"من ضهر راجل" تألق الممثلين عوض نمطية السيناريو والإخراج

ربما يكون خطأ السيناريست محمد أمين راضي في تجربته السينمائية الأولى في فيلم “من ضهر راجل”، أنه تعامل مع الفيلم باعتباره حلقات تلفزيونية ممتدة، ولم ينتبه إلى أن السينما تحتاج إلى التكثيف، في الإطار العام الذي يتناول من خلاله فكرته، وفي التوقيت الزمني الذي يعالج به أحداثه أيضا، حيث طالت مدة عرض الفيلم لأكثر من ساعتين دون أن تكون هناك جدوى لذلك.
تقريبا منذ منتصف الأحداث يستطيع المشاهد أن يتوقع القادم، وكذلك تصرفات الشخصيات، لأن عنصر المباشرة كان حاضرا بقوة، عكس ما اعتاد عليه المؤلف من حضور عنصر المفاجأة في أعماله.
خطان دراميان
الأحداث صورت الشاب رحيم (يلعب دوره الفنان آسر ياسين) أنه كان سببا في هداية والده من أعمال البلطجة، خصوصا بعد وفاة الأم، كما أن نشأة الصغير وسط محبة والده وجاره الذي يعمل كمدرب للملاكمة جعلته يصبح بطلا في هذه اللعبة.
نجاح رحيم واهتمام والده وجاره به، ساعداه على أن يكون بطلا، وذلك ما أثار حفيظة نجل مدرب الملاكمة (شريف رمزي)، بالإضافة إلى تعلق جارتهما مي (ياسمين رئيس) به، ليكون هذا الخيط الرئيس للأحداث في الفيلم.
الخيط الآخر الذي استخدمه مؤلف العمل ليملأ به الأحداث، كان يتمثل في العلاقة بين رجل الشرطة والبلطجية الذين يستخدمهم لجمع الأموال والإتاوات له، وفرض سيطرة غير مباشرة على الحي الذي يعمل فيه، فيبدأ الأمر بتجنيد شقيق الحبيبة مي (يجسد دوره وليد فواز) فيستخدم قوته ورجاله في البلطجة على أهل الحي، وذلك قبل أن تنشب معركة بينه وبين رحيم الذي ينتصر عليه ويكسر هيبته ما يجبر رجل الشرطة (يلعب دوره الفنان صبري فواز) على الظهور ليصبح هو الرجل الأول، ثم يستخدم رحيم قوته، بعد سلسلة من المضايقات والتهديدات، بدأت بمحاولة استبعاده من اتحاد الملاكمة، ثم التضييق عليه في رزقه، وأخيرا التهديد بمحاسبة والده (جسد دوره الفنان محمود حميدة) عن أعماله السابقة في البلطجة.
منذ منتصف الأحداث يستطيع المشاهد أن يتوقع القادم، وكذلك تصرفات الشخصيات، لأن عنصر المباشرة كان حاضرا
استخدم محمد أمين راضي هذين الخطين الدراميين طوال الأحداث التي بلغت مدتها 145 دقيقة، وضمنهما الكثير من المشاهد، التي سبق وأن استعملت في السينما من قبل وشوهدت عدة مرات، ليس فقط في أفلام الأبيض والأسود وإنما حتى في أفلام حديثة نسبيا؛ فالصراع بين السلطة والفقر لم يأت المؤلف فيه بجديد، وكان النموذج الأوضح له قد ظهر في فيلم “تيتــو” الذي أدّى دور البطولة فيه الفنان الراحل خالد صالح، وأحمد السقا، وهو ما يتشابه هنا في العلاقة بين الملاكم ورجل الشرطة الذي استخدمه لصالحه.
كذلك كانت العلاقة بين رحيم ومي نمطية، فالفتاة التي لا تطيق بلطجة شقيقها، من المؤكد أنها لن ترضى بأن يكون حبيبها مثله، وهو أمر طال الحديث عنه أيضا في أعمال درامية سابقة، لكن المؤلف استحدث فكرة اغتصاب رحيم لحبيبته بعد زواجها من جاره الذي يكن له عداوة، وهو اغتصاب نتج عنه حملها منه، من أجل خلق دراما أكثر تشعبا وتعقيدا لتبدو جاذبة للجماهير.
تفوق تمثيلي
مخرج الفيلم كريم السبكي، استخدم جزءا من توليفة عائلته المعتادة مع ما تراكم لديه من خبرة في تجربته الأولى مع فيلم “قلب الأسد” لمحمد رمضان، وأفرط في استخدام عضلاته الإخراجية في مشاهد البلطجة والضرب بالأسلحة البيضاء، التي استهلكت جزءا كبيرا من أحداث الفيلم اعتقادا بأن ذلك يعدّ إتقانا في تقديم مشاهد الأكشن.
أداء الأبطال، كان المنقذ الوحيد للفيلم، وسط ملل الأحداث والمشاهد المتكررة فيه، وفي مقدمتهم الفنان آسر ياسين الذي تألق في دور الملاكم بداية من قوّة عضلاته المفتولة وضربات يديه التي بدا فيها وكأنه ملاكم حقيقي، حتى في بعض اللكمات التي كان يتلقاها ويترنح إثرها على الحلبة.
وآسر يمتلك أيضا سلاحا تعبيريا هاما، وهو ما تميز به منذ بداية ظهوره، ويتمثل في نظرات عينيه اللتين تترجمان الشخصية التي يؤديها باختلاف نوع العمل، فمن مراحل الفقر والحب التي مر بها رحيم، إلى البلطجة ثم العودة إلى تهذيب النفس في نهاية الأحداث، كانت عينا الفنان تترجمان كل هذه اللحظات بصدق.
السيناريست تعامل مع الفيلم باعتباره حلقات تلفزيونية ممتدة، حيث طال عرض الفيلم لأكثر من ساعتين
الفنان محمود حميدة أيضا أبدع كالمعتاد في تجسيد شخصية والد رحيم معوضا مشاركته الباهتة في فيلم “أهواك” مع تامر حسني، وقد ساعده في ذلك وجود كيمياء إيجابية بينه وبين آسر ياسين، ظهرت طوال أحداث الفيلم.
كل من ياسين وحميدة ظهرا بأداء متوازن مع الآخر، خاصة في مشهد ما قبل النهاية، الذي ينتهي بنظرة طويلة تجمع بين الأب الملقى على الأرض، بعدما ضربه البلطجية، وفي نفس اللحظة يسقط بجواره ابنه بعد أن تلقى طعنة من جاره عقابا له على اغتصاب زوجته.
وهو مشهد كشف مشاعر الحب المتوترة بين الأب والابن، ورسخ لبكاء الأب الذي يشهد موت نجله أمامه، برغم الحياة الأخرى التي رسمها له بعيدا عن حياة الظلمة التي كان يعيشها قبل مولده.
تألق الفنان وليد فواز أيضا في أداء دور شخصية البلطجي العصري التي قدمها في الفيلم، بداية من تسريحة الشعر والملابس، مرورا بلغة الحديث والحس الكوميدي الذي أعطى مذاقا خاصا لدوره. وقدّم الفنان محمد لطفي أداء مميزا في دور مدرب الملاكمة، حيث بدا وكأنه يتحدّى نفسه لكسر نمطية الأدوار التي يقدمها في السنوات الأخيرة ما بين كوميديا مفتعلة وبلطجة.
تنتهي أحداث فيلم “من ضهر راجل” كعادة أعمال السيناريست محمد أمين راضي بنهاية مأساوية، حيث يموت الأب والابن، ولم يتضح مصير الحبيبة، في حين أن رجل الشرطة رمز الفساد لم ينهزم إلاّ أمام نجله.