من زار مراكش مرة يعود إليها مرات

عديدة هي المدن العربية التي تسكن الذاكرة حين زيارتها لأول مرة، بخصوصية معمارها وأسواقها وأجوائها التي تدفع السائح لزيارتها مرات عديدة أو اختيارها للإقامة خاصة من الأوروبيين الذين يقسو عليهم الشتاء في بلدانهم. مراكش مدينة تجمع بين خصوصية المعمار العربي القديم والأحياء الحديثة تشد إليها من يزورها حتى يعتاد على زيارتها سنويا.
مراكش - مدن قليلة في العالم تمتلك الفرادة التي تجدها في مراكش، المدينة التي ترحب بالوافد إليها بابتسامات أهلها لكل غريب يصلها عن طريق البر أو الجو، مطارها الدولي “المنارة” مقام داخل المدينة، وليس خارجها، كما في الكثير من مطارات العالم، ويصلها المسافر أيضا بالقطار السريع من خلال محطتها الرئيسية وسط المدينة أو من خلال الحافلات السياحية.
مدينة مختلفة
في مراكش تشعر فورا أنك في مدينة مختلفة، متعددة الحضارات، قديمة وحديثة، ففيها الأسوار، والأسواق التراثية والجوامع، التي تذكرك بالمرابطين والموحدين والسعديين الذين حكموا المدينة بين القرن العاشر والسادس عشر الميلادي.
والمدينة يعود بناؤها إلى العام 1070 من قبل السلطان المرابطي يوسف بن تاشفين، وفي جانبها الحديث تشاهد أحدث الفنادق والمولات والمسابح والمتاحف والحدائق والطرق السريعة والمطاعم والمقاهي الشعبية.
عربات” الربل” التي تجرها الخيول وسيلة تنقلك إلى المدينة القديمة للنزهة والتنقل بين المعالم الأثرية في أجواء مختلفة، ولهذه العربات موقف كبير تنتظر فيه المئات منها، قرب “سوق الفنا” وصومعة الكتبية. النزهة بعربة منها لفترة ساعة متعة حقيقية، ولا تكلف الزائر سوى 100 درهم (الدولار يساوي 9.4 درهم).
ولمن يجذبه ركوب الجمال أو الخيول، فيمكنه استئجارها للتنزه عليها قريبا من أسوار المدينة القريبة، وفي الحدائق والطرق المؤدية إلى المعالم التاريخية، كقصر الباهية وقصر البديع ومجمع المواسين وحدائق المنارة وأكدال وماجوريل، وكذلك زيارة المسرح الملكي والقبة المرابطية بقصر البديع وقبور 66 ملكا وأميرا من السعديين، والأضرحة السبعة لأكثر صوفيي المغرب تقوى وشهرة، وغيرها. رسم الدخول لهذه القصور والحدائق والمعالم يتراوح بين 40 و200 درهم.
ويؤم المدينة القديمة يوميا الكثير من الجنسيات بل إن الكثير من عقاراتها اشتراها أجانب، وجعلوها مقرا لعيشهم، وحسب منشور لمجموعة العمران بالمدينة للعام الماضي وصل عدد العقارات المباعة إلى أجانب إلى خمسة آلاف عقار، لانخفاض أسعار العقارات ونقاء هواء المدينة وجفافه وجاذبيتها السياحية.
وفي أسواقها التراثية كسوق العطارين والشيراتين للجلود والبابوج والعطارين للتوابل وغيرها، تجد فيها الكثير من الصناعات التقليدية المغربية التي اشتهرت بها المدينة، كما توجد المولات الحديثة، كمول منارة، وضمنه يقع فندق موفنبيك خمس نجوم، وطوابق لألعاب الأطفال، والترويض الطبي. وكذلك أسواق لأرقى الماركات العالمية، كسوق المزار وسوق أرماتي يوسف ومركز سكوير عدن للتسوق والمتاحف كدار السي سعيد ومتحف محمد السادس لحضارة الماء ومتحف مراكش.
ومن يود الاستجمام والاستمتاع بالشمس في مراكش، فتوجد مسابح حديثة عديدة، كمسبح الوزيرية وشاطىء أومناس وبول لونج مراكش وغيرها، كما توجد العشرات من الحمّامات التقليديّة في المدينة.
السياح ينبهرون بجمال الأماسي في ساحة الفنا وما يقدمه عازفو الموسيقى الشعبية في سهراتهم الليلية، وفعاليات مروضي القردة والأفاعي
كل عام منذ عدة سنوات يواظب مختار الزيدي (30 سنة) من أصل عراقي، على المجيء من السويد في مثل هذا الوقت من السنة، مع زوجته وطفليه، ويقول عن سبب اختياره هو وزوجته المدينة “من أول زيارة لنا لمراكش دخلت قلبينا، بفنادقها الزهيدة الثمن في هذا الوقت من السنة ومأكولات مطاعمها الشرقية ونخيلها الذي يذكرني بنخيل العراق. وعادة نحجز بواسطة الإنترنت شقة مفروشة من مجمع شقق ‘ماكادور’ والمجمع لا يبعد سوى ثلاثة كيلومترات عن محطة القطار المركزية وعن مطار المدينة”.
وذكر لـ”العرب” أن أحد أسباب اختياره المدينة اعتدال مناخها في هذا الوقت من السنة وشمسها الذهبية الدافئة.
وأضاف الزيدي “الخدمة ممتازة في مجمع الشقق المفروشة، وتوجد استقلالية حقيقية لمن يقيم فيها، كما يوجد تكييف مركزي وحوض للسباحة، والفطور الصباحي مخصص لتقديم أطعمة مغربية تراثية، كالحريرة وخبز المسمن والحرشة وأنواع الحلوى المغربية، والمائدة مفتوحة وتقع ضمن تسعيرة الليلة الواحدة للمبيت، وإذا رغبت بعدم تضمينها، فإن الفطور لشخص واحد لا يكلف سوى 60 درهما، وأجرة الليلة في هذا الوقت من السنة تتراوح بين 700 وألف درهم لشقة مؤثثة من غرفتين وصالة استقبال”.
الحجز المسبق
برجيتا (39 سنة) من هولندا تقول إنها تزور المدينة للمرة الثانية، وقد أدهشها ما فيها وأحبته كثيرا؛ جمال الأماسي في ساحة الفنا وما يقدمه عازفو الموسيقى الشعبية في سهراتهم الليلية، وحلقات الحكي، وفعاليات مروضي القردة والأفاعي، وما يباع على الأرصفة من صناعات تقليدية، وكذلك ما تقدمه المطاعم الشعبية القريبة من ساحة الفنا لمرتاديها من أطعمة تم إعدادها، كالكسكسي والطاجين والمشويات. وقريبا سيصل صديقها من هولندا ليزورا بعد مراكش مدنا مغربية أخرى كطنجة وأكادير والصويرة، ثم يقضيان أياما في الدار البيضاء ليعودا من هناك من خلال مطار محمد الخامس إلى أمستردام.
وأكد جمال شراكة (50 سنة) سائق مكروباص سياحي في مراكش، “مكتبنا يوفر كل خدمات النقل للسائحين والوافدين من المدن المغربية الأخرى من أول خطوة لهم في مراكش وحتى توديعهم المدينة. ومن يجد موقعنا على الإنترنت يتصل بنا لنستقبله في المطار أو محطة القطار المركزية، لنقله إلى الفندق الذي حجز فيه، أو حتى في حالة عدم حجزه، فنحن نختار له الفندق وبالسعر المناسب”.
وأضاف شراكة “كما ننظم له برنامجا لزيارة المدينة القديمة، ومناطق سياحية لأوريكا وقصبة آيت بن حدو وقصورها التراثية المقامة من الصلصال، ونتيح له قيادة سيارات الرمال المدولبة، قريبا من واحة أوزود، وننقله إلى مدن أخرى مجاورة كالصويرة وأكادير وغيرها في الجنوب، ليعيش تجربة التنقل فوق الجمال في الصحراء واستخدام الحمامات الرملية، وبأسعار مناسبة جدا، ونحن على استعداد لتلبية طلبات زائري المدينة ليلا ونهارا”.
ونصح حسن الشمسي (45 سنة) يعمل في قطاع السياحة بمراكش من ينوي قضاء إجازته في مراكش بضرورة الحجز المسبق عبر مواقع الإنترنت للفندق الذي يريد أن يقضي فيه إجازته وذكر “أن أكثر من 2250 فندقا توجد في مراكش، وفي المواسم من الصعب الحصول على مكان شاغر فيها.
و يمكن لزائر المدينة أن يختار الفندق المناسب له من حيث موقعه في المدينة والخدمات المقدمة فيه وأسعار المبيت، وليحصل على أقل الأسعار وأفضل الخدمات. وعليه أيضا أن يحجز في المكتب السياحي الذي سينظم له رحلته داخل مراكش وخارجها، وألا يجعل رحلته إلى المدينة غير مخطط لها، فهذا سيجعله عرضة لإنفاق مبالغ إضافية للسمسرة الفندقية والخدمية غير الضرورية”.
وحسبما جاء في منشور لوزارة السياحة المغربية والصناعات التقليدية بداية العام، زار مراكش العام 2018 أكثر من 2.4 مليون سائح، ومن المؤمل أن يزداد عدد زوارها من الأجانب هذا العام إلى الضعف.
وأكثر زائريها يفدون إليها عن طريق محطة القطارات الرئيسية، فأجرة المسافر إليها في الدرجة الأولى لا تكلف سوى 200 درهم من الرباط. ويقطع القطار المسافة بين الرباط ومركز مراكش خلال ثلاث ساعات ونصف الساعة، يمر خلالها بين مساحات خضراء وهضاب ووديان.
وحالما ينزل السائح من القطار ويغادر المحطة، يستطيع أن يشاهد جبال الأطلس المتوسط وأعلى قممها جبل توبقال 4165م، المكلل بالثلوج حيث مغامرة التزلج على الثلوج وتسلق الجبال وزيارة المغارات، وتقع الجبال على بعد كيلومترات من مدينة النخيل أو كما كانت مراكش تسمى في القديم “أرض الله”.