من الحرب إلى الحرب.. سوريون تحت لظى الرصاص في السودان

أكثر من 66 ألف سوري حطوا رحالهم في السودان مستفيدين من متطلبات الدخول اليسيرة.
الخميس 2023/05/04
الفرار نعمة

القاهرة - فر رضوان هشام وهبة من سوريا عام 2012 إلى السودان على أمل بناء حياة جديدة بعدما تعرض لإطلاق نار عندما انزلقت بلاده في حرب أهلية.

والآن، وبعد أن عصف العنف ببلده البديل السودان يرتحل وهبة وكثير من السوريين مرة أخرى.

وبعد أيام من هروبه من إراقة الدماء في الخرطوم مع احتدام القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، يقيم وهبة في خيام في شوارع بورتسودان على ساحل البحر الأحمر في انتظار الوصول إلى بر أمان وبداية جديدة مرة أخرى.

وقال وهبة، وهو من زملكا قرب دمشق، إن الحرب أصبحت مصيرا يلاحق السوريين.

وتحدث عن الحرب في الخرطوم، قائلا “لا يمكنك تخيل ما كان عليه الحال بالنسبة إلى المدنيين والأجانب على حد سواء. كان الجميع تحت قصف عشوائي. تُطلق الصواريخ ولا تعرف أين ستسقط”.

ووفقا لبيانات الأمم المتحدة فإن أكثر من 66 ألف سوري حطوا رحالهم في السودان مستفيدين من متطلبات الدخول اليسيرة بعد أن مزق الصراع وطنهم منذ عام 2011.

للسوريين نصيب من حوادث القتل سواء من قبل العصابات أو من القذائف والرصاص الطائش من الصراع المسلح

وكان للسوريين نصيب من حوادث القتل في الصراع المسلح في السودان، سواء من قبل العصابات أو بتعرضهم للقذائف والرصاص الطائش، ومع غياب إحصائية رسمية عن عددهم.

ويسعى كثيرون الآن للانضمام إلى الأجانب الذين غادروا السودان في الأيام الماضية، بما في ذلك من خلال عمليات إجلاء نظمتها حكوماتهم. وخوفا من العودة إلى وطنهم الممزق، تتقطع السبل ببعض السوريين بين الصراعين.

وتروي شام الدرزي (45 سنة) كيف احتمت هي وابناها وابنتها الحامل بالمنزل لمدة أسبوع قبل الفرار، وتقول “كنا خائفين جدا بسبب القصف والاشتباكات وانقطاع الكهرباء والماء”.

وأدى الصراع السوري إلى موجة من الهجرة بعد مقتل مئات الآلاف وانهيار الاقتصاد، ونزح أكثر من نصف السكان عن منازلهم قبل الحرب وبحث الملايين عن حياة جديدة في الخارج.

وقال محمود سويدان (33 عاما) الذي غادر سوريا العام الماضي فحسب بحثا عن عمل “حين أتينا إلى السودان كنا نتوقع أن تكون هناك راحة نفسية. وأن نتمكن على الأقل من العمل وتأسيس حياة جديدة، لكن الحرب التي حدثت هنا كانت صدمة كبيرة”.

ووصف القتال الضاري قائلا “عشنا 12 عاما من الحرب. 12 يوما في الخرطوم بدت كما لو أنها 12 عاما”.

وتوقفت معظم المعارك الرئيسية في سوريا، إلا أن البلاد ما زالت منقسمة إلى مناطق تسيطر عليها الحكومة والمسلحون والأكراد، لكن شام وبعض السوريين الآخرين غير راغبين في العودة.

سوريا ما زالت منقسمة إلى مناطق تسيطر عليها الحكومة والمسلحون والأكراد

وتخشى شام التي غادرت سوريا في 2013 من أن يتم تجنيد ابنيها والزج بهما في جولات قتال أخرى، كما يخشى كثيرون من التعرض لأعمال انتقامية لدعمهم طرفا على حساب آخر.

ومع تدفق أعداد كبيرة من النازحين من الخرطوم إلى بورتسودان، شهدت الأسعار زيادة سريعة. ولا يستطيع سوى قلة تحمّل دفع 83 دولارا في الليلة قالت شام إن أصحاب العقارات يطالبون بها مقابل الحصول على شقة.

ومثلها مثل وهبة، تعيش هي وعائلتها في الشارع.

وقالت شام وهي من منطقة الكسوة جنوبي دمشق “كل الدول تجلي رعاياها باستثناء السوريين، لا أحد يهتم بنا”، في حين أعلن القائم بأعمال السفارة السورية في السودان بشر الشعار أن السفارة بادرت إلى التنسيق مع جاليتها وتم تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالعودة إلى سوريا وفرزهم وفق آلية معينة للتنسيق مع السفارات المعنية من أجل إجراءات النقل.

ويعيش في السودان الكثير من الشبان المطلوبين أمنيا لسلطات النظام السوري، وآخرون ممن تخلفوا عن الخدمة العسكرية، وبذلك لن يسلك الكثير منهم طريقهم إلى السفارة، رغم أن الطرقات الأخرى في معظمها “مغلقة”.

واختار اللاجئون التوجه إلى المطار على أمل إجلائهم كبقية رعايا الدول، لكن عمليات الإجلاء تعترضها الكثير من العوائق، حيث يشترط الطيران المصري والأوروبي والكندي وجود تأشيرة لنقل السوريين إلى أماكن أخرى.

يعيش في السودان الكثير من الشبان المطلوبين أمنيا لسلطات النظام السوري، وآخرون ممن تخلفوا عن الخدمة العسكرية

وأكد سوريون عالقون بمطار الصافات العسكري القريب من الخرطوم أن إحدى الطائرات الأوروبية رفضت إجلاء العائلات رغم أنها فارغة، بعد أن عُرف أن اللاجئين يحملون الجنسية السورية، في حين ما زالت حكومتهم تتجاهل نداءاتهم.

وذكرت وسائل إعلام سعودية رسمية أن مواطنين سوريين كانوا من بين من أجلتهم البحرية السعودية إلى جدة الأسبوع الماضي، وقالت شركة طيران أجنحة الشام السورية إنها تسير رحلتين من بورتسودان إلى سوريا يومي الثلاثاء والأربعاء.

إلا أن معظمهم لا يزالون عالقين في بورتسودان.

وبعدما قطعوا رحلة شاقة وخطيرة، ها هم يعانون من خيبة أمل لعدم تمكنهم من اللحاق بأي عملية إجلاء إضافة إلى الأوضاع الصعبة في بورتسودان.

وقال سويدان “استغرقنا أربع ساعات ونصف الساعة من الخرطوم للوصول فقط إلى مدني (بلدة ليست بعيدة عن العاصمة) بسبب نقاط التفتيش المختلفة والطرقات التي أصابها الدمار والدبابات المحترقة على جانبي الطريق”.

واستغرق الأمر منه 36 ساعة إجمالا لقطع 800 كيلومتر. وقال إنه سمع بمقتل سوري عند نقطة تفتيش بعد مشادة مع من كان فيها.

16