من مكة إلى الفاتيكان.. حج افتراضيا دون مغادرة منزلك

تزداد تطبيقات الواقع الافتراضي اقتراباً من الحقيقة بشكل متسارع للغاية. اليوم أصبح بإمكان الناس من حول العالم التنقل بين كنيسة سيستين في الفاتيكان وكنيسة القيامة في القدس والكعبة في مكة بضغطة زر.
واشنطن- انقر وشاهد سقف كنيسة سيستين بالفاتيكان عن قرب. انقر مرة أخرى وانضم إلى آلاف الحجاج الذين يصلون ويدورون حول الكعبة في أقدس مواقع الإسلام أو زر مدينة القدس. ستسمع هناك همهمة اليهود عند الحائط الغربي أو آلاف المصلين يقولون آمين في انسجام تام في المسجد الأقصى. يمكنك حتى إضاءة شمعة افتراضية في الموقع حيث يعتقد المسيحيون أن يسوع قام من القبر.
تستطيع أن تفعل كل ذلك دون مغادرة منزلك، حيث ينضم المصلون والسياح والزوار من جميع أنحاء العالم بشكل متزايد إلى أنشطة الواقع الافتراضي الدينية والحج إلى بعض أكثر المواقع المقدسة على وجه الأرض. وكانت هذه التجارب من بين العديد من المساحات المتطورة في عالم الميتافيرس الافتراضي الذي نمت شعبيته خلال الوباء.
قال نيمرود شانيت، الرئيس التنفيذي لـ”إتش.سي.إكس.آر” وبلايمي، مُنتِجَي المدينة المقدسة، وهي تجربة واقع افتراضي غامرة تتيح زيارة الأماكن المقدسة في القدس “نعتقد أن الواقع الافتراضي هو الإنترنت الجديد والطريقة الجديدة لينقل الأشخاص أنفسهم داخل ما يشاهدونه”.
التجربة تمكن من سماع همهمة اليهود عند الحائط الغربي أو آلاف المصلين يقولون آمين في انسجام في المسجد الأقصى
وذكر أن المشاركين “يتعرفون على الطقوس المختلفة، والثقافة، والهندسة المعمارية والعالم دون الحاجة إلى إنفاق الكثير من المال على السفر وتكثيف انبعاثات الكربون العالمية”.
وباستخدام كاميرا بزاوية 360 درجة وماسحة ضوئية بالليزر وخبرته كمصور صحافي، بدأ شانيت في 2015 في التقاط مقاطع فيديو وصور للاحتفالات الدينية المسيحية والإسلامية واليهودية والأماكن المقدسة في مسقط رأسه القدس. ثم عمل بعد ذلك على تجميع اللقطات والصور معا رقميا لخلق تجربة بصرية غامرة.
ويمكن للحجاج الافتراضيين اتباع رجال الدين الأرثوذكس أثناء خروجهم من كنيسة القيامة في احتفال النار المقدسة، مع الشموع التي أضيئت بالنار التي يعتبرها المؤمنون بمثابة رسالة إلهية. ويسمعون أيضا قرع الأجراس وترنيمة “هو الرب قد قام من الأموات!” بلغات متعددة. كما يمكنهم الدعاء في صدع في الحائط الغربي، أو اتباع خطوات آلاف المصلين خلال شهر رمضان في المسجد الأقصى.
لعرض تفاصيل القدس بدقة في الفضاء الافتراضي، أجرى المطورون مسحا للأماكن المقدسة ونموذجا ماديا ضخما صنع في القرن التاسع عشر في متحف برج داوود بالمدينة. ويمكن للمستخدمين المرور عبر هذا النموذج الرقمي للمدينة والدخول من خلال بوابات مختلفة تؤدي إلى كاتدرائية القديس يعقوب وكنيسة القيامة والحائط الغربي وقبة الصخرة والمسجد الأقصى.
ويأمل شانيت، وهو يهودي، وشريكاه المسلم والمسيحي في أن تتمكن المدينة المقدسة من تعزيز الحوار والتفاهم بين الأديان.
ويتواصل العديد من الأميركيين (بعضهم متدينون تقليديا، وبعضهم غير منتمين دينا) بشكل متزايد روحانيا من خلال الواقع الافتراضي. ويمكن للناس في جميع أنحاء العالم أيضا تجربة المواقع المقدسة للهندوسية والبوذية والأديان الأخرى من خلال مقاطع فيديو بنطاق 360 درجة وخرائط افتراضية ومعابد ثلاثية الأبعاد.

وتستخدم تجربة مكة النمذجة ثلاثية الأبعاد للسماح للمستخدمين بالدوران حول الكعبة، ومقابلة الحجاج الذين يرتدون ملابس بيضاء، والتعرف على الطقوس واستكشاف المعالم الهامة الأخرى. وهي تشمل جبل عرفات حيث ألقى النبي محمد (ص) خطبته الأخيرة قبل حوالي 1400 عام.
وقال إيهاب فارس، الرئيس التنفيذي للوكالة الرقمية “بي.سوشال”، التي ابتكرت تجربة مكة، إن “هذه التجربة الغامرة للواقع الافتراضي انطلقت في 2015 ولكنها أصبحت أكثر شيوعا عند تحديثها في 2020”.
واقتصر الحج خلال تلك السنة الوبائية الأولى على حوالي ألف شخص مقيم في المملكة العربية السعودية بسبب القيود المفروضة لمنع انتشار الفايروس. وكان قد شمل حوالي 2.5 مليون شخص في 2019.
وقال فارس، الذي يقع مقر شركته في القاهرة “سجّلنا في أقل من شهر أكثر من 20 ألف مستخدم من الشرق الأوسط وبقية العالم”. ويصف تجربة مكة بأنها “عمل رقمي صالح” مع التركيز بشكل خاص على الشباب. ويمكن عيش التجربة من خلال أحدث إصدار لغوغل كاردبورد، وهو عارض منخفض التكلفة يجعل الهواتف الذكية قابلة لتوفير تجربة الواقع الافتراضي. وذكر فارس أن “هناك جيلا شابا ملتصقا بالهواتف المحمولة، وأردت الوصول إليه وتقديم الإسلام باستخدام التكنولوجيا”.
وقال إن ردود الفعل الإيجابية من الناس في جميع أنحاء العالم كانت مفاجأة سارة بالنسبة إليه. لكنه شدد على أنه لا يحاول استبدال الحج الذي هو أحد أركان الإسلام.
وتابع “كان الهدف هو إعطاؤك إحساسا بما ستختبره على الأرض، لكنه بالتأكيد ليس بديلا عن التجربة الفعلية”.
وأعيد فتح كنيسة سيستين للجمهور في مطلع سنة 2021 بعد إغلاق نوفمبر الماضي بسبب الوباء. ولكن حتى أثناء إغلاق الوصول الشخصي، أمكن الاطلاع على اللوحات الجدارية المذهلة لمايكل أنجلو من خلال جولة افتراضية على موقع الفاتيكان على الويب.
وتعد الإسقاطات البانورامية بزاوية 360 درجة للبازيليكات والكنائس البابوية جزءا من تعاون بين الفاتيكان وطلاب علوم الكمبيوتر في جامعة فيلانوفا الذين يسافرون إلى روما كمتدربين.
وقال فرانك كلاسنر، وهو أستاذ علوم الكمبيوتر في فيلانوفا الذي يدير المشروع مع الكرسي الرسولي “إنها فرصة رائعة لانخراط طلابنا في الكنيسة من خلال الخبرات الدينية، لأن خبراء علوم الكمبيوتر لدينا يعملون جنبا إلى جنب مع مطوري الفاتيكان لإنشاء هذه التجارب”. وأضاف “وأجرؤ على القول إن الناس في الفاتيكان يتعرفون أيضا على الجيل القادم من رواد الكنيسة والحجاج”.
كما أن مشاريع الواقع الافتراضي القائمة على الإيمان تشق طريقها في الأوساط الأكاديمية.

ففي ربيع العام الحالي في جامعة ميامي، شاهد الطلاب مقاطع فيديو بزاوية 360 درجة لمراسم الفودو بهايتي وطقوس جنازة هندوسية ومعمودية مسيحية. واستكشفوا كنيسة ساغرادا فاميليا (العائلة المقدسة) في برشلونة والبارثينون في أثينا والكعبة في مكة المكرمة. وكان ذلك ضمن برنامج للتثقيف حول الدين والأماكن المقدسة في عصر الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي.
ونشأ ماثيو روسي، البالغ من العمر 21 عاما والمتخصص في الرياضيات وعلوم الكمبيوتر والذي عمل مساعد تدريس في الدورة، كاثوليكيا ويعدّ نفسه الآن من بين غير المنتمين إلى أي دين. لكنه قال إن التجربة منحته تقديرا جديدا للتقاليد والطقوس الدينية.
وصرّح روسي عن مشاهدته مقطع فيديو بزاوية 360 درجة للحجاج الذين يطوفون حول الكعبة في مكة “تشعر وكأنك تتحرك مع الحجاج. هذا لا يصدق”.
كما أنشأ الطلاب مساحاتهم الافتراضية المقدسة. ونجح فريق في تشكيل معبد على جزيرة حيث يمكن للطلاب التأمل بصمت أمام تمثال بوذا المبتسم. وقرر آخر بناء متاهة تؤدي إلى مكان يبدو فيه أن الجنة والسماء تندمجان.
وقال ويليام غرين، أستاذ الدراسات الدينية بجامعة ميامي، إن الإيمان يحتاج إلى إجراءات ملموسة، من الصلاة أو الغناء إلى التأمل أو الصوم. وأضاف “يشرك الدين عقلك وجسدك. ولا يمكنك أن تفعل ذلك في بعدين، ولكن يمكنك عيش التجربة في الميتافيرس”.