منظمة الصحة العالمية تقر بتعثر المعركة ضد الملاريا

يرى خبراء الأوبئة والأمراض المعدية أن المعركة مع الملاريا لا تزال في أوجها، وكلما اعتقد العالم أن أعداد الضحايا قد تراجعت يعود المرض ليضرب من جديد. ويرجع الباحثون ذلك إلى تطور سلالات البعوض التي تبتكر في كل مرة طرقا جديدة لمقاومة العقاقير والأدوية.
لندن- قالت منظمة الصحة العالمية إن الملاريا لا تزال تصيب الملايين كل عام وتفتك بأرواح أكثر من 400 ألف، معظمهم أطفال في أفريقيا، بسبب تعثر جهود مكافحة المرض الذي ينقله البعوض.
وحذرت المنظمة من أن تمويل مكافحة المرض، الذي يودي بحياة طفل كل دقيقتين، هزيل بشكل عام. ونظرا لأنه ينتقل عن طريق البعوض فإن نصف سكان العالم يواجهون خطر الإصابة بالمرض.
ودعت المنظمة الدول المانحة وحكومات البلدان التي ينتشر فيها المرض لتكثيف جهود مكافحته.
وقال بدرو ألونسو، خبير الملاريا في منظمة الصحة العالمية، “أظهر العالم أنه من الممكن إحراز تقدم”. وأشار إلى تراجع ملحوظ في حالات الإصابة بالملاريا والوفيات الناتجة عنه منذ 2010، حيث انخفض العدد من 239 مليونا إلى 214 مليونا في 2015 وتراجعت حالات الوفاة من 607 آلاف إلى نحو 500 ألف في 2013.
وأضاف “لكن التقدم تباطأ واستقرت الأمور عند مستوى مرتفع على نحو غير مقبول”.
وانخفضت حالات الإصابة في 2018 على نحو طفيف إلى 228 مليونا من نحو 231 مليونا في 2017 وتراجعت الوفيات إلى 405 آلاف من 416 ألفا في 2017. وخلص تقرير المنظمة العالمية إلى أن أعلى نسب الإصابة بالملاريا في قارة أفريقيا لا تزال بين النساء الحوامل والأطفال.
وأصيبت بالملاريا نحو 11 مليون امرأة حامل في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، أو ما يعادل 29 بالمئة من إجمالي حالات الحمل في 2018 مما أدى إلى ولادة نحو 900 ألف طفل بوزن منخفض وهو ما يعرض صحتهم لمزيد من المخاطر.
ووجد التقرير أن أكثر من ثلث الأطفال الصغار في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في عام 2018 مازالوا لا ينامون تحت ناموسية يمكن أن تحميهم من الإصابة بالملاريا.
وقالت مجموعة آر.بي.إم بارتنرشيب المعنية بمكافحة الملاريا إن تقرير منظمة الصحة يظهر أن الالتزام السياسي والاستثمارات على مستوى العالم ضروريان للحفاظ على التقدم الذي تم تحقيقه حتى الآن وحثت الحكومات على مواصلة التركيز على جهود مكافحة المرض.
وأكدت مها تيسير بركات، رئيسة المجموعة، أنه في معظم أنحاء العالم يتمتع الطفل المصاب بالملاريا اليوم بفرصة أفضل للبقاء أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك، وعلى الرغم من توفر التدخلات الفعالة لإنقاذ الملاريا، لا تزال الكثير من النساء الحوامل والأطفال المعرضين للخطر يواجهون خطر الموت من لدغة البعوض.
وتجدر الإشارة إلى أن العلماء كانوا قد حذروا من أن هناك سلالات للملاريا مقاومة لنوعين رئيسيين من الأدوية تزداد انتشارا في فيتنام ولاوس وشمال تايلاند بعد قدومها من كمبوديا.
ووجد العلماء، الذين أجروا الدراسة من خلال مراقبة الجينوم لتتبع انتشار الملاريا، أن السلالة المعروفة باسم “كيه.إي.إل.1 بي.إل. إيه.1” تطورت أيضا ومرت بتحورات جينية جديدة قد تجعلها أكثر مقاومة للعقاقير.
وقال روبرتو أماتو، الذي عمل مع فريق من “معهد ويلكام سانجر” وجامعة أكسفورد في بريطانيا وجامعة ماهيدول في تايلاند، “اكتشفنا أن هذه السلالات انتشرت بقوة وحلت محل طفيليات الملاريا المحلية وأصبحت السلالة الأكثر انتشارا في فيتنام ولاوس وشمال تايلاند”.
ويصاب الإنسان بالملاريا بسبب طفيليات البلازموديوم التي يحملها البعوض وتنتشر من خلال لدغاته. وتنجح العقاقير في علاج المرض في حالة الاكتشاف المبكر للأعراض لكنه يزداد مقاومة للأدوية مع الوقت.
واعتمد علاج الملاريا الأساسي في أجزاء كثيرة من آسيا خلال العقد الماضي على تركيبة تضم عقاري “دي هيدرو أرتيميسينين” و”بايبراكوين”، وتعرف هذه التركية باسم “دي.إتش.إيه. بي.بي. كيو”. وقال أوليفو ميوتو قائد فريق البحث “السرعة التي انتشرت بها طفيليات الملاريا المقاومة للعقارين في جنوب شرق آسيا مقلقة للغاية”.
وأضاف “العقاقير الأخرى قد تكون فعالة في الوقت الحالي، لكن الوضع هش للغاية. وهذه الدراسة تسلط الضوء على أن الأمر يتطلب تحركا عاجلا”.
كما أفادت دراسة نقلتها هيئة الإذاعة البريطانية عن دورية “بلوس وان” المعنية بالشؤون العلمية بأن البعوض الحامل لطفيل الملاريا هو الأكثر انجذابا لرائحة جسم الإنسان مقارنة بالحشرات غير المعدية.
وتوصل الباحثون إلى أن الحشرات الحاملة لطفيل الملاريا هي التي تنجذب أكثر لرائحة الانسان بمعدل ثلاث مرات على الأرجح. ويعتقدون أن الطفيليات المميتة تهاجم هدفها بقوة وتقوي حاسة الشم لديها. وقال جيمس لوغان، من كلية لندن للطب الصحي الوقائي والأمراض المدارية “شيء واحد بات دوما يدهشني بشأن الطفيليات هو قدر ما تتمتع به من ذكاء. فهي كائنات متطورة على نحو يبدو أقرب إلينا على الدوام”.
ومن أجل إجراء الدراسة قام الباحثون بنقل عدوى لبعوض ملاريا يطلق عليها علميا بعوضة انوفليس جامبي، بأكثر أنواع الطفيليات المميتة وهي طفيل بلازموديام فالسيبارم.
ووضع الباحثون نحو مئة من الحشرات المعدية في وعاء إلى جانب جوارب مصنوعة من النايلون ارتداها متطوعون لمدة 20 ساعة.
وشرح لوغان قائلا “إنها طريقة فعالة لجمع رائحة لجسم الإنسان، إنها رائحة يمكن أن تظل جذابة لأشهر”.
وكرر العلماء إجراء التجربة باستخدام حشرات غير معدية.
وتوصل العلماء إلى أن البعوض الحامل للطفيل المميت هو الأكثر انجذابا للجوارب ذات الرائحة (البشرية) ثلاث مرات مقارنة بالبعوض غير المعدي. ويعتقدون أن ذلك يعزى إلى أن الكائنات الدقيقة الطفيلية تغير حاسة الشم لديها.
وقال لوغان “نعتقد أن ذلك يقوي حاسة الشم لديها. ونفترض أن هناك تحولا في جهاز الشم بما يتيح لها العثور علينا بسرعة أكبر”. وبعد أن أصبح الإنسان هدفا سهل العثور عليه، يمر الطفيل على الأرجح إلى مجرى الدم على نحو يضمن بقاءه ومواصلة نشر المرض المميت.
الملاريا والبعوض

تعتبر نظرية البعوض والملاريا إحدى النظريات العلمية المتقدمة في النصف الأخير من القرن الـ19 والتي كشفت لغز انتقال الملاريا إلى الإنسان. تستند النظرية في الأساس إلى أن الملاريا تنتقل عن طريق البعوض خلافا للاعتقاد الطبي القديم السائد بأن الملاريا تنتقل إلى البشر عن طريق الهواء الملوث أو المستنقعات. وتعد الملاريا من الأمراض الحموية الحادة.
وتظهر أعراضها، لدى الأشخاص الذين ليست لهم مناعة ضدّها، بعد مضي سبعة أيام أو أكثر (10 أيام إلى 15 يوما في غالب الأحيان) من التعرّض للدغة البعوض الحامل له. وقد تكون الأعراض الأولى؛ الحمى والصداع والارتعاد والتقيّؤ، خفيفة وقد يصعب عزوّها إلى الملاريا. ويمكن أن تتطوّر إذا لم تُعالج في غضون 24 ساعة إلى مرض وخيم يؤدي إلى الوفاة في الكثير من الأحيان.
ويظهر على الأطفال المصابين بحالات وخيمة واحد أو أكثر من الأعراض التالية: فقر دم وخيم أو ضيق في التنفس من جرّاء الإصابة بحامض استقلابي، أو ملاريا دماغية. وقد تظهر لدى بعض الأشخاص، في المناطق التي تستوطنها الملاريا، مناعة جزئية ضدّ المرض ممّا يفسّر حدوث حالات عديمة الأعراض. وتقول منظمة الصحة العالمية “في عام 2015، واجه نصف سكان العالم تقريبا مخاطر الإصابة بالملاريا”.
وتحدث معظم الحالات والوفيات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، غير أنّ آسيا وأميركا اللاتينية، وبدرجة أقلّ، منطقة الشرق الأوسط وبعض المناطق الأوروبية باتت تشهد أيضا حدوث حالات من المرض. ويكون الانتقال أكثر كثافة في الأماكن التي يكون فيها عمر البعوض أطول، بما يعطي للطفيل الوقت الكافي لاستكمال نموه داخل البعوض، والتي يفضل فيها البعوض لدغ البشر أكثر من لدغ سائر الحيوانات. ويعتبر طول العمر والميل للدغ الإنسان بالنسبة إلى أنواع النواقل الأفريقية السبب الرئيسي وراء تركز ما يقرب من 90 بالمئة من حالات الإصابة بالملاريا في العالم في أفريقيا.