منع الصادق المهدي من دخول مصر

القاهرة- أقدمت الحكومة المصرية على خطوة نادرة، بإيقاف رئيس تحالف نداء السودان المعارض الصادق المهدي في مطار القاهرة ومنعه من دخول البلاد، التي اتخذها طوال السنوات الماضية مقرا رئيسيا له، على خلفية الملاحقات القضائية من نظام الرئيس عمر البشير والتي يعتبرها كثيرون ذات صبغة سياسية.
وكان المهدي، الذي يتولى أيضا زعامة حزب الأمة، عائدا من برلين بعد مشاركته في اجتماعات نداء السودان مع الحكومة الألمانية، حينما تم منعه من دخول القاهرة.
وتلقى قبل أيام تحذيرا مبطنا من جهات مصرية، يوحي برغبة في عدم مغادرته القاهرة وحضور اجتماع برلين، حتى لا تضطر مصر إلى خيار منعه، في ظل انتقادات سودانية للقاهرة لاحتضانها أحد رموز المعارضة، فضلا عن تحالف المهدي مع حركات مسلحة.
وأشار بيان لحزب الأمة المعارض الأحد إلى أن الإجراء “العدواني غير المسبوق يدفع إلى الاستنتاج بأن الحكومة المصرية تسبح عكس التيار ولا تكترث بعلاقات الشعوب الباقية، ومن المؤسف أن تشتري رضا قلة فاشلة خصما على حساب رضا الشعب السوداني الذي لن يرحل ولن يزول”.
وأثار منع دخول المهدي القاهرة، مخاوف قوى كثيرة في المعارضة، تخشى أن تكون مصر بدأت في تغيير تعاملها التاريخي معهم، وهي التي اعتادت على استضافة قياداتها، منذ قيام البشير بانقلابه على المهدي عام 1987، ولم تكن قضيتهم محل مساومة، لأنهم كانوا ولا يزالون ملتزمين بعدم ممارسة نشاط سياسي أو عسكري من القاهرة.
ويعتبر المهدي رمزا لطائفة الأنصار الكبيرة في السودان، ولها امتدادات تاريخية في مصر، وكان ملتزما بآليات العمل السياسي الهاديء دون أن يقدم على تصرفات تحرج القاهرة، لكن الأخيرة بعثت برسالة للخرطوم عبر توقيف المهدي، تؤكد عزمها المضي في التطبيع، ورغبتها في إزالة السحب القاتمة التي تراكمت وأدت في وقت سابق لتوتر العلاقات.
خطوة القاهرة بمنع أحد رموز المعارضة السودانية من دخول أراضيها تزامنت مع مواقف أميركية إيجابية حيال السودان
واشتكت الخرطوم من استضافة مصر لعدد كبير من قيادات المعارضة السودانية منذ سنوات، وفي مقدمتها الصادق المهدي، ولم تتأثر القاهرة بمطالبات الخرطوم، وكانت تجيب أن هؤلاء لا يقومون بأي عمل عدائي من مصر ضد السودان.
ودرجت مصر على عدم التفريط في وجود المعارضة السودانية، كورقة يمكن التلويح بها، إذا حاولت الخرطوم ممارسة ضغوط سياسية عليها، من خلال ورقة المعارضة الإسلامية التي تواءمت مع الخرطوم، بحكم توجهات الأخيرة الإسلامية.
وجاء توقيف المهدي في ظل تحسن في العلاقات بين مصر والسودان، وتوقف نزيف التوترات التي ظهرت تجلياتها خلال أشهر ماضية، وبموجب تطورات إيجابية عدة، اتفق البلدان على تنحية القضايا الشائكة، من نوعية النزاع حول منطقة حلايب وشلاتين.
وكشفت مصادر سياسية لـ”العرب” أن السودان حذر قيادات وكوادر إسلامية مصرية تقيم على أراضيه مؤخرا، من ممارسة أنشطة سياسية أو إعلامية تسيء للعلاقات مع القاهرة، وطلب من بعضهم مغادرة البلاد إلى أي وجهة أخرى.
وتتزامن خطوة القاهرة الأخيرة بمنع أحد أهم رموز المعارضة السودانية من دخول أراضيها مع مواقف أميركية إيجابية حيال السودان، كان آخرها إنهاء الحظر على التحويلات البنكية وتسهيل المبادلات التجارية للسودان، وربط البعض هذا التغير الأميركي اللافت بنجاح الأخيرة في الوساطة لحل أزمة جنوب السودان، فضلا عن التعاون الذي أبدته مع المفوضية الدولية للهجرة.
وبرأي البعض من المراقبين، فإن التوجهات التي يتبناها الرئيس عمر البشير، وشملت أيضا وقف تراشقات سياسية ومناوشات عسكرية مع إريتريا، تشي بأن الخرطوم بدأت صفحة جديدة مع جيرانها، لتقليل حجم التحديات، فأمامها استحقاقات داخلية، وأهمها إيجاد حلول عملية للأزمة الاقتصادية المتفاقمة وإعادة انتخاب الرئيس البشير لفترة رئاسية، في أجواء أقل تصعيدا.