مملكة الحضر العراقية تستعيد شيئا من الحياة

زيارة الموقع تأتي في إطار "التعريف بتراث وهوية" الموصل، لجعل المنطقة سياحية بامتياز.
الاثنين 2022/09/12
طي صفحة مظلمة

بعد سنوات مظلمة من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، بدأ عشرات من السياح وبعضهم غربيون، بزيارة المواقع الأثرية في نينوى ومواقع أخرى في العراق.

الحضر (العراق) - يتنقّل عشرات من الزوار بين آثار تعود إلى ألفي عام في مدينة الحضر التاريخية في شمال العراق، حيث تسعى مبادرات محلية خجولة لتشجيع السياحة وطي صفحة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة وما ارتكبه من تجاوزات.

وبُنيت مدينة الحضر في القرن الثاني أو الثالث قبل الميلاد وتقع على بعد حوالي مئة كيلومتر من مدينة الموصل التي كانت قبل سنوات قليلة بمثابة “عاصمة” تنظيم الدولة الإسلامية إلى أن استعادتها في 2017 القوات العراقية بدعم من التحالف الدولي.

ونشر تنظيم داعش في مارس 2015 فيديوهات تظهر تدميره لآثار المدينة.

وقال مدير عام دائرة التحريات والتنقيبات في وزارة الثقافة علي عبيد شلغم إن التنظيم المتطرف “دمّر كل شيء مهم في هذه المدينة، لكننا تمكنّا من القيام بأعمال الصيانة”. وتحمل آثار المدينة التي تأسست عام 200 قبل الميلاد وازدهرت في القرن الثالث بعد الميلاد، طابع “الهندسة الإغريقية والرومانية بعناصر تزيين ذات جذور شرقية”، وفق اليونسكو. وأدرجت كذلك على قائمة “التراث المهدد بالخطر”  في العام 2015.

وتمكن حوالي أربعين زائرا معظمهم عراقيون، خلال رحلة نظمها السبت متحف خاص في الموصل عاصمة محافظة نينوى حيث تقع الحضر، من زيارة المدينة الأثرية المدرجة على لائحة التراث الإنساني لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو).

وتقول السائحة العراقية – البلجيكية لونا بطوطة (33 عاما) التي جاءت مع زوجها البلجيكي لوكالة فرانس برس، إن لديها “شُعورا جميلا لأنه مكان لحضارة عريقة”، مضيفة “نحب أن نكتشف تاريخ البلد، وكيف كان، وكيف هو اليوم”.

hg

وهي الزيارة الأولى التي تقوم بها الشابة المقيمة في بلجيكا منذ أن كانت في التاسعة من العمر.

وتقول إن “المشاعر مختلطة”، مضيفة “هناك تاريخ عظيم، وآلهة عديدة تمت عبادتها هنا. المكان جميل جدا. وفي الوقت نفسه، أحداث كثيرة مؤسفة حصلت هنا مع تنظيم الدولة الإسلامية”. وعبرت عن أسفها لرؤية “ثقوب الرصاص وخراطيش الإطلاقات الفارغة” و”تدمير التاريخ” الذي أقدم عليه الجهاديون.

وكانت الحضر التي بنيت بطريقة مزجت فيها العمارة اليونانية والرومانية بالزخرفة الشرقية، مركزاً دينيا وتجارياً مهما في عهد الإمبراطورية الفارسية.

ونشر تنظيم الدولة الإسلامية في 2015 مقطع فيديو يظهر مقاتليه وهم يدمرون نقوشا على أحد الجدران ويطلقون النار في المكان ويضربون تمثالاً بفأس.

وفي فبراير كشفت السلطات العراقية عن ثلاث قطع أثرية هي وجهان بشريان وتمثال بالحجم الطبيعي مستوحى من الرومان، تم ترميمها في مدينة الحضر.

ورغم بطء عمليات الإعمار ومنها ما ينفذ في مواقع تاريخية، تستعيد الموصل والمناطق المحيطة بها اليوم بعد خمس سنوات من طرد الجهاديين، شيئاً من مظاهر الحياة الطبيعية.

وتعد رحلة السبت الأولى إلى الحضر وقد تولى تنظيمها “بيت تراث الموصل”، وهو متحف خاص افتتح منتصف يونيو.

ويقول المهندس فارس عبدالستار (60 عاما) المستشار في بيت تراث الموصل وأحد المشرفين على تنظيم الزيارة، إن الحضر تستقبل بين الحين والآخر زوارا يأتون عادة كأفراد.

s

ويوضح أن زيارة الموقع تأتي في إطار “التعريف بتراث وهوية” الموصل ومحافظة نينوى التاريخية، كما تهدف إلى “جعل المنطقة سياحية لما لذلك من مردود كبير جداً اقتصادياً وثقافيا”.

وأعلنت القوات العراقية في نهاية 2017 انتصارها وعودة سيطرتها على المناطق التي خضعت لسيطرة الجهاديين بعد هجمات شرسة لتنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014 على مناطق شاسعة في العراق وسوريا.

وبعد تلك السنوات المظلمة، بدأ عشرات من السياح وبعضهم غربيون، بزيارة المواقع الأثرية في نينوى ومواقع أخرى في العراق. لكن تبقى هناك حاجة إلى بناء مرافق سياسية في بلد مزقته الحروب والصراعات لعقود، وما تزال هناك حاجة لإقامة فنادق ومناطق سياحية ترفيهية.

ويقول بهاءالدين محمد طالب الدكتوراه في مجال الأنثروبولوجيا في جامعة إكستر البريطانية، إنه لا يجب النظر إلى “الموصل على أنها ساحة حرب ضد داعش وإلارهاب”، مشددا على أن “الموصل حضارة وتراث وثقافة”. لكنه يقر أيضا بأنه “يشعر بالحزن” لأن “السفر إلى الحضر ليس سهلاً”، مؤكدا أن “هذا الصرح الكبير لا بدّ أن يكون مليئا بالسياح من جميع أنحاء العالم”.

Thumbnail
20