من بحر العرب إلى البحر المتوسط: ممر بديل للحزام والطريق

دور إماراتي حيوي في تطوير أنظمة الغذاء وتوزيعه.
الخميس 2022/08/04
شبكة تجارية ستحل الكثير من مشاكل الغذاء

تتحرك أغلب الدول الكبرى حسب متطلبات المستقبل، حيث تدرك الإمارات مثلا أن الوقت قد حان لإنشاء كيان تجاري لنقل الغذاء بين بحر العرب والبحر المتوسط، الذي يمثل معضلة كبيرة للكثير من الشعوب بفعل تغيرات المناخ. وبالفعل تعمل دولة الإمارات منذ نحو أربع سنوات على إتمام ممر الغذاء الإماراتي – الإسرائيلي – الهندي، الذي يصنفه محللون على أنه سيكون بديلا لمبادرة الحزام والطريق الصينية.

أبوظبي - بينما تواجه البلدان في جميع أنحاء العالم نقص الإمدادات من المواد الغذائية الأساسية، تعمل الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والهند على إنشاء ممر غذائي بين الهند والشرق الأوسط عبر سلسلة جديدة في غرب آسيا، تسخّر التآزر التجاري والتكنولوجي بين الدول الثلاث لتشكيل ما يعِدُ بأن يكون قوة جديدة لتصدير الأغذية.

ويمنح تطوير ممر تجاري من ساحل بحر العرب في الهند إلى ساحل البحر المتوسط في إسرائيل، مع محورية الإمارات العربية المتحدة بالنسبة لواشنطن، ثقلا جيوسياسيا موازنا لتوسيع الوجود التجاري الصيني عبر المحيطين الهندي والهادئ إلى الشرق الأوسط.

ويقول ميشيل تانتشوم، وهو زميل غير مقيم في برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط ممر الغذاء بين الهند والشرق الأوسط، إن الممر لم يكن مناهضا للصين وليس مبادرة جديدة، بل كان يتطور دون أي تدخل أميركي.

دور حيوي

ميشيل تانتشوم: ممر الغذاء الجديد أساس لتكوين تجاري أكبر

تعتمد أهمية المشروع الجيوسياسية والاقتصادية على الأدوار الحيوية، ولكن المنفصلة التي تلعبها الإمارات وإسرائيل بالفعل في تطوير أنظمة إنتاج الغذاء وتوزيعه في الهند.

ويرى الباحث تانتشوم أن هذه الأدوار أصبحت الآن متشابكة، حيث يتيح تطبيع العلاقات الإماراتية – الإسرائيلية الآن تعاونا ثلاثيا مدروسا بين الإمارات وإسرائيل والهند. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أصبحت مشاركا من خلال تنسيق الرباعية، إلا أن قوة الممر الإستراتيجية بين الهند والشرق الأوسط تنبع من حقيقة أنها تطورت عضويا بين البلدان الآسيوية الثلاثة نفسها من خلال القطاع الخاص، ومن خلال الشراكات الثنائية بين القطاعين العام والخاص.

وكانت مجمعات الطعام بالفعل جزءا لا يتجزأ من خطة الإمارات اللوجستية للممر منذ 2019.

ونشأ ممر الغذاء بين الهند والشرق الأوسط من مزيج بين حاجة دول الخليج العربي الإستراتيجية إلى ضمان أمنها الغذائي وحاجة الهند الإستراتيجية إلى زيادة قيمة إنتاجها الغذائي. وتعدّ الهند ثاني أكبر منتج للأغذية في العالم عند قياسها بمحتوى السعرات الحرارية، ولكنها تحتل المرتبة الرابعة عند قياسها من خلال القيمة الإجمالية للإنتاج الزراعي، مما يعكس حقيقة أن الهند تعالج أقل من 10 في المئة من إنتاجها في هذا القطاع.

لذلك، تشمل اثنتان من أهم الأولويات الإستراتيجية في نيودلهي تطوير معالجة غذائية ثانوية ذات قيمة مضافة أعلى، بالإضافة إلى الخدمات اللوجستية التي تمنع خسارة التوزيع من خلال التكامل الفعال من المزرعة إلى منافذ البيع بالتجزئة.

ووقعّت الهند 14 اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة في 2017 مع الإمارات التي تعتبر ثالث أكبر شريك تجاري لها، بالإضافة إلى كونها جارتها في بحر العرب. وكانت هذه الاتفاقيات بمثابة نقطة انطلاق لتطوير دولة الإمارات للبنية التحتية اللوجستية والتوزيع للممر.

ممر الغذاء بين الهند والشرق الأوسط نشأ من مزيج بين حاجة دول الخليج العربي الإستراتيجية إلى ضمان أمنها الغذائي وحاجة الهند الإستراتيجية إلى زيادة قيمة إنتاجها الغذائي

واتخذت مبادرة الممر شكلها الحالي عندما تولّت مجموعة إعمار العقارية العملاقة، التي تتخذ من دبي مقرا لها في سبتمبر 2019، مهمة تنسيق استثمارات مختلف الكيانات الإماراتية التي تصل إلى 7 مليارات دولار في الممر.

وبدأت غرفة تجارة دبي المساعدة في التنسيق بين الكيانات الإماراتية والهندية لإنشاء بنية تحتية لوجستية مخصصة لممر الغذاء. وبدأت موانئ دبي العالمية في قيادة الجهود لتوفير حلول سلسلة التوريد المتكاملة، لنقل المواد الغذائية وتخزينها لدعم نشاط الممر.

ومع احتمال مضاعفة تجارة المواد الغذائية بين الإمارات والهند بمقدار ثلاثة أضعاف بحلول 2025، يسعى الممر إلى ربط مزارع الهند من خلال سلسلة قيمة إنتاج الغذاء بالكامل بموانئ الإمارات.

وأنشأ مركز دبي للسلع المتعددة منصة أغريوتا التجارية الزراعية لربط المزارعين الهنود بشركات الأغذية في الإمارات. وستكون الإمارات قادرة على شراء الحبوب الغذائية والفواكه والخضراوات مباشرة من المزارعين في الهند، لتسليمها إلى المرافق الضخمة التي تمولها الإمارات، والتي يجري إنشاؤها في الدولة. وتقدر وزارة الاقتصاد الإماراتية أن مليوني مزارع هندي سيستفيدون من الممر الغذائي، والذي سيخلق ما يقدر بنحو 200 ألف فرصة عمل إضافية.

مستقبل ثلاثي

مجمعات الطعام كانت بالفعل جزءا لا يتجزأ من خطة الإمارات اللوجستية للممر منذ العام 2019
مجمعات الطعام كانت بالفعل جزءا لا يتجزأ من خطة الإمارات اللوجستية للممر منذ العام 2019

يعتمد طموح الهند في أن تكون سلة غذاء للشرق الأوسط وما وراءه أساسا على قدرتها على زيادة إنتاجها الزراعي، وهو ما يتطلب بدوره إدارة دقيقة لمواردها المائية. وبالتوازي مع مشاركة الهند مع الإمارات، تقدم شركات التكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية والتكنولوجيا النظيفة مع الهند دعما محوريا للدولة الواقعة في جنوب آسيا لتحقيق كلا الهدفين.

وأنشأت إسرائيل بين 2012 و2015، 29 مركزا زراعيا للتميز في جميع أنحاء الهند كمنصة للنقل السريع للتكنولوجيا وأفضل الممارسات.

ويمكن أن تساعد التقنيات المتطورة المختلفة التي تعتبر فيها إسرائيل رائدة، مثل التسميد والمنشطات الحيوية، في التخفيف من الأضرار التي تلحق بالمحاصيل بسبب الحرارة الشديدة والجفاف الناجم عن المناخ.

كما أن مساهمة إسرائيل في الممر الغذائي مستمدة أيضا من التعاون الإسرائيلي – الهندي في التقنيات المبتكرة والترويج للشركات الناشئة. ففي حين أن العديد من أكبر الشركات الهندية قد استثمرت في النظام الإيكولوجي للابتكار في إسرائيل على مدى السنوات العديدة الماضية، لعبت إسرائيل دورا رئيسيا في تطوير النظام البيئي للابتكار في الهند.

وأنتجت العلاقة الوثيقة بين نظامي الابتكار الإسرائيلي والهندي مشروعا مشتركا لتصنيع المعدات الزراعية الذكية مناخيا في الهند، والتي تشكل طبقة داعمة إضافية لتكامل ممر الغذاء بين الهند والشرق الأوسط. وفي 2018، سُهّلت شراكة مشروع مشترك بين شركة فيودا الهندية الناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية وشركة أنظمة أغروسولار إريغيشن بتمويل من الصندوق الإسرائيلي – الهندي للبحث والتطوير الصناعي والابتكار التكنولوجي، وهو نفسه مشروع مشترك بين دائرة العلوم والتكنولوجيا الحكومية الهندية وهيئة الابتكار الإسرائيلية.

مساهمة إسرائيل في الممر الغذائي مستمدة من التعاون الإسرائيلي – الهندي في التقنيات المبتكرة والترويج للشركات الناشئة

وتشكل تقنية الري بالتنقيط الإسرائيلية جزءا أساسيا من إستراتيجية الهند للتعامل مع نقص المياه المتزايد الذي يجبر مزارعيها على إيجاد بدائل للري بالغمر، حيث لا يصل 50 في المئة من المياه المخصصة إلى المحصول.

ووقّعت الإمارات العربية المتحدة في فبراير الماضي اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع الهند تلغي التعريفات الجمركية على حوالي 90 في المئة من المنتجات المتداولة بشكل متبادل. وأعقب الاتفاق التجاري الإماراتي – الهندي في مايو بتوقيع اتفاقية تجارة حرة مماثلة بين الإمارات وإسرائيل ستشهد إلغاء الرسوم الجمركية على حوالي 96 في المئة من البضائع المتداولة.

ومهّد إبرام الاتفاقيتين التجاريتين الطريق أمام الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والهند لبدء تنسيق ثلاثي في تطوير ممر الغذاء بين الهند والشرق الأوسط.

وكان الجانب الجديد لقمة الرابع عشر من يوليو 2022 هو الشكل الرباعي بمشاركة الولايات المتحدة. وكان إعلان إسرائيل في نفس اليوم عن منحها مناقصة شراء ميناء حيفا إلى كونسورتيوم بقيادة شركة موانئ هندية، بمثابة مؤشر قوي على أن ممر الغذاء بين الهند والشرق الأوسط يمتلك زخمه التجاري ومنطقه الاقتصادي.

ويؤكد المحلل ميشيل تانتشوم أن التشكيل الثلاثي الإماراتي – الإسرائيلي – الهندي يعد بمستقبل قوي ويمكن أن يكون بمثابة أساس لتكوين تجاري أكبر في النصف الغربي من المحيطين الهندي والهادئ، مع إضافة دول الخليج العربي الأخرى، أو مصر، أو دول من منطقة القرن الأفريقي. وتعد المشاركة في ممر الغذاء بين الهند والشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة مطلبا إستراتيجيا، وتشكل جزءا مهما من نهج واشنطن تجاه بحر العرب ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ الأوسع.

7