من قتل رئيس شركة لوك أويل الروسية العملاقة للنفط؟

رفاييل ماغانوف و حرب اغتيالات موازية للحرب الروسية - الأوكرانية.
الأحد 2022/09/04
هل كانت وفاة ماغانوف طبيعية أم تم اغتياله؟

موسكو- واحد من أكبر صناع القرار في عالم الطاقة، ورئيس أضخم شركة نفط روسية تشرف على إنتاج وتوزيع النفط والغاز الطبيعي على منطقة الشرق الأوسط يُصاب بالاكتئاب ويلقي بنفسه من شرفة غرفته بالطابق السادس في المستشفى المركزي في شارع المارشال تيموشينكو.

كانت تلك رواية الإعلام الروسي، وخاصة وكالة تاس، تتحدث عن مصرع رجل الأعمال رفاييل ماغانوف الخميس الماضي، منتحراً عن عمر ناهز 67 عاماً، وأنه كان يتناول أدوية مضادة للاكتئاب تسببت في إقدامه على إنهاء حياته.

الخبر لا يكون على هذه الدرجة من الأهمية إن لم يُعرف المستشفى الذي مات فيه ماغانوف، والذي يوصف هكذا “المستشفى المركزي الطبي المخصص لعلاج المرضى من النخبة السياسية والاقتصادية في موسكو”. 

لكن ماغانوف ليس الأول الذي يقضي في ظروف غامضة خلال هذه الفترة، فقد سبقه ألكسندر سوبوتين الرئيس التنفيذي للشركة ذاتها لوك أويل قبل ثلاثة أشهر من الآن، في مايو الماضي، وقيل حينها إنه مات أثناء تلقيه علاجًا غامضًا لإدمان الكحول.

من هي لوك أويل؟

◙ العديد من مدراء شركات الطاقة تم العثور عليهم وهم في حالات وفاة مختلفة الأسباب منذ فبراير الماضي، ويشكك نائب رئيس بنك غازبروم إيغور فولوبوييف في انتحار هؤلاء، رابطاً موتهم بمواقفهم الرافضة للحرب

كانت لوك أويل قد أصدرت بيانا في مارس الماضي، بعد أيام على انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا، عبّر فيه مجلس إدارتها عن قلقه من الأحداث المأساوية في أوكرانيا، داعياً إلى إنهاء الصراع المسلح في أقرب وقت ممكن من خلال المفاوضات.

وتعد الشركة عملاقاً نفطياً يجوب العالم في استثمارات متعددة وفي مناطق شاسعة وبلدان مختلفة، وبأرقام غير مسبوقة، وهي أكبر الشركات النفطية الروسية في روسيا، وصلت إحصاءات إنتاجها إلى أكثر من 95 مليون طن من النفط في العام 2008، وعلى سبيل المثال، أنتجت الشركة 19.3 مليار برميل نفط مكافئ، وفقاً لبيانات جمعية مهندسي البترول، ويشكل ذلك 1.3 في المئة من احتياطي البترول العالمي.

ويشمل نشاط لوك أويل أكثر من 40 بلداً ووصلت حفاراتها في أغسطس من العام الماضي إلى مياه المنطقة الجنوبية لخليج المكسيك، وقبل ذلك في العراق حيث تقوم شركة ”لوك أويل ميد إيست” بإدارة استكشاف وإنتاج الهيدروكربونات في حقل غرب القرنة في جنوب العراق. وقد حقق مشروع غرب القرنة 2 أول إنتاج للنفط في مارس 2014، واليوم سجل الحقل أكبر نمو إنتاجي في العراق بمعدّل 400 ألف برميل يومياً، بعد أن انطلقت أعمال لوك أويل في هذا البلد عام 2010.

كان لدى لوك أويل مشروع نوعي تمثل في سعيها لإعادة تشغيل أكثر من نصف آبار النفط المتوقفة خلال أزمة كوفيد – 19 وتزامناً مع تخفيف قيود أوبك+، حيث أعادت تشغيل أكثر من نصف الآبار المتوقفة، وواصلت زيادة إنتاج النفط في روسيا، بعد أن خفضت لوك أويل إنتاج روسيا من النفط الخام بنحو 310 آلاف برميل يوميًا ضمن اتفاقية أوبك+ حينها. وبحلول شهر مارس العام الماضي، تمكنت الشركة من إنتاج 130 ألف برميل يوميًا، وخلال شهر أغسطس منه ضخت قرابة 1.53 مليون برميل يوميًا، حتى وصل إنتاجها ربع السنوي إلى 19.5 مليون طن.

استثمارات لوك أويل الضخمة تعتمد على احتياطها غرب سيبيريا، وقد أنتجت نحو ملياري طن من النفط منذ بداية تطوير حقول غرب سيبيريا، وفي عام 199، أُنتج أول مليار طن من النفط في المنطقة، ولا تزال الشركة تعمل على تطوير 79 حقلًا، ويخضع 27 حقلًا آخر للتنقيب.

وشبكة لوك أويل تمتد على أكثر من 21 ألف كيلومتر من خطوط الأنابيب المختلفة، و7 آلاف كيلومتر من الطرقات السريعة، وقرابة 15 ألف كيلومتر من خطوط الكهرباء.

وكان رئيسها ماغانوف قد حصل على ميدالية تكريم من الرئيس بوتين على جهوده الكبيرة تلك، غير أن مصيره كان كمصير آخرين في حرب غامضة لا يعرف من الذي يصدر أوامر القتل فيها.

النفط القاتل

◙ روسيا تعاني من موجة الاغتيالات، وفيما يبدو أن المتهم الأول في غالبيتها معروف، إلا أن بعضها كان اتجاهه معاكساً
روسيا تعاني من موجة الاغتيالات، وفيما يبدو أن المتهم الأول في غالبيتها معروف، إلا أن بعضها كان اتجاهه معاكساً

لوك أويل تعتبر الأبرز من بين الشركات الروسية القليلة التي دعت علناً إلى إنهاء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في معارضة واضحة وصريحة لقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

عمل فيها ماغانوف منذ عام 1993 وأشرف على عمليات التكرير والإنتاج والتنقيب، وأصبح رئيس مجلس الإدارة في العام 2020. وعلى الرغم من كونه شقيقاً لرجل آخر لا يقل أهمية عنه، هو نيل ماغانوف رئيس شركة تات الروسية المنتجة للنفط، وشريكًا لأحد مؤسسي لوك أويل فاغيت أليكبيروف، نائب وزير النفط السوفييتي السابق، وقد استقال من منصب رئيس الشركة في إبريل الماضي، بعد أسبوع من فرض بريطانيا تجميد أصوله وحظر سفر عليه كجزء من العقوبات على روسيا، إلا أن هذا كلّه لم ينفع ماغانوف.

ويتساءل خبراء النفط حول العالم ولاسيما في أوروبا أكبر المتضررين من حرب بوتين على أوكرانيا، هل كانت وفاة ماغانوف طبيعية أم تم اغتياله؟

جميع التصريحات الرسمية الروسية تشير إلى تناقض في سرد تفاصيل الحادث، ففي حين أعلنت شركة لوك في بيان أن ماغانوف “توفي بعد مرض خطير”، مضيفة قولها إن “الآلاف من موظفي لوك أويل يشعرون بحزن عميق لهذه الخسارة الكبيرة، ويقدمون خالص التعازي لأسرته”. ونقلت وكالة تاس عن مصدر في الشرطة قوله إن ماغانوف انتحر بسبب مشاكل في القلب. لكن الشرطة الروسية رفضت الرد على سؤال من وكالة رويترز عما إذا كانت تحقق في وجود شبهة جنائية وراء الوفاة.

◙ ما غنوف حصل على ميدلية تكريم من الرئيس بوتين على جهوده الكبيرة في إدارة لوك أويل

صحيفة بيلد الألمانية تقول إن موت ماغانوف لا يبدو موتاً طبيعياً، خاصة مع موقف الشركة التي يديرها الذي طالب بوقف الحرب.

وقد تم العثور على العديد من مدراء شركات الطاقة وهم في حالات وفاة مختلفة الأسباب منذ فبراير الماضي، ويجري ربط تلك الوفيات بمواقفهم الرافضة للحرب، ففي مقابلة مصوّرة نُشرت على يوتيوب نهاية أبريل، شكك نائب رئيس بنك غازبروم إيغور فولوبوييف في حالات الانتحار.

من بين هؤلاء ليونيد شولمان رئيس خدمة النقل في شركة غازبروم إنفست التي تتولى مشروعات استثمارية لشركة الغاز غازبروم، وقد تم العثور على جثته يوم الثلاثين من يناير في حمام كوخ في منطقة فيبورجسكي شمال سانت بطرسبرغ. وحينها أعلن الإعلام الروسي الرسمي أنه يعتقد أن شولمان انتحر. في الشهر التالي تم العثور على ألكسندر تيولاكوف المسؤول التنفيذي في غازبروم ميتا في مرآب منزله.

صمتت غازبروم حينها، لأن التوقيت كان حساساً جداً، فهو الصباح الذي انطلقت فيه عمليات الجيش الروسي ضد أوكرانيا، لكن صحيفة “نوفايا غازيتا” قالت إن تيولاكوف مات منتحراً. وذكرت الصحيفة أن أشخاصا يتبعون لأجهزة أمن غازبروم طوَّقوا مكان الحادث.

في الأسبوع الأخير من فبراير ذاته، تم العثور على ميخائيل واتفورد رجل الأعمال الروسي أوكراني المولد ميتاً في منزله جنوب شرق إنجلترا.

ثم خسرت غازبروم خسارة إضافية بالعثور على فلاديسلاف أفاييف نائب رئيسها السابق ميتا في شقة بموسكو مع جثتي زوجته وابنته، ونقلت صحيفة “كوميرسانت” عن المحققين قولهم إنهم يعتقدون أن أفاييف أطلق النار عليهما قبل أن ينتحر هو الآخر.

ثم جاء الدور على سيرغي بروتوسينيا المدير الأعلى السابق لأكبر شركة منتجة للغاز الطبيعي المسال في روسيا، الذي عُثر عليه ميتاً مع زوجته وابنته في فيلا في إسبانيا، وأفادت الشرطة الإسبانية أن الوفاة ناجمة عن إقدام بروتوسينيا على قتل زوجته وابنته قبل أن ينتحر.

وبين هؤلاء شخصيات أخرى من قطاعات اقتصادية مختلفة، لكن القطاع الأبرز فيها هو النفط الذي ساق يوري فورونوف الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة “أسترا – شيبينغ” التي نظمت عقود غازبروم، ميتا في حوض سباحة في سانت بطرسبرغ، وقيل إنه عثر عليه مصابا بطلق ناري في رأسه وبجانبه مسدس.

مسلسل الاغتيالات

◙ لوك أويل تعتبر الأبرز من بين الشركات الروسية القليلة التي دعت علناً إلى إنهاء حرب بوتين ضد أوكرانيا
لوك أويل تعتبر الأبرز من بين الشركات الروسية القليلة التي دعت علناً إلى إنهاء حرب بوتين ضد أوكرانيا

تعاني روسيا من موجة الاغتيالات، وفيما يبدو أن المتهم الأول في غالبيتها هو الكرملين، إلا أن بعض تلك الاغتيالات كان معاكسا تماماً، انطلاقاً من حادث اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف على يد الشرطي التركي مولود طنطاش، ووصولاً إلى اغتيال درايا دوغين التي سرت إشاعات غير مؤكدة عن العثور على جثة المتهمة بقتلها الأوكرانية ناتاليا فوفك بعد أن تلقّت 17 طعنة، وقال تقرير نشرته صحيفة “إكسبريس” النمساوية إنه تم العثور على جثة فوفك في شقة سكنية بالعاصمة فيينا.

ولم تكد تمض أيام على تفجير سيارة ابنة الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين الملقب بـ”عقل بوتين”، والذي يقول الروس إنه المهندس المعماري أو “المرشد الروحي” لغزو روسيا لأوكرانيا، حتى أعلن جهاز الأمن الفدرالي الروسي عن إحباط عمل وصفه بالإرهابي كان يستهدف أهدافا تابعة لأسطول البلطيق في مقاطعة كالينينغراد، تزامن مع تعرض إيغور كاليابين عضو مجلس حقوق الإنسان وتنمية المجتمع التابع للرئيس بوتين للطعن بآلة حادة ومحاولة خنقه من قبل مجهول.

وقالت وكالة سبوتنيك الروسية إنه تم اعتقال أحد أنصار تنظيم آزوف، وهو تنظيم محظور في روسيا، في كالينينغراد كان يخطط لشن هجوم إرهابي على أهداف تابعة لأسطول البلطيق بتوجيه من منسقيه في أوكرانيا. وعُثر على عبوة ناسفة بوزن نحو 5 كيلوغرامات من مادة “تي.إن.تي” ووثائق بمراسلات مع قادة تنظيم آزوف.

وجهت روسيا الاتهامات تلو الأخرى لأوكرانيا بالتخطيط لتلك الاغتيالات، إلا أن كييف نفت تورطها في أي منها، وقال مستشار رئيس أوكرانيا ميخايلو بودولياك إنه لا علاقة لبلاده بأي اغتيال ضد الروس، مضيفاً أن تلك الحالات ما هي إلا “تسوية لحسابات سياسية داخلية في روسيا”. وأضاف بودولياك أن حادثاً مثل اغتيال دوغين، مثلاً، لا يمكن أن يؤثر على مجرى الحرب الروسية – الأوكرانية مباشرة ولكن يمكن أن يؤثر ذلك على الرأي العام داخل روسيا من أجل تحضير الجمهور للتجنيد العام، مشيراً إلى أن الاتهامات الروسية الموجهة لأوكرانيا من بينها تسميم جنود روس بالقرب من فاسيليفكا.

◙ أيام قليلة تفصل ما بين تفجير سيارة ابنة الفيلسوف الروسي دوغين وإعلان روسيا عن إحباط محاولة اغتيال إيغور كاليابين عضو مجلس حقوق الإنسان وتنمية المجتمع التابع للرئيس بوتين طعناً بآلة حادة

دول عديدة في العالم من بينها ألمانيا اتهمت روسيا بتنفيذ بعض تلك الاغتيالات أو محاولات الاغتيال وأكثرها شهرة، كمحاولة اغتيال المعارض الروسي أليكسي نافالني بتسميمه بغاز الأعصاب “نوفيتشوك”، كحلقة من حلقات سلسلة طويلة من الاغتيالات السياسية في الحياة الروسية، والتي يبلغ عدد ها في الخارج نحو 25 عملية اغتيال من بين أكثر من 120 عملية.

من بينها أيضاً محاولة اغتيال الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يوشينكو الذي اتهم روسيا بتسميم وجبة طعام تناولها، فجعلت وجهه مشوهاً بعد تعرضه للتسمم بالديوكسين الصناعي الملوث.

ويذكر المتتبعون لملف الاغتيالات وروسيا أن “حكومة ما بعد الاتحاد السوفييتي قد لجأت إلى ترسانتها السامة كسلاح مفضل”، والمواد التي تم تحديدها أو الاشتباه في وقوعها في حالات التسمم التي ألقي باللوم فيها على الحكومة الروسية تشمل البولونيوم 210 المشع، ومعادن ثقيلة، وسم نبات نادر في جبال الهيمالايا.

وقبل ستة أعوام تم إطلاق النار وسط كييف على دينيس فورونينكوف العضو السابق في الحزب الشيوعي الروسي الذي فرّ من روسيا ووجه انتقادات حادة لبوتين.

سبقه بوريس نيمتسوف نائب رئيس الوزراء الروسي، والذي كان يحمل لقب نجم “الإصلاحيين الشباب”، وكان أحد المرشحين الرئاسيين، وكان من أشد المعارضين لبوتين، وقاد مسيرات حاشدة في الشوارع احتجاجاً على نتائج الانتخابات البرلمانية لعام 2011 وكتب تقارير عن الفساد، وقد فوجئ الروس بأربع طلقات تصيب نيمتسوف في ظهره، ورغم تعهد بوتين بالإشراف شخصياً على التحقيق إلا أن الملف تم طيه.

غير أن أكثر الشخصيات التي كان خبر مقتلها مفاجئاً هو رجل الأعمال بوريس بيريزوفسكي الذي يوصف بأنه الرجل الذي أوصل بوتين إلى السلطة. ولكنه لم يكن على وفاق معه لاحقاً، فغادر روسيا إلى بريطانيا وبدأ يطالب منها بإسقاط بوتين، متهما إياه باغتيال ألكسندر ليتفينينكو ضابط المخابرات السابق. وكغيره من المعارضين تم العثور على بيريزوفسكي ميتاً داخل حمام مغلق في منزله، مع حبل حول رقبته يوحي بأنه انتحر.

العديد من مدراء شركات الطاقة تم العثور عليهم وهم في حالات وفاة مختلفة

 

8