منظومات توفر أحدث بيانات الأرصاد الجوية

خطر الجفاف والتقلبات المناخية يهدد كامل القارة الأفريقية، ومع التوقعات بتفاقم الأزمة وجد مزارعون في كينيا حلولا اعتبروها استباقية من خلال الاعتماد على نظام الإنذار المبكر الذي ينقل لهم أحدث بيانات الأرصاد الجوية الذي يمكنهم من تجنب الكوارث الطبيعية واتخاذ الإجراءات الوقائية لتجنب خسائر المحاصيل.
كيليفي (كينيا) - حصدت المزارعة تيريزا كاهندي طُنَّيْنِ من الذرة قبل عامين في خضم جفاف شديد، فاتهمها جيرانها في مقاطعة كيليفي الساحلية الكينية بممارسة السحر. ولم ينتج العديد من المزارعين حتى كيسا واحدا (حوالي 90 كيلوغراما) من الذرة، خلال الموسم الخامس على التوالي الذي عانى انحباس الأمطار في شرق كينيا، حيث يدمر نقص الري، المحاصيل.
وصرّحت كاهندي البالغة من العمر 53 عاما وهي تتجول في حقولها من اللوبياء وبقلة الماش وعباد الشمس، “قالوا إنني ساحرة. لكن هذا ليس صحيحا. لا يمكننا الزراعة بنفس الطرق التقليدية، بل يجب أن نعتمد الآن على التنبؤات المناخية”.
وتحدى حصاد كاهندي الجفاف بفضل نظام الإنذار المبكر المتطور الذي ينقل لها أحدث بيانات الأرصاد الجوية والتنبيهات الإذاعية والنصية وبفضل الفرق الميدانية التي تضمن قدرة المجتمعات على اتخاذ إجراءات وقائية لتجنب خسائر المحاصيل. ونُصحت المرأة بتكييف خططها في ندوة للمزارعين نظمها مسؤولو المقاطعة في مارس 2022، قبل شهر من موعد انطلاق موسم الأمطار.
وأعدّت أراضيها بالسماد لتعزيز احتباس الماء، وغطت التربة بالعشب الجاف لتقليل التبخر، وزرعت بذور الذرة التي تتحمل شح المياه وتتطلب ريا أقل وتنضج بنسق أسرع من الأصناف الأخرى. وقالت لمؤسسة تومسون رويترز، “يمكن أن تحول المعرفة الزراعة”.
وتمول الحكومة ومجموعة من الوكالات الدولية نظام الإنذار المبكر في كينيا. وقد يقدم النظام نموذجا للبلدان لتحقيق هدف الأمم المتحدة لسنة 2022 لحماية “جميع سكان الأرض” بحلول 2027 من خلال أنظمة الإنذار المبكر.
وأطلقت الأمم المتحدة خطة عمل “الإنذارات المبكرة للجميع” في أفريقيا بنيروبي خلال 2023 في محاولة لتسريع اعتمادها البطيء في أجزاء أخرى من القارة. وقال زابلون شيلينجي، منسق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في أفريقيا، إن “كينيا تعدّ سبّاقة في شرق أفريقيا فيما يتعلق بالإنذار المبكر”.
تنتشر الظواهر الجوية المتطرفة بسبب تغير المناخ الذي تسبب فيه الإنسان. ويسمح النموذج الكيني للمزارعين في الأثناء بتغيير التقنيات الزراعية أو المحاصيل التي يزرعونها للتكيف مع الظروف المتوقعة، مثل الجفاف الشديد أو الفيضانات الغزيرة.
وعانى القرن الأفريقي بين 2020 و2022 من أسوأ جفاف منذ 70 عاما على الأقل، والذي تفاقم بسبب ظاهرة النينيا المناخية. وأصبح حوالي 23 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية تزيد تكلفتها عن 1.8 مليار دولار. وسيتعرض المزيد من البشر لتبعات لجفاف حيث من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان المنطقة إلى 400 مليون نسمة بحلول 2055.
ويقول خبراء الأمن الغذائي إن نظام الإنذار المبكر في كينيا خفف من تأثير الكوارث. وقلل هذا من احتمال المجاعة في واحدة من أكثر المناطق التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي في العالم. فعندما ضربت موجات الجفاف المتكررة الدولة الواقعة في شرق إفريقيا بين 2010 و2011، أصبح 2.8 مليون كيني “جائعين بشدة”.
وأكد تقرير صادر عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تراجع العدد بفضل الإنذارات المبكرة بحوالي مليون شخص خلال فترات جفاف مماثلة في عامي 2016 و2017، حتى مع خفض الحكومة الأميركية إنفاقها على المساعدات الغذائية إلى النصف.
ويعتمد النظام بيانات عالية الدقة من الأقمار الصناعية والمحاصيل وغيرها من البيانات المناخية للتنبؤ بمخاطر الجفاف، بدعم من الهيئة الوطنية لإدارة الجفاف في كينيا ووزارة الزراعة، وعدد من المنظمات غير الحكومية الدولية. وتغطي التنبؤات أحيانا ثمانية أشهر مقدما.
وتعمل السلطات المحلية على تفسير التوقعات والتحقق منها وإبلاغها لملايين المزارعين من خلال الراديو والتلفزيون والرسائل النصية القصيرة ورسائل الواتساب، وتزودهم أحيانا بالأسمدة والبذور المدعومة.
وقال ديفيد جيكونغو، مدير إدارة الأرصاد الجوية الكينية، “نحن قادرون على التنبؤ بالأحداث الشديدة في الوقت المناسب”. وقال كريس فونك، مدير مركز مخاطر المناخ في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، إن التقدم ساهم في جمع البيانات والنمذجة ومراقبة الأقمار الصناعية في جعل الإنذار المبكر أمرا أكثر موثوقية على مر السنين.
وتشمل التحسينات الأخرى فهم الظروف المناخية المعقدة التي تؤدي إلى الجفاف في القرن الأفريقي وتقوض البنية التحتية للاتصالات في المنطقة. وأضاف فونك، الذي يعالج معظم بيانات شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة، “لقد قطعنا شوطا طويلا حقا. ونتمتع اليوم بمجموعة رائعة من الأدوات التي نجحت في منع الجوع”.
ووجدت دراسة لبيانات نظام الإنذار المبكر بالمجاعة أجراها باحثون أميركيون أن 92 في المئة من الإنذارات المبكرة في كينيا كانت دقيقة، حيث كانت مدعومة بمراقبة أفضل للعوامل الاجتماعية والاقتصادية، مثل أسعار المواد الغذائية والصراع العنيف. وأصبح نظام الإنذار المبكر في كينيا الآن دقيقا في التنبؤ بالكوارث الطبيعية، لكن منتقدين يقولون إن صانعي القرار لا يتصرفون دائما في الوقت المحدد أو بدعم مالي كاف.
وقال جيمس أودور، الذي ترأس الهيئة الوطنية لإدارة الجفاف في كينيا من 2012 إلى 2022: “لن تتمكن من العمل إذا لم تضع الحكومة وأصحاب المصلحة الآخرون الموارد. لن يكون الإنذار المبكر مجديا دون اتخاذ إجراءات بشأنه”.
◙ النظام المبكر يعتمد بيانات عالية الدقة من الأقمار الصناعية والمحاصيل وغيرها من البيانات المناخية للتنبؤ بمخاطر الجفاف
وقال نيلسون موتاندا، المسؤول عن أنظمة الإنذار المبكر في الهيئة، إن الحكومة أصدرت تعليمات للمقاطعات بتخصيص 2 في المئة من ميزانياتها السنوية للإنذار المبكر ومنحت السلطات المحلية مسؤولية إدارة الأموال. وذكر أن “للمقاطعات ميزانية كافية لتمويل الإنذارات المبكرة. لكن البعض لا يعطيها الأولوية. لا يمكنهم القدوم إلينا طلبا للدعم وهم لم يستعدوا كما يجب. نتوقع من المزارعين القادرين أن يتولوا زمام المبادرة دون انتظار التمويل”.
تشير الأبحاث إلى أن للتدخل الوقائي القدرة على توفير مليارات الدولارات. ووجد تقرير صادر عن البنك الدولي في 2022 أن إنفاق مليار دولار على الإنذارات المبكرة قد يمكّن من تجنب 35 مليار دولار من الخسائر المرتبطة بالكوارث سنويا.
كما يتمثل تحد رئيسي آخر في نشر التحذيرات على سكان الريف. فقد لا تكون التحذيرات من الجفاف مفهومة في مقاطعة كاجيادو الجنوبية في كينيا، موطن رعاة الماساي الأصليين، بسبب معدلات الأمية. كما لا تصل أحيانا بسبب فجوات في الموارد الحكومية أو الإنسانية.
وقال أولي مواتو، وهو من قبيلة الماساي يبلغ من العمر 46 عاما، "أحتاج إلى مساعدة، سأقبل التدريب". يُذكر أنه خسر 20 بقرة و80 ماعزا خلال موجات الجفاف التي امتدت من 2020 إلى 2022. وأضاف "من المؤلم أن تخسر ماشيتك. لم يكن هناك عشب ولا ماء. لقد ماتت لهذا السبب".
ويرفض آخرون المهام الشاقة كالحفر للاحتفاظ بالمياه. ويرونها مضيعة محتملة للوقت لأن التوقعات السابقة كانت غير موثوقة أو بسبب المعتقدات الثقافية التقليدية التي تقول إن نزول الأمطار مسألة تتحكم فيها الآلهة وحدها.
وتعمل شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة على تركيب 50 محطة أرصاد جوية أوتوماتيكية منخفضة التكلفة وبالطباعة ثلاثية الأبعاد لتحسين دقة التنبؤ. ويمكنها بهذا إرسال بيانات أرصاد جوية عالية الدقة كل 15 دقيقة، في جميع أنحاء كينيا، بما في ذلك ثلاث محطات في كيليفي. وتعد كاهندي اليوم مثالا يحتذى به، حيث تشجع المزارعين المحليين على تكييف أساليبهم مع الطقس في المستقبل لزيادة المحاصيل. وقالت المزارعة “يجب أن نعمل معا للتغلب على المجاعة”.