مناكفة روسية للولايات المتحدة عن طريق سد النهضة الإثيوبي

لافروف في جولة أفريقية لتهدئة الحرب على المياه.
الجمعة 2022/07/22
شعبية تعكس نفوذا روسيا متزايدا

تبدو روسيا متحمسة لتعزيز نفوذها في أفريقيا، وقد تجلى ذلك مؤخرا من خلال نشر مرتزقة فاغنر في عدد من الدول الأفريقية، وهو ما أثار حفيظة الدول الغربية. إلا أن موسكو هذه المرة اختارت ملف المياه الذي فشلت الولايات المتحدة في حله.

القاهرة - نظرت دوائر دبلوماسية في القاهرة إلى إعلان روسيا الخميس عن جولة سيقوم بها وزير خارجيتها سيرجي لافروف في كل من مصر وإثيوبيا وأوغندا وجمهورية الكونغو خلال الفترة الممتدة من 24 إلى 28 يوليو الجاري، على أنها مناكفة سياسية للولايات المتحدة على ساحة إقليمية جديدة.

وقالت هذه الدوائر لـ”العرب” إن “موسكو تسعى لاستثمار إخفاق واشنطن في ملف المياه، حيث تركته إلى أن زادت سخونته دون محاولات جادة لتبريدها، ما أدى إلى دخول مصر وإثيوبيا في أزمة حادة بعد قيام الأخيرة بتشييد سد النهضة والشروع في مرحلة الملء الثالث (بعد الأول والثاني) قبل أيام عقب رفضها التوقيع على اتفاق مُلزم مع مصر والسودان”.

وتحاول روسيا الاستفادة من الارتباك الأميركي في التعامل مع عدد من الأزمات الإقليمية لتأكيد أنها قادرة على المشاركة بفاعلية في حلها، ودحض اتهامات واشنطن المتكررة لموسكو بأنها صارت من بين العناصر الأكثر إثارة للتوتر في العالم، وأحد رعاة المرتزقة في الصراعات وتصديرهم إلى بعض المناطق الأفريقية التي تشهد نزاعات.

وتستغل الدبلوماسية الروسية حاجة مصر إلى وسيط غير منحاز أو يبدو متفهما لمطالبها ويستطيع تحقيق اختراق في أزمة معقدة وذات أبعاد حيوية بالنسبة إلى قيادتها، وقد تتخذ من جولة لافروف وسيلة لتأكيد حيادها واستعدادها لضبط مفاصل الأزمة.

هند الضاوي: روسيا لن تتمكن من تحقيق اختراق في أزمة سد النهضة

وتأتي الجولة لتوحي بأن روسيا هي الوسيط النزيه الذي تبحث عنه القاهرة ولن ترفضه الخرطوم أو أديس أبابا، لأنها تملك شبكة قوية من العلاقات مع الدول الثلاث المعنية بأزمة سد النهضة (إثيوبيا والسودان ومصر) ومن ثم ستصبح تحركاتها مبعث ارتياح.

ويقول مراقبون إن إعلان موسكو عن جولة لافروف في الدول الأفريقية الأربع في الوقت الراهن يرمي إلى إبلاغ القاهرة رسالة يفيد مضمونها بأن القيادة الروسية تستطيع أن تنقذها من ورطة سد النهضة المتضخمة، وهو ما قامت بمخاطبة المجتمع الدولي بشأنه أكثر من مرة لكن دون جدوى؛ حيث لم تتمكن المقاربات الأميركية والأفريقية من حلحلة هذه الأزمة.

ويضيف المراقبون لـ”العرب” أن “الدول الأربع التي سيزورها لافروف تتشارك في مياه نهر النيل، ما يجعل الهدف الرئيسي إيجاد تسوية عادلة وشاملة لا تقتصر على أزمة سد النهضة الذي كاد يتحول إلى أمر واقع، فالممانعة المصرية تتعلق بالضوابط الحاكمة لتشغيله وتوفير ضمانات لا تؤثر على حصتها التاريخية من المياه”.

وحققت إثيوبيا أهدافها في البناء والتشييد وعدم الرضوخ لأي ضغوط مصرية، والتي وصلت في مرحلة سابقة إلى حد التلويح باستخدام القوة العسكرية لضرب السد.

وتتحرك الدبلوماسية الروسية على مستويات متعددة لتولّي زمام المبادرة في أكثر من منطقة، وهو توجه ظهر في موسكو بعد التدخل العسكري في أوكرانيا وما ترتب عليه  من تبعات إقليمية ودولية عقب الحملة الواسعة من العقوبات التي فرضتها واشنطن على روسيا بالتعاون والتنسيق مع حلفائها في الغرب.

وتشير جولة لافروف إلى أن بلاده لديها ما يمكّنها من إغراء بعض الدول التي تسعى الولايات المتحدة إلى استقطابها، من بينها مصر التي لم يتردد رئيسها عبدالفتاح السيسي في طرح ملف سد النهضة على القمم التي شارك فيها وآخرها قمة بترسبرغ في ألمانيا يومي الاثنين والثلاثاء، وقبلها قمة جدة بحضور الرئيس جو بايدن.

ونجحت الإدارة الروسية منذ بداية الأزمة الأوكرانية في منع انحياز بعض القوى الإقليمية والدولية إلى المعسكر الغربي، والحفاظ على درجة من الحياد، وهو ما منح موسكو صلابة سياسية في مواجهة العديد من الضغوط الأميركية.

وتعبر التحركات الروسية الخارجية عن عدم اكتراث بما تقوم به الولايات المتحدة من ضغوط وما تفرضه من عقوبات، بل تؤشر على أن موسكو تستطيع قلب الطاولة على واشنطن، ويترك توالي الزيارات انبطاعا بأن روسيا عازمة على كسر شوكة الولايات المتحدة في أكثر من منطقة.

ولم تجد القاهرة أصداء إيجابية ملموسة من إدارتيْ الرئيسين دونالد ترامب  ثم جو بايدن  للتحرك في ملف سد النهضة وإيجاد حل له بطريقة لا تضر بمصالحها، وهو ما تحاول روسيا توظيفه الآن لتبدو القوة القادرة على حلحلة الأزمات الإقليمية المحتدمة، بما يضمن عدم خروج القاهرة بعيدا عن المنظومة التي تريد موسكو تشييدها.

◙ الجولة توحي أن روسيا هي الوسيط النزيه الذي تبحث عنه القاهرة ولن ترفضه الخرطوم أو أديس أبابا، لأنها تملك شبكة قوية من العلاقات مع الدول الثلاث المعنية بأزمة سد النهضة
◙ الجولة توحي أن روسيا هي الوسيط النزيه الذي تبحث عنه القاهرة ولن ترفضه الخرطوم أو أديس أبابا، لأنها تملك شبكة قوية من العلاقات مع الدول الثلاث المعنية بأزمة سد النهضة

وربط متابعون في القاهرة بين جولة لافروف الأفريقية وما أعلنه المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أخيرا من أن الرئيس فلاديمير بوتين يخطط لجولات خارجية في الخريف المقبل، مؤكدا أن الاستعدادات لهذه الجولة تجري على قدم وساق.

وتنطوي زيارة لافروف إلى كل من القاهرة وأديس أبابا في الوقت الحالي على رغبة في تصحيح مسار روسيا الذي بدا منحازا إلى إثيوبيا على حساب مصر عندما عرضت القاهرة أزمة سد النهضة على مجلس الأمن الدولي في يوليو من العام الماضي.

لكن الباحثة في الشؤون الأفريقية هند الضاوي قالت لـ”العرب” إن “الدبلوماسية الروسية لن تستطيع بسهولة تحقيق اختراق كبير في أزمة سد النهضة، حيث تفتقر للقدرة على حلحلة الملفات خارج أوكرانيا، والدليل على ذلك تراجع نفوذها في سوريا والسماح لإيران بالتمدد على نحو أكبر في الآونة الأخيرة”.

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن “مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة تعمل منذ فترة على تقييد روسيا بالأزمات المتراكمة على حدودها بعد أن حققت الكثير من المكاسب في مناطق كانت تعد ضمن النفوذ الأميركي التقليدي في الشرق الأوسط وأفريقيا، حتى صارت موسكو تمنح الأولوية للأزمات التي تتعلق بأمنها القومي مباشرة، ما يقلل من دورها الفعلي على مستوى حلحلة أزمة السد”.

ورجحت أن تحتل ملفات الحبوب المحتجزة في روسيا وأوكرانيا ومد سلاسل الغذاء إلى الدول التي تواجه مشاكل الأمن الغذائي صدارة القضايا المهمة التي سيبحثها لافروف مع القادة الأفارقة.

7