من زبالة إلى ثروة: أنقاض البلاستيك تتحول إلى طابوق بيئي

يعد قطاع البناء والتشييد واحدا من أكبر القطاعات الملوثة للبيئة، وللتصدي لهذا الخطر ابتكرت شركات طوبا أخضر من نفايات المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد.
جاكرتا - تحارب أوفي سابرينا معضلة النفايات البلاستيكية في إندونيسيا بتحويل أكياس المعكرونة والقهوة وغيرها من القمامة حول الأرخبيل إلى طوب صديق للبيئة.
وتدرك عائلتها شغفها بشأن القضايا البيئية ولا تقف في طريقها. وخطرت لها فكرة صنع الطوب من البلاستيك الذي يستخدم لمرة واحدة قبل خمس سنوات، عندما بحثت عن سبل لمواجهة التلوث وتحقيق ازدهار البناء في العاصمة جاكرتا.
وأطلقت سابرينا وصديقتها نوفيتا تان شركة ريبريكس الناشئة لمواد البناء الخضراء في 2018 باستخدام الآلات من مصنع الطوب التقليدي الذي تمتلكه عائلتها.
وقالت المرأة البالغة من العمر 37 عاما، والتي تتشاجر باستمرار مع أشقائها حول فرز النفايات المنزلية وإعادة تدويرها، “عادة ما تشجعني عائلتي على المضي قدما والقيام بكل ما أريد. وسأفعل ذلك حتى لو اختلف الناس معي. وأشجع الأشخاص الذين يرغبون في خوض مبادرات إعادة التدوير”.
ويعيش أكثر من نصف سكان المنطقة في المدن ويتزايد عددهم، ويرتفع عدد سكان المناطق الحضرية في آسيا مع زيادة الثروة ويسعى الناس إلى حياة أفضل، مما يشكل ضغطا كبيرا على البنية التحتية والخدمات العامة والإسكان ميسور التكلفة.
وتنتشر مواقع البناء في جاكرتا الصاخبة، التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة. وتنبعث من هذه المواقع مستويات عالية من الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري، حيث تعمل المدينة على إنشاء سكك قطارات جديدة ومراكز تجارية ومجمعات ترفيهية وشقق ومكاتب.
ويتنافس السكان مع الباعة المتجولين في الشوارع على الفضاء، ويكافحون مع الاختناقات المرورية في المدينة والفيضانات المنتظمة وتلوث الهواء الخانق.
وكافحت خدمات جمع النفايات وإعادة التدوير لمواكبة وتيرة نمو العاصمة الإندونيسية.
تدريب القوى العاملة والتأكد من تعزيز كليات الهندسة المعمارية للاستدامة يخلقان فرصا كبيرة لتوفير وظائف خضراء
وعادة ما ترسل المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد (مثل ماصات الشرب وأغلفة الحلويات والأكياس البلاستيكية وأكياس القهوة) إلى مواقع دفن النفايات الممتلئة بالفعل، أو يحرقها جامعو القمامة غير الرسميين، أو يُلقى بها في قنوات الصرف.
وتتطلع ريبريكس إلى مواجهة تحدي القمامة والنمو الحضري الملوث المزدوج الذي تواجهه إندونيسيا، وحققت تقدما كبيرا في أواخر 2019 من خلال إنشاء طوب من نفايات المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وكان يفي بمعايير الصناعة.
وتمزج الشركة الرماد البركاني والأحجار الجبلية والنفايات البلاستيكية التي يتخلص منها السكان في جميع أنحاء إندونيسيا، والأسمنت لصنع الطوب الذي لا يحتوي على رمل مثل المنتج العادي.
وتزود الجمعيات الخيرية والمجموعات الأخرى التي تبني منازل ميسورة التكلفة ومباني الصرف الصحي للمجتمعات الفقيرة.
وتبقى أسعار الشركة تنافسية، في حين يعدّ الطوب الذي تصنعه طويل الأمد وقويا وغير قابل للاحتراق ولا تزلق أحجار الرصف التي تصنعها عندما تبتل.
ويقول موقع ريبريكس على الإنترنت إن طاقته الإنتاجية تبلغ 100 متر مربع يوميا.
لكن سابرينا رفضت إعطاء تفاصيل عن المبيعات، مضيفة أن الإنتاج مقيد بتقنية الشركة الأساسية لصنع الطوب والآلات كثيفة العمالة، حيث غالبا ما تفوق تبرعات النفايات البلاستيكية الطلب على الطوب.
وتستخدم الشركة الناشئة وسائل التواصل الاجتماعي لطلب النفايات البلاستيكية، وتجري محادثات مع الحكومة لتوريد المواد لمشاريع الإسكان المدعومة.
وقالت سابرينا “من المستحيل أن نرفض فرص التطور بصفتنا دولة نامية. سيستمر التطوير، ويمكن أن تساعد إعادة تدوير النفايات في نفس الوقت”.
البناء حل للمناخ
قال خبراء الصناعة إن قطاع البناء كان مسؤولا عن حوالي 40 في المئة من الانبعاثات العالمية المتعلقة بالطاقة، وسيكون الحد من ذلك حيويا لوفاء البلدان بتعهداتها الدولية المتعلقة بالمناخ والبيئة.
ويأتي حوالي نصف انبعاثات القطاع من البناء والباقي من كيفية تدفئة المباني أو تبريدها وتشغيلها بمجرد استخدامها.
وقالت ليا رانالدر، وهي من فريق تغير المناخ في برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، إن الصناعة تمثل أيضا 50 في المئة من جميع المواد المستخرجة، في حين أن إنتاج الأسمنت وحده مسؤول عن 7 في المئة من انبعاثات الكربون العالمية.
وأشارت إلى أن أقل من 9 في المئة من المواد التي يستهلكها القطاع معاد تدويرها أو استخدامها، مما يعزز عقلية “نبني، نتخلص”.
تشييد المباني الأكثر اخضرارا يرفع التكاليف بنسبة 3 إلى 5 في المئة، اعتمادا على الخيارات المعتمدة
وقالت إن “صناعة المباني والتشييد تبقى العملاق الذي تتجاهله محادثات تغير المناخ. ولن نتوصل إلى حل لأزمة المناخ دون معالجة هذا القطاع”.
لكن إصلاح الصناعة المجزأة أمر معقد. وقال خبراء الصناعة إن العديد من المطورين في آسيا يركزون على الأرباح والقدرة على تحمل التكاليف، مع تصورهم أن التصميمات ومواد البناء الأكثر اخضرارا باهظة الثمن.
وقال جوناثان دوين، خبير البناء والتعمير في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن تشييد المباني الأكثر اخضرارا يرفع التكاليف بنسبة 3 في المئة إلى 5 في المئة، اعتمادا على الخيارات المعتمدة.
لكنه ذكر أن العملية تصبح أرخص بمرور الوقت، لأن تكلفة تشغيل المباني تتراجع، مضيفا أن “التكلفة الإجمالية ليست أعلى بكثير، وستنخفض التكاليف كلما تبعنا هذا النهج”.
كما قال الخبراء إن تدريب القوى العاملة في الصناعة والتأكد من تعزيز الجامعات وكليات الهندسة المعمارية للاستدامة يخلقان فرصا كبيرة لتوفير وظائف خضراء جيدة الأجر.
وقال نيك جيفريز، من مؤسسة إيلين ماك آرثر الداعمة للاقتصاد الدائري، “إذا التزمت الحكومات بالاستثمار وتوسيع تطوير المباني الخضراء، سيتحفز عمال البناء على متابعة هذه الأنواع من المهارات، مدركين أنهم سيجدون عملا مضمونا لهم في المستقبل”.
مدن خضراء

يتمثل مشروع المهندس المعماري الإندونيسي آندي سوباجيو القادم في ساحة للمشاة خارج إحدى محطات النقل الجماعي السريع الجديدة في جاكرتا.
وقال من مطعم في العاصمة مبني باستخدام مواد شركة ريبريكس الناشئة إنه شغوف بجعل مدينته أكثر استدامة. وذكر أن المطعم يستخدم التهوية الطبيعية الأفضل من تركيب مكيف للهواء.
ويرى الشاب البالغ من العمر 33 عاما فوائد كبيرة في الجمع بين التصميمات الحديثة والتقليدية ومواد البناء، مضيفا أن الهياكل الشاهقة المبنية من الفولاذ والخرسانة والزجاج تعدّ اتجاها جديدا نسبيا.
وقال سوباجيو، الذي أسس أستوديو ساسو للهندسة المعمارية، إن “التصميمات التقليدية هي التي تعلمنا كيف نعيش بشكل أكثر استدامة”.
وذكر دوين من برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن الصناعة يجب أن تستخدم عددا أقل من المواد الجديدة في البناء، وأن تجتهد لإطالة عمر المباني القائمة. وقال إن التهوية الطبيعية واعتماد الطبيعة وإضافة الظل ضرورية للمساعدة في التبريد في عالم أكثر دفئا. وأشار إلى إمكانية استخدام النفايات الحيوية للعزل والخشب المقطوع كخيارات من مواد البناء.
وأكّد صعوبة إحياء التقنيات القديمة من الناحية الاجتماعية لأن الكثيرين يشعرون أن العيش في مبنى خرساني حديث يشير إلى النجاح في الحياة.
وتعد آسيا موطنا لبعض أسواق البناء الأسرع نموا، وتتسارع وتيرة المشاريع بعد توقف مؤقت خلال جائحة كوفيد – 19.
وقال إيلي إلينوف، وهو محاضر في الأنثروبولوجيا الثقافية في جامعة فيكتوريا في ويلينغتون، “نشهد تشييد الكثير من المباني الخضراء، لكنها لا تصل إلى عدد المشاريع التي تعتمد مصادر أقل استدامة والأسوأ تصميما حسب مجموعة متنوعة من المعايير”.
وقالت سيدة الأعمال سابرينا إن أكبر المطورين الذين تحدثت إليهم يركزون غالبا على التكاليف أكثر من البيئة.
وذكرت أن هؤلاء المطوّرين، الذين قد يبنون ألف منزل جديد على سبيل المثال، يميلون إلى البائعين الذين يفضلون المواد الأقل استدامة، وغالبا ما يعتبرون تجربة شيء جديد أمرا محفوفا بالمخاطر.
وتخطط شركة سابرينا لافتتاح مصنع ثان في وسط جاوة وآخر في منتجع جزيرة بالي هذا العام، وتأمل في أن تنشر الوعي بخصوص النفايات البلاستيكية في المدارس العام المقبل.
وقالت “ربما يمكننا تكرار النموذج عبر جزر أصغر في إندونيسيا، حتى نتمكن من إحداث تأثير أكبر”.
