منبج تحبس أنفاسها وتستعد لفوضى مع رحيل القوات الأميركية

بعد أن أصبحت القوات الأميركية في طريقها إلى الرحيل والانسحاب تدريجيا من سوريا ينتظر السكان في منبج المزيد من التحولات التي يمكن أن تعيدها مرة أخرى إلى قبضة الرئيس بشار الأسد أو تقود إلى هجوم تركي، وأعلن الجيش السوري الجمعة أن وحداته دخلت منطقة منبج، بعد وقت قصير من إعلان وحدات حماية الشعب الكردية دعوتها له إلى نشر قواته لـ”حماية منطقة منبج أمام التهديدات التركية، لكن مراقبين يستبعدون أي صدام بين القوات التركية والميليشيات الحليفة من جهة، وبين القوات السورية من جهة ثانية، معتبرين أن الجميع سينتظر موقف روسيا وكيفية إدارتها لهذه الأزمة التي قد تفشل ترتيباتها للحل السوري من بوابة مسار أستانة.
رودي سعيد - منبج (سوريا) - شهدت مدينة منبج عمليات انتقال للسيطرة من طرف إلى آخر أكثر من معظم الأماكن خلال الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من سبع سنوات. ومع استعداد القوات الأميركية للرحيل بعد قرار الرئيس دونالد ترامب بسحبها يخشى السكان من اندفاع أطراف أخرى لملء الفراغ مما يسبب المزيد من الاضطرابات أمام محاولات النظام التركي استغلال الفراغ وفرض نفوذه في الملف السوري.
وتحافظ القوات الأميركية على الاستقرار في منبج منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2016.
وعلى بعد 30 كيلومترا من الحدود التركية تحتل المدينة موقعا حساسا على خارطة الصراع السوري، إذ تقع قرب نقطة التقاء ثلاث مناطق منفصلة تمثل مجالا للنفوذ الروسي والتركي، وحتى الآن، الأميركي. وعلى الرغم من أن القوات الأميركية لم ترحل بعد إلا أن تداعيات قرار ترامب بدت ظاهرة بالفعل في منبج.
ودخلت القوات الحكومية السورية التي تدعمها روسيا ضواحي المدينة الجمعة للمرة الأولى منذ سنوات بدعوة من وحدات حماية الشعب الكردية التي تخشى أن يفتح رحيل القوات الأميركية الطريق أمام هجوم تركي.
وقال إسماعيل شعلان (41 عاما) وهو نازح يعيش في منبج منذ نزوحه من حلب قبل عامين “نعيش حالة خوف ولا ندري حقيقة ما يحدث بخوف ومن سيدخل المدينة، الجيش السوري أو الأتراك. لا أعلم”.
وقال ترامب إن الانسحاب سيتم ببطء. وشوهدت طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وطائرات الهليكوبتر الهجومية في سماء منبج السبت.
وواصل مسلحون محليون من مجلس منبج العسكري المتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تسيطر على المدينة منذ 2016، القيام بدوريات اعتيادية السبت وهم يحملون بنادق الكلاشنيكوف.
وقال أبوحمزة وهو أب لخمسة أبناء ويبلغ من العمر 43 عاما “لقد أفلتنا من الحرب. لن نرى أسوأ من داعش”، مشيرا إلى الدولة الإسلامية. لكنه عبر أيضا عن خوفه قائلا “نحن في حالة خوف.. الوضع غير مريح وغير مستقر”.
ومنذ اندلاع الصراع في سوريا عام 2011 انتقلت السيطرة على منبج من طرف إلى آخر ثلاث مرات، إذ انتزعها مسلحو الجيش السوري الحر من القوات الحكومية السورية في وقت مبكر من الصراع، ثم سقطت في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلنها جزءا من “خلافته”.
وبعد ذلك تمكنت قوات سوريا الديمقراطية، وهي فصيل تقوده وحدات حماية الشعب الكردية ويدعمه تحالف بقيادة الولايات المتحدة، من طرد مسلحي التنظيم من منبج عام 2016.
ومنذ ذلك الحين تسيطر قوات سوريا الديمقراطية وقوات متحالفة معها على منبج، مما أثار حنق تركيا التي تعتبر نفوذ وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا تهديدا لأمنها القومي.
انتشار قوات الجيش السوري

تقوم قوات أميركية وتركية بدوريات مشتركة قرب منبج منذ نوفمبر الماضي، وهو اتفاق تم في إطار جهود الولايات المتحدة لتبديد قلق الأتراك.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة إنه لن تكون هناك حاجة إلى تركيا كي تقوم بأي شيء في منبج فور رحيل “الإرهابيين”، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب التي تقول إن قواتها انسحبت بالفعل من المدينة.
وتقول تركيا إن وحدات حماية الشعب لا يمكن فصلها عن حزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا في تركيا منذ 34 عاما. وتعهدت بسحق وحدات حماية الشعب بمساعدة حلفاء من مسلحي المعارضة السورية والذين جاء بعضهم من مناطق تسيطر عليها حاليا قوات سوريا الديمقراطية ويشعرون بعداء شديد تجاه المقاتلين الأكراد.
ويحشد مسلحون من المعارضة السورية تدعمهم تركيا قواتهم لشن هجوم على منبج في مناطق قريبة تخضع لسيطرة أنقرة منذ توغل الجيش التركي في شمال سوريا عام 2016 في إطار محاولته لطرد وحدات حماية الشعب الكردية. ولمح أردوغان الجمعة إلى أن تركيا ليست في عجلة من أمرها لشن الهجوم.
وناشدت وحدات حماية الشعب، التي باغتها قرار ترامب بسحب القوات الأميركية، دمشق الجمعة حماية منبج. وبعد قليل من هذه الدعوة قال الجيش السوري إنه نشر قواته في منبج لضمان أمن “جميع المواطنين السوريين وغيرهم” في المدينة.
ولم تدخل القوات الحكومية السورية المدينة، لكنها انتشرت في مناطق قريبة تمثل خطوط مواجهة مع مسلحي المعارضة السورية الذين تدعمهم تركيا.
مواجهة التهديد التركي

قال مصدر عسكري في مجلس منبج العسكري لرويترز إن مناقشات مع الحكومة السورية أفضت إلى اتفاق بشأن الحاجة إلى منع “الاحتلال التركي لمنبج”.
وأضاف المصدر أن انتشار الجيش السوري في منطقة منبج حتى الآن هو انتشار “جزئي”، مشيرا إلى أن المزيد من عمليات الانتشار في المنطقة سيأخذ في الحسبان الوجود الأميركي.
وبالنسبة للنظام السوري وما إذا كان يستعد لاستعادة سلطته على منبج قال المصدر إنه سيتم “تشكيل لجان في وقت لاحق بشأن كيفية إدارة المدينة”.
وتعتبر قضية ما إذا كانت الحكومة السورية ستعود لحكم منبج أمرا بالغ الأهمية للكثيرين في منبج. وأحد أهم بواعث القلق هو الخوف من استدعائهم للخدمة في الجيش. لكن مع ذلك فإن البعض يفضلون عودة حكم الأسد عن احتمال تعرضهم لهجوم تركي.
وقال حسين خلف (30 عاما)، وهو بائع فاكهة من منبج وأب لستة أطفال، “عندما انتشرت أقاويل بأن النظام سيدخل، اختفى الناس من الشوارع ”. ومضى يقول “إذا دخل الجيش التركي لن نظل هنا… وأين ستذهب (قوات سوريا الديمقراطية) سأذهب”.
وقال ياسر عبدالعزيز (31 عاما)، الذي فر إلى منبج قادما من مناطق قريبة من حلب قبل عامين، إنه سئم الحرب ولا يريد النزوح مجددا مع أطفاله الأربعة.
وأضاف “إذا خيرونا بين دخول تركيا أو الجيش السوري أكيد سأختار الجيش السوري. أما تركيا فهي دولة محتلة”.
وقد أربك إعلان الجيش السوري انتشار المئات من عناصره في مدينة منبج، حسابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي دأب على التلويح بدخول المدينة، خاصة بعد قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من المنطقة.