأزمة.

ارتفاع مستوى سطح البحر يسبب سيلا من المشكلات بالنسبة إلى مئات الملايين من الأشخاص الذين يعيشون في الدول الجزرية الصغيرة النامية وغيرها من المناطق الساحلية المنخفضة حول العالم. ويهدد ارتفاع منسوب مياه البحار الأرواح والوصول إلى المياه والغذاء والرعاية الصحية.
ونبّه الأمين العام إلى أن تسرب المياه المالحة يمكن أن يتسبب في تدمير الوظائف والاقتصاديات بأكملها في الصناعات الرئيسية مثل الزراعة ومصايد الأسماك والسياحة. ويمكن أن يتسبب هذا التسرب في تلف أو تدمير البنية التحتية الحيوية – بما في ذلك أنظمة النقل والمستشفيات والمدارس، خاصة عندما تقترن بظواهر الطقس المتطرفة المرتبطة بأزمة المناخ. ويهدد ارتفاع منسوب مياه البحار وجود بعض المجتمعات في الأماكن المنخفضة وحتى الدول.
وأصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، العام الماضي، مجموعة جديدة من البيانات التي توضح الخطر الجسيم لارتفاع البحار، وفقا للأمين العام.
فقد ارتفع المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر منذ عام 1900 بشكل أسرع من أي قرن سابق خلال الثلاثة آلاف عام الماضية. وارتفعت درجة حرارة المحيطات العالمية خلال القرن الماضي بشكل أسرع من أي وقت مضى خلال الأحد عشر ألف سنة الماضية.
وفي غضون ذلك، تؤكد المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أنه، حتى وإن اقتصر ارتفاع درجة الحرارة العالمية على 1.5 درجة مئوية، فسيظل هناك ارتفاع كبير في مستوى سطح البحر. وإذا ارتفعت درجات الحرارة بمقدار درجتين، فسيتضاعف ارتفاع مستوى سطح البحر، ومع زيادة درجات الحرارة بشكل أكبر سيؤدي ذلك إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بشكل هائل.
وحذر الأمين العام من أن دولا مثل بنغلاديش والصين والهند وهولندا كلها في خطر في ظل أي من هذه السيناريوهات.