منى واصف.. مسيرة فنية رائدة يستكشفها طلاب المسرح السوريون

لا تستقيم أي حركة فنية دون تبادل بين خبرات القامات التي خطت جزءا من تاريخ الفنون وشغف الأجيال الصاعدة الذي يشجع على المزيد من العطاء، ومن هذا المنطق كان طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق على موعد لاستكشاف تجربة الممثلة السورية منى واصف، الملقبة بنجمة العالم العربي وسنديانة الدراما السورية، وتبادل الأفكار والرؤى والأحلام، وسيكتشفون مستقبلا تجارب قامات فنية أخرى تعد “فناني المستقبل” لمعترك الحياة المهنية.
كان الجو باردا في دمشق، المساء يحل في ساحة الأمويين حيث المعهد العالي للفنون المسرحية، والردهة في المعهد أكثر دفئا. المكان ينبئ بأن ثمة حدثا هاما، فالجميع منشغلون بالتحضيرات وبعضهم في انتظار لحظة البدء، منهم طلاب في زوايا المكان وفنانون وإعلاميون.
ثم يبدأ الحدث المنتظر بعروض موسيقية وراقصة يقدمها بعض طلاب قسم الرقص في المعهد احتفاء بقدوم ضيفتهم الفنانة منى واصف.
ورغم أن مسرح سعدالله ونوس لم يتسع لجمهور اللقاء، إلا أن الجميع تدبر الأمر فانتشر البعض قعودا على درجات المسرح لمتابعة اللقاء الذي حضرته وزيرة الثقافة السورية لبنانة مشوح والعديد من كوادر المؤسسات الثقافية السورية.
مغامرة جدية

واصف لم تخف من الحديث عن لحظات الفشل، بل وقفت طويلا عند خطواتها التي لم تكن مكللة بالنجاح
حفل الحدث بالعديد من المطبات التي جعلته أجمل من المتوقع، فكانت العفوية الظاهرة سببا في تقبل الناس للحدث بحالته التي كان عليها، حيث غابت البروتوكولات وحلت مكانها لغة المحبة. فالعدد الكبير للجمهور وانتشار كاميرات التصوير بشكل غير منظم خاصة على المنصة سبّبا بعض الإرباك.
وكذلك كانت مهمة الناقد الفني سعد القاسم لإدارة الندوة صعبة، لكنه قاد اللقاء بذكاء وبهدوء حيث قلل من مداخلاته وترك لواصف حريتها في الاسترسال الطويل والممتع في الحديث.
واعتلى عميد المعهد العالي للفنون المسرحية تامر العربيد المنصة مخاطبا الجمهور بشكل ارتجالي عفوي بعيدا عن بروتوكولات الحفلات التقليدية ورتابتها، ليتحدث عن مشروع ملتقى الإبداع، الذي يؤسس له المعهد بهذا اللقاء الأول وهو الذي سيستقبل على محطات قادمة العديد من قامات الفن المسرحي في سوريا.
وتحدث العربيد عن علاقته المهنية بالفنانة واصف، مستذكرا مشروعا مسرحيا قدمته قبل سنوات طويلة، حيث كان من طلاب التخرج في الدفعة الخامسة، اصطحبهم المسرحي الراحل شريف شاكر لكي يؤدوا أدوار “كومبارس” في ذلك العمل. وبين سعادة الجميع حينها بأنهم عملوا مع قامات مسرحية كبيرة، أكد العربيد أن القدر ساعده في أن أدى مشهدا معها وهو يناولها سجادة لكي تضعها على إحدى قطع الأكسسوار ثم تتابع تقديم المشهد.
ويتابع العربيد “خرجنا بعد هذه التجربة لنفتخر بأننا كنا مع واصف”.
ولم يكن لقاء الفنانة واصف مع طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق ضمن الخطة التعليمية الأكاديمية للمعهد، لكنه كان ضمن الخطة المهنية الجادة التي تهدف من خلالها إدارة المعهد لوضع طلبة الفن المسرحي في احتكاك وتواصل مباشر مع قامة فنية سورية وعربية عالية.
ويهدف ملتقى الابداع، الفكرة التي طرحها العربيد، إلى طرح تجارب مهنية هامة مع الطلاب في حوار مباشر لا يعترضه أي حاجز، كي يتعرف “فنانو المستقبل” على مقدار الجهد والتعب الذي كابدته هذه الشخصيات لتحقيق قصص نجاحاتها، وهي فكرة تحمل معنى المغامرة والجدية، فهي من ناحية مغامرة كونها ستضع طلابا مازالوا يرسمون خطاهم الأولى في مجال الفن أمام قامات فنية كبيرة، تتجاوز مدة حياتهم الفنية أعمار الطلاب الحقيقية. ومن ناحية أخرى جدية كونها ستضع الضيف وكذلك الطالب أمام مسؤولية مخاطبة الآخر، الأول من واقع خبرته ومعرفته التي يجب أن ينقلها للآخر والثاني من حيث ضرورة استفادته القصوى من الحوار المباشر مع أسماء كبرى في الساحة الثقافية.
مسيرة حياة
بدأت سنديانة الدراما السورية (كما يلقبها النقاد) بحديثها عن بدايات دخولها عالم الفن من خلال المسرح العسكري، حيث لعبت دور مدرسة في عمل من إخراج الملازم أول محمد شاهين الذي أصبح لاحقا زوجها ومديرا للتلفزيون السوري ثم المؤسسة العامة للسينما. ثم سردت بعض تفاصيل مسيرتها الاحترافية وانتقالها من عمل إلى آخر سواء في المسرح أو السينما أو الإذاعة والتلفزيون. واستعرضت مطولا بعض المحطات المتميزة في أعمالها الخالدة.
وأشارت واصف إلى أهمية النقد الفني ومدى المسؤولية التي يحققها في حياة الفنان، فروت أنها كانت تقدم مسرحية الزير سالم في دمشق عام 1970 وأدت فيها شخصية ملكة قوية. وكتب ناقد مسرحي عن عملها وكيف حققت نجاحا كبيرا وأداء لافتا في المسرحية. وبعد ما يقارب الأسبوع كتب الناقد نفسه مقالا عنيفا على ظهورها في فيلم سينمائي، كان عنوانه “منى واصف ملكة في المسرح تخلع تاجها في السينما”. وصادف أن صالة عرض الفيلم كانت تعلو تماما مسرح الحمراء الذي تقدم عليه المسرحية.
وتتابع واصف فتقول: حضرت الفيلم ووجدت أن الناقد محق في ما كتبه، لأن دوري في الفيلم كان فاشلا، وقررت بعدها ألا أعمل في السينما الخاصة، حتى جاءت فرصة العمل في فيلم الرسالة وحققت فيه ما أطمح إليه.
لقاء منى واصف مع طلاب المعهد كان ضمن الخطة المهنية التي تضع الطلبة في تواصل مباشر مع قامة فنية
وتوقفت الفنانة مطولا عند تجربتها مع المخرج السينمائي العالمي مصطفى العقاد في فيلم الرسالة. وتحدثت عن تفاصيل العمل معه منذ اللقاء الأول بينهما في نقابة الفنانين، ثم تأديتها دور هند بنت عتبة، الذي قال عنه العقاد إن الفنانة “واصف قد أدت الشخصية أفضل مما لعبته نظيرتها في النسخة العالمية إيرين باباس”.
أحد الطلبة سألها عن النجاح والفشل في مسيرة الفنان، فكان جوابها له الأثر الأكبر في عقول الحاضرين حيث قالت “لم أسكر بنجاح ولم أخف من فشل”.
ولم تخف واصف من الحديث عن لحظات الإخفاق والفشل، بل وقفت طويلا عند بعض خطواتها التي لم تكن مكللة بالنجاح والتي كانت بشكل أو بآخر مساهمة في تحقيق نجاحات جماهيرية لها.
وفي حديثها عن قيمة الفن الذي يقدمه الفنان وكيف يجعله متجذرا في وجدان شعبه، روت أنها كانت مكرمة في كندا منذ سنوات فتقدم منها مغترب سوري قائلا “غادرت سوريا منذ عشرين عاما ورغم مرور هذه السنوات الطويلة فإن هنالك ثلاثة أشياء لا يمكنني أن أنساها في دمشق وهي جبل قاسيون والجامع الأموي ومنى واصف في صرخة النهاية في مسلسل أسعد الوراق”.
وسألها طالب آخر عن مدى العلم الذي ستنقله إليهم ومقدار استفادتهم منه فكان جوابها “لم آت كي أعلم، بل لأتعلم أنا، فالشباب هم الطاقة والقوة، عندما أشارك زملاء لي العمل الفني من جيل الشباب أتعلم منهم الشغف لتقديم الجديد والمهم، الشباب هم مستقبل العمل وأنا أتعلم منهم تفانيهم في تقديم كل الجهد في سبيل المزيد من النجاح”.