منع التلوث يهدد قطعان البقر والمزارع في هولندا

الحكومة الهولندية تسعى للحد من انبعاثات أكسيد النيتروجين والأمونيا باعتبارهما غازات ملوثة للبيئة فيما يعتبر المزارعون الخطوة تهدد بتدمير نمطهم الزراعي وقطع سبل عيشهم.
أمستردام - تكدست أكوام من القش المشتعل على طول الطرقات السريعة الهولندية. وبقيت أرفف المتاجر فارغة لأن المزارعين أغلقوا مراكز التوزيع، ثم سُمع صوت إطلاق نار عند الغسق، حين أمسك ضابط شرطة مسدسه وأطلق النار على جرار.
ويشهد المزارعون الهولنديون صيفا من السخط الذي لا يُظهر أي علامة على الهدوء. حيث تخطط الحكومة للحد من انبعاثات أكسيد النيتروجين والأمونيا التي يقولون إنها تهدد بتدمير نمطهم الزراعي وقطع سبل عيشهم.
ويمكن لأهداف التخفيض أن تغير قطاع الزراعة الهولندي المربح المعروف بكثافة ملوثاته، وقد تنذر بإصلاحات مماثلة واحتجاجات في دول أوروبية أخرى يضخ مزارعوها الملوثات أيضا.
ويبدو هذا الاضطراب بعيدا عن مزرعة الألبان التي يمتلكها جاب زيغوارد، والممتدة على مساحة تبلغ 80 هكتارا (200 فدان) من الأراضي العشبية بالقرب من مدينة روتردام الساحلية، والتي تبرز مداخنها ورافعاتها.
الحكومة الهولندية كشفت عن خارطة تفصيلية لأهداف الحد من النيتروجين ووصفتها بأنها انتقال لا مفر منه
ويرعى معظم قطيع زيغوارد المكون من 180 رأسا من الماشية في مروج بالقرب من طاحونة هوائية هولندية تقليدية وتوربينات رياح بيضاء كبيرة. وتملك عائلة زيغوارد هذه المزرعة منذ خمسة أجيال، أي حوالي 200 عام، لكنه لا يعرف ما إذا كان سيوصي ابنته البالغة من العمر 7 سنوات وابنيه التوأمين البالغين 3 أعوام باتباع حياة الزراعة.
وقال الرجل البالغ من العمر 41 عاما “إذا سألتني الآن فسأقول لا تشغل بالك من فضلك. توجد الكثير من المخاوف. إلا أن الحياة جميلة جدا إلى حد يشغلنا عما يجري في القطاع الزراعي في الوقت الحالي. اسأل أي مزارع عادي، إنه أمر محزن للغاية”.
وتبرز في قلب المواجهة بين المزارعين والحكومة الهولندية تحركات لحماية صحة الإنسان والموائل الطبيعية من التلوث الناتج عن أكسيد النيتروجين والأمونيا التي تنتجها الصناعة والنقل ونفايات الماشية.
وتظهر الإحصائيات أنه يوجد في هولندا، التي يبلغ عدد سكانها 17.5 مليون نسمة، 1.57 مليون رأس من الأبقار الحلوب وما يزيد قليلا عن مليون عجل تُربى من أجل لحومها. كما سجّلت مزارع البلاد صادرات بقيمة 94.5 مليار يورو سنة 2019.
ويعمل أكسيد النيتروجين والأمونيا على رفع مستويات المغذيات والحموضة في التربة، مما يؤدي إلى انخفاض التنوع البيولوجي. ويساهم النيتروجين المحمول جوا في إنتاج الضباب الدخاني والجزيئات الدقيقة التي تضر بصحة البشر.
وأجبر مجلس الدولة، أعلى محكمة إدارية وهيئة استشارية تشريعية في البلاد، الحكومة على النظر في اتخاذ تدابير أكثر صرامة في 2019 عندما حكم بأن السياسات الهولندية لكبح انبعاثات النيتروجين غير كافية.
وكشفت الحكومة الهولندية عن خارطة تفصيلية لأهداف الحد من النيتروجين الشهر الماضي، ووصفتها بأنها “انتقال لا مفر منه”. وقالت إن العام المقبل سيوفر أخيرا توضيحا للمزارعين الهولنديين “ما إذا كان يمكنهم الاستمرار في أعمالهم وكيف يمكنهم ذلك. ويرى الوزير ثلاثة خيارات للمزارعين: أن يصبحوا أكثر استدامة، أو ينتقلوا، أو يتوقفوا”.
وتهدف الحكومة الهولندية إلى خفض انبعاثات النيتروجين بنسبة 50 في المئة بحلول سنة 2030 وخصصت 24.3 مليار يورو إضافية (25.6 مليار دولار) لتمويل التغييرات. وحددت لسلطات المقاطعة سنة واحدة لوضع خطط لتحقيق التخفيضات.
ويشك خبير النيتروجين ويم دي فريس الأستاذ في جامعة فاخينينجن، في مدى صحة اختيار الموعد النهائي. وقال “يبدو الأمر متسرعا جدّا، لدينا إرث يعود إلى 40 عاما، المشكلة كانت أكبر بكثير في الثمانينات وقد أطلقنا عليها تسمية ‘المطر الحمضي’. وبالنظر إلى هذا الإرث، فإنه لا وجود لفرق كبير بين أن ننجز هذا في 7 سنوات أو ما بين 10 و12 عاما. علينا على أي حال أن ننتظر عقودا حتى تتعافى الطبيعة تماما”.
وتواصل احتجاج المزارعين على سياسات الحكومة بشأن النيتروجين لسنوات، لكن أهداف الانبعاثات أطلقت مظاهرات جديدة، حيث أغلقت الجرارات الطرقات السريعة ومراكز التوزيع مما أدى إلى بعض النقص في المنتجات الطازجة لفترة وجيزة.
كما اشتبك المزارعون مع الشرطة خارج منزل الوزير المسؤول عن سياسات النيتروجين الحكومية. وأطلق شرطي النار على جرار يقوده شاب يبلغ من العمر 16 عاما. وأُطلق سراح السائق الشاب دون توجيه تهمة إليه بعد أن احتُجز في البداية بشبهة محاولة القتل غير العمد.
يمكن لأهداف التخفيض أن تغير قطاع الزراعة الهولندي المربح المعروف بكثافة ملوثاته، وقد تنذر بإصلاحات مماثلة واحتجاجات في دول أوروبية أخرى
وعيّنت الحكومة الهولندية مفاوضا سياسيا مخضرما للتوسط، لكن هذه البادرة قوبلت برفض فوري من المزارعين النشطاء وأكبر مجموعة ضغط زراعية في البلاد.
وقالت جماعة الضغط الزراعية “إل.تي.أو” إن “الحكومة لا تقدم أية فرصة للدخول في محادثة حقيقية. لا جدوى من التحدث مع الوسيط في ظل هذه الظروف”.
ووصفت “إل.تي.أو” التي تمثل حوالي 30 ألف مزرعة (ما يقرب من نصف مزارع هولندا)، هدف خفض النيتروجين بأنه “غير ممكن ببساطة”.
وأنتجت المزارع الهولندية صادرات بقيمة 94.5 مليار يورو في 2019. وتقول المجموعة إن الحكومة تركز على الحد من الثروة الحيوانية وشراء المزارع مع عدم إيلاء اهتمام كاف للابتكار وممارسات الزراعة المستدامة.
لكن أنصار حماية البيئة يقولون إن الوقت قد حان للعمل.
وقال آندي بالمين مدير منظمة السلام الأخضر بهولندا “إنك تجذب الضمادة عن الجرح دفعة واحدة. لكن الخيارات المؤلمة ضرورية الآن”.
وتقع مزرعة زيغوارد في منطقة تسعى فيها الحكومة لخفض الانبعاثات بنسبة 12 في المئة فقط، لكنه يتظاهر تضامنا مع الآخرين ويدعم الاحتجاجات. وقال لوكالة أسوشيتد برس “يرى الشخص العادي هولندا حاليا على أنها ملوث للنيتروجين، بينما نحن منتجون للغذاء أيضا. يبدو أن الناس نسوا ذلك”.