مملكة كرة القدم: كيف تغيرت السعودية وغيرت كرة القدم معها

الرياضة أداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتكتيك لتوليد الوعي العالمي والاعتراف بالسعودية المتغيرة.
الثلاثاء 2024/07/02
تغييرات جذرية شملت المجال الرياضي وخاصة كرة القدم

الرياض - شهدت المملكة العربية السعودية تغييرات جذرية مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شملت أغلب المجالات تقريبا ولعل أهمها المجال الرياضي وخاصة كرة القدم. وتناول كتاب "مملكة كرة القدم كيف تغيرت السعودية وغيرت كرة القدم معها" لصاحبه كريستيان كوتس أولريخسن والذي سيصدر قريبا التغييرات الكروية ضمن السياق السياسي والاقتصادي الأوسع لعملية صنع القرار في عهد الأمير محمد بن سلمان.

وانطلق تقرير للكاتب على موقع عرب دايجست بتسليط الضوء على فقرة افتتاحية من تقرير في صحيفة واشنطن بوست بهدف شرح أهمية توقيع لاعب برازيلي عقدا للعب في المملكة العربية السعودية للقراء الأميركيين. وكان العام 1978 والنجم هو روبرتو ريفيلينو، الذي لعب إلى جانب بيليه في فريق البرازيل الفائز بكأس العالم 1970، حيث كان قد وقع مع فريق الهلال بالرياض في دوري لم يتجاوز سنتين.

وشهدت الأيام التي تلت ذلك تكهنات بأن آخرين سيتبعونه لأن السعوديين “أعلنوا أنهم لا ينوون الاكتفاء بنجم برازيلي واحد فقط”. وانتشرت شائعات بأن عرضا بقيمة 5 ملايين دولار، الذي كان من شأنه أن يحطم رسوم الانتقال القياسية في ذلك الوقت، قد عُرض على زيكو، لاقتسامه بين اللاعب وناديه فلامنغو.

وشهدت سنة 2022 انتقال وجه آخر من أبرز الرياضيين في العالم إلى الرياض للتوقيع مع نادي النصر السعودي. وواجه النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو بطولة صعبة شهدت استبعاده من مباريات خروج المغلوب وإنهاء مانشستر يونايتد لعقده.

كتاب "مملكة كرة القدم كيف تغيرت السعودية وغيرت كرة القدم معها" يتناول التغييرات الكروية ضمن السياق السياسي والاقتصادي الأوسع لعملية صنع القرار في عهد الأمير محمد بن سلمان
◙ كتاب "مملكة كرة القدم كيف تغيرت السعودية وغيرت كرة القدم معها" يتناول التغييرات الكروية ضمن السياق السياسي والاقتصادي الأوسع لعملية صنع القرار في عهد الأمير محمد بن سلمان

وقال رونالدو في المؤتمر الصحفي لتقديمه في نادي النصر، مخطئا في اسم البلد، "بالنسبة لي، ليست نهاية مسيرتي أن أذهب إلى جنوب أفريقيا". وأضاف "أعطيت كلمتي لهذا النادي، وأريد أن أعطي رؤية مختلفة لهذا البلد وكرة القدم، لهذا انتهزت هذه الفرصة. جئت إلى هنا للفوز واللعب والاستمتاع وأن أكون جزءا من نجاح البلد وثقافته. أريد أن أجعلكم جميعا سعداء، وهذا هو هدفي". وعززت حقيقة أن رونالدو كان جالسا أمام خلفية تدعو لزيارة السعودية فكرة أن خطوته المهنية الأخيرة تجاوزت كرة القدم.

وشعر السعوديون في 1978، بالغيرة إزاء إيران التي أصبحت أول دولة من الشرق الأوسط تتأهل لكأس العالم، ومرة أخرى في 2022، عندما أقيمت البطولة في العالم العربي لأول مرة في قطر المجاورة. كما قادت الإمارات العربية المتحدة طريق استخدام رعاية كرة القدم للترويج لدبي وأبو ظبي، مع اكتساب طيران الإمارات والاتحاد للطيران اعترافا عالميا نتيجة لعلاقاتهما مع الأندية الأوروبية الرائدة.

وشهدت السعودية (البلد المهيمن من حيث الحجم الجغرافي والسكان ومقاييس القوة التقليدية) في كلتا الحالتين نفسها متجاوزة من منافس جيوسياسي (إيران) أو دول مجاورة. وتخاطر المملكة بالتخلف عن ركب أقرانها الإقليميين سريعي الحركة، سواء من حيث التنمية الاقتصادية أو البراعة الرياضية أو تراكم القوة الناعمة.

وجاء صعود السعودية إلى الصدارة الكروية على خلفية مجموعة مذهلة من التطورات المرتبطة برؤية 2030 لولي العد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وكانت عملية تغيير شبهها أحد المعلقين السعوديين في 2019 بـ”الركوب في المقعد الخلفي لسيارة مسرعة. لا يمكننا أن نرى إلى أين نحن ذاهبون. نرجو فقط أن يعرف السائق الوجهة حتى نتجنب الاصطدام".

وغيّر ولي العهد السعودي، منذ ظهوره على الساحة في 2015، المشهد السياسي والاقتصادي السعودي بطرق ترقى إلى إعادة تشكيل البلاد التي ينوي حكمها كملك لعدة عقود. وفي نفس الوقت، وفيما يبدو من العدم، برزت السعودية بكونها مركزا للرياضة بشكل عام، وكرة القدم بشكل خاص، كمالكة وراعية ومضيفة ومشاركة.

ولا يكاد يمر أسبوع دون أن ترتبط شخصية رياضية بالسعودية بطريقة ما، وسط مناقشات ساخنة حول "غسل الرياضة"، وهي تسمية صيغت في 2015 ودخلت مفردات كرة القدم في 2020. لكن حقيقة الأخطاء الفادحة في صنع السياسات المحلية والإقليمية خلال الفترة المبكرة من صعود ولي العهد أضافت جوا من الجدل إلى العلاقات اللاحقة مع كيانات الدولة السعودية، على الأقل في العديد من العيون الغربية.

وأصبحت كرة القدم (والرياضة بشكل عام) متشابكة وجزءا لا يتجزأ من العناصر الرئيسية لرؤية 2030 التي تدعو إلى تحول جذري في اقتصاد البلاد.

وتشمل هذه الأهداف الطموحة جدا (وربما غير القابلة للتحقيق) جذب مئات الملايين من الزوار وعشرات الملايين من السكان الجدد إلى "المشاريع العملاقة" عند اكتمالها، إضافة إلى أهداف سياسية أكثر عملية لخلق فرص عمل جديدة وتعزيز التماسك الاجتماعي والصحة العامة. لكن التعايش غير المستقر بين الجوانب الواقعية والخيالية لما تحاول السلطات السعودية القيام به هو الذي يجعل رؤية 2030 مقامرة عالية المخاطر.

◙ صعود السعودية إلى الصدارة الكروية جاء على خلفية مجموعة مذهلة من التطورات المرتبطة برؤية 2030 لولي العد السعودي الأمير محمد بن سلمان

وأطلق الأمير محمد بن سلمان "رؤية 2030" في أبريل 2016 خلال فترة شهدت ضغوطا اقتصادية ومالية كبيرة ناجمة عن انهيار أسعار النفط وتضخم عجز الموازنة، مما دفع ولي العهد السعودي إلى إعلان أن "2015 كان عام الإصلاح السريع. 2016 هو عام الإصلاح السريع الأكثر تنظيما، و2017 هو العام الذي ستبدأ فيه الرؤية". وكان 2023 منتصف الجدول الزمني لرؤية 2030. وتُعتمد الرياضة أداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتكتيكا لتوليد الوعي العالمي والاعتراف بالسعودية المتغيرة.

ويمثل الاستثمار في كرة القدم دوليا وجذب النجوم إلى المملكة (إما كلاعبين أو كسفراء للعلامة التجارية) محاولة لتسخير الجاذبية العالمية لكرة القدم لتغيير الطريقة التي يتحدث بها الناس في جميع أنحاء العالم عن الرياض(ويفكرون فيها)، ونشر رسالة إلى جمهور دولي من المستثمرين المحتملين مفادها أن المملكة تتغير.

وكان الزوار والمقيمون بحاجة إلى ملء مختلف المشاريع العملاقة عند اكتمالها. وهذا العنصر هو محور مناقشات “الغسيل الرياضي”، والذي يمكن القول إنه أصبح أكثر وضوحا مع استحواذ صندوق الاستثمارات العامة على نيوكاسل يونايتد الإنجليزي لكرة القدم في أكتوبر 2021. لكن التوجهات السعودية إلى الرياضة تبقى جزءا من نهج إستراتيجي أوسع بكثير.

ومع تقليص العديد من المشاريع العملاقة بشكل يبدو كبيرا، وتباطؤ معدل التعاقدات الأجنبية الجديدة في دوري المحترفين السعودي (روشن)، يعتمد الأمير محمد بن سلمان كثيرا على ما يحدث مع اقتراب 2030، وخاصة بمواءمة الخطاب مع الواقع وتحقيق النتائج.

وسيكون مسار دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029 التي ستقام في منتجع جبلي لم يُشيد بعد في تروجينا (جزء من مشروع نيوم العملاق) مؤشرا على جدوى الخطط التي بدت عند تقديمها لأول مرة جذابة ومثيرة للإعجاب. ولكنها أصبحت الآن في مواجهة المواعيد النهائية الخارجية والتكلفة التي تضاعفت حسب التقارير.

وقد يجد ولي العهد السعودي متنفسا في قرار الفيفا بتخصيص كأس العالم 2034 للمملكة، والذي من المتوقع أن يتم التصديق عليه قبل انقضاء السنة الحالية. ويمدد هذا أفق إنجاز المشروع لمدة أربع سنوات، ويخفف الضغط عن 2030 باعتبارها السنة الذي رُبطت بالكثير من التوقعات.

6