منصات التواصل الاجتماعي تنافس الحملات التقليدية في انتخابات باكستان

الناخبون الشباب في باكستان يواجهون المرشحين الأقوياء عبر هواتفهم الذكية.
الأحد 2018/07/22
ثورة ناعمة

أصبح قطع الإنترنت أول خطوة تقوم بها بعض الحكومات في حال ظهرت بوادر تحرك شعبي عريض أو اندلعت احتجاجات ولم تنفع معها سياسة القمع التقليدي. ومرد ذلك الدور الذي أصبحت تلعبه السوشيال ميديا في مثل هذه المناسبات، كما خلال الانتخابات. ويتطلع الشباب الباكستاني، وهو مقبل على انتخابات برلمانية الأسبوع المقبل، إلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لإحداث تغيير، حتى وإن كان بسيطا مقارنة بكم الفساد والممارسات الدكتاتورية في البلاد، إلا أنهم يؤمنون بأن الخطوة الأولى يمكن أن تنتهي حتى بعد زمن إلى قفزة هائلة.

إسلام أباد - حاصرت مجموعة من الشباب وغالبيتهم يحملون هواتف ذكية، سيارة نائب وراحوا يصوّرون لقطات حية في مشهد غير مألوف في باكستان: ناخبون غاضبون باتوا يحاسبون ممثليهم بشكل مباشر.

يصرخ المحتجون متوجهين إلى النائب إسكندر حياة خان بوسان بالقول “أين كنت خلال السنوات الخمس الأخيرة؟”. ويخاطب المتجمهرون النائب بأوصاف “سارق” و”متقلب”، ويردّ مساعده عليهم بالقول إنه متوعك.

ويعدّ بوسان من الأعيان القبليين وكبار ملاك الأراضي انتُخب في 2013 عن دائرته مولتان في وسط البلاد، وطوق الشباب سيارته في أثناء قيامه بحملة انتخابية للانتخابات التشريعية المرتقبة الأربعاء المقبل.

ومنذ بضع سنوات، لم يكن في الإمكان تصوّر أن يجرؤ أحد على مهاجمة رجل سياسي في باكستان، خصوصا في المناطق الريفية حيث تم تناقل عدد من أشرطة الفيديو المماثلة في الآونة الأخيرة.

صورة جديدة

تكسر هذه الأحداث الجمود في مجتمع يفوز في انتخاباته منذ عقود مالكو الأراضي الإقطاعيون وأعيان القرى والزعماء الدينيون من دون معارضة كبيرة، خصوصا في المجتمعات الإقطاعية في جنوب ووسط البلاد.

ولا يتردّد هؤلاء الزعماء في استغلال صلاحياتهم كي يجبروا مواطنيهم على التصويت لهم أو لسياسي من اختيارهم. وتتنافس الأحزاب السياسية على خطب ود هؤلاء، إذ كان الولاء لهم يشكل جسر عبور للفوز.

لكن مقاطع مصوّرة مثل تلك التي التقطت في مولتان وتمت مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي الآلاف من المرات تغيّر المعطيات في بلد يتصل حوالي 55 مليون شخص فيه بالجيلين الثالث والرابع من الإنترنت، بحسب السلطات.

وتشكل الانتخابات البرلمانية في باكستان الأسبوع المقبل ثاني عملية انتقال ديمقراطي للسلطة على التوالي في بلد يتسم بكثرة الانقلابات، ومع ذلك، يبدو أن الاعتقاد بتعزيز الديمقراطية في البلاد ضعيف، إلا أن هناك أملا بأن تحقق تحركات الشباب التغيير المنشود حتى وإن كان على المدى الطويل.

واستُخدمت منصتا يوتيوب وفيسبوك لإرباك أساليب التصويت التقليدية. وتتم مواجهة الأقوياء بشكل مباشر بمقاطع فيديو. وبعدها، تعرض القنوات التلفزيونية الكثيرة جدا الفيديوهات وتعطيها بذلك مستوى أكبر من المشاهدة. ويرى سروار باري المحلل في شبكة من أجل انتخابات حرة وعادلة، وهي تحالف منظمات من المجتمع المدني، أن الشعبية التي تحظى بها هذه الفيديوهات تُظهر الاستياء المتزايد لدى الشباب الباكستانيين.

ويعتبر أن السياسيين المستهدفين بهذه الفيديوهات “لن يحصلوا على الأقل على أصوات الشباب”، الأمر الذي قد يكون له تأثير كبير، نظرا إلى حجمهم في مجموع الناخبين.

وحوالي 46 مليونا من المسجلين للانتخابات التشريعية التي ستُجرى في 25 يوليو، لا تتجاوز أعمارهم 35 عاما، أي قرابة نصف الناخبين الذين يبلغ عددهم 106 ملايين شخص.

ناخبون باكستانيون غاضبون باتوا يحاسبون ممثليهم بشكل مباشر مشهد غير مألوف يكسر الجمود في مجتمع يفوز في انتخاباته منذ عقود مالكو الأراضي الإقطاعيون وأعيان القرى والزعماء الدينيون من دون معارضة كبيرة

وسيقترع للمرة الأولى قرابة 17.5 مليون ناخب تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما. ويتوقع المحلل باري أن تكون المشاركة “كثيفة”.

وتمكن بطل الكريكيت السابق عمران خان، الذي يعتبر حزبه “حركة الإنصاف الباكستانية” أحد الأحزاب الأوفر حظا في الانتخابات، من حشد هذه الشريحة من الناخبين في الانتخابات السابقة عام 2013. لكن حتى هو لم يفلت من التصوير بعد التقاط مشاهد له وهو يتسلل هاربا من شباب أحاطوا به في كاراتشي (جنوب).

وحصل الأمر نفسه مع رئيس الوزراء المنتهية ولايته شاهد خاقان عباسي الذي اضطر للتراجع عن زيارة مدينة كاهوتا، قرب إسلام أباد بسبب حشد كان يهتف “احترموا الناخبين”.

ورأى شهزاد أحمد، مدير منظمة بايتس فور أول، وهي مركز أبحاث متخصص في الأمن الرقمي وحرية التعبير، أن “الشبكات الاجتماعية أصبحت أداة لتعزيز الديمقراطية”. وخلصت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة آسيا، إلى أن هذه الشبكات تدفع بالشباب خصوصا إلى الالتزام في العملية الديمقراطية.

وتقول مهام خان، وهي طالبة تبلغ 21 عاما، “بشكل عام، الشباب يستخدمون الشبكات الاجتماعية مثلما حدث في مصر”، في إشارة إلى التظاهرات التي نُظمت في القاهرة عام 2011 عبر الإنترنت وأدت إلى سقوط الرئيس حسني مبارك.

وتعتبر أن البث الحيّ عبر يوتيوب وفيسبوك ومستخدمي هذين الموقعين يلعبون دورا مشابها قليلا في باكستان: يجب أن يحدثوا “ثورة اجتماعية ناعمة”. مع ذلك، من الصعب التنبؤ بنتيجة تصويت الشباب نتيجة حجم الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية والعقائدية بين السكان.

ويطالب القسم الأكبر منهم بالحصول على فرص عمل وبتعليم أفضل. وأشار عدد من استطلاعات الرأي إلى أن هذه الفئة من الناخبين قد تصوت بشكل كبير لحزب عمران خان، حركة الإنصاف الباكستانية، والذي اتخذ من محاربة الفساد الشعار الأساسي لحملته. ويقول الطالب رافع خان جابون (23 عاما)، “أريد في أول مشاركة لي في الانتخابات، أن يأتي صوتي بالتغيير”.

تكميم أفواه

Thumbnail

هناك مزاعم واسعة الانتشار بأن الجيش بصدد التلاعب بالانتخابات، ويقول صحافيون ووسائل إعلام إنهم يتعرضون لعملية تكميم أفواه، في حين يتعرض سياسيون لترهيب وأعمال عنف دموية. وهناك جماعة مسموح لها بالمنافسة في الانتخابات الباكستانية يقودها رجل دين، تم رصد مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار لمن يأتي برأسه؛ لوقوفه وراء الهجوم الدامي في مدينة بومباي الهندية في عام 2008.

أما الشخص الآخر الذي يروج لنفسه فهو رجل دين متطرف، تسبب أتباعه في إغلاق طريق رئيسي في العاصمة إسلام أباد لعدة أسابيع العام الماضي جراء احتشادهم تأييدا لقوانين مثيرة للجدل تتعلق بالتجديف (الإساءة للمقدسات).

وقالت اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان في باكستان هذا الأسبوع إن الانتخابات ستكون “الأكثر قذارة.. وستشهد مشاركة هي الأكثر كثافة”. وقال المتحدث باسم اللجنة آي.أيه رحمن في العاصمة إسلام أباد “تساورنا شكوك جدية في إجراء انتخابات حرة ونزيهة”.

وأضاف ألطاف خان أن العشرات من المراقبين الدوليين من الاتحاد الأوروبي والكومنولث، وصلوا بالفعل إلى باكستان لمراقبة الانتخابات إلى جانب مراقبين محليين.

ولا تزال الأحزاب السياسية غير مقتنعة بأن الانتخابات ستكون نزيهة، ويشكو معظمها من أنها تتعرض للخداع، وتتم عرقلتها حين إجرء حملاتها الانتخابية من قبل الجيش بشكل مباشر أو غير مباشر.

وقال حزب رئيس الوزراء السابق نواز شريف “يمكننا أن نرى بوضوح محاولات للتلاعب بالانتخابات، ولن نقبل النتائج إذا وقعت عمليات تزوير في يوم الاقتراع″.

وكان قد تمت إزاحة شريف من منصب رئيس الوزراء من قبل المحكمة العليا في البلاد العام الماضي، على خلفية ادعاءات بفساد عائلته ناتجة عن أوراق بنما المسربة في عام  2016. وهو الآن يقضي حكما بالسجن لمدة 10 سنوات مع ابنته إثر إدانته من قبل محكمة أخرى في وقت سابق من هذا الشهر.

لكن هذا لم يؤثر سلبا على شعبية شريف بسبب الانطباع السائد بأن الجنرالات الأقوياء ورجال القضاء الحازم يتآمرون من أجل تحييده وإبعاده عن الساحة السياسية.

وقال المحلل السياسي عرفان شهزاد “شريف قد يكون تحت مطرقة القانون، لكنه لا يزال أقوى شخص على المستوى السياسي”. وأضاف “الكثيرون يعتقدون أن الرجال الذين لديهم أحذية طويلة هم وراء الإطاحة به” في إشارة إلى الجيش القوي في البلاد.

4