ممر زانجيزور بؤرة ساخنة عُرضة للانفجار في جنوب القوقاز

مع انتصار أذربيجان، حليفة تركيا، في ناغورني قره باغ توسعت مطامع أنقرة إلى ما بعد الجيب الأرمني، وهي الآن تضع نصب عينيها ممر زانجيزور الذي يوفر لها قنوات تواصل برية مع ما نسميه العالم التركي. وتراقب إيران وروسيا بحذر وقلق التحركات التركية في المنطقة الإستراتيجية.
يريفان - ألقت أعمال العنف في الشرق الأوسط بظلالها على ظهور بؤرة ساخنة محتملة للانفجار في جنوب القوقاز بعد إعادة تأكيد أذربيجان سيطرتها على منطقة قرة باغ حيث يوجد ممر زانجيزور، وهو شريط ضيق من الأرض داخل أرمينيا (المعروف باسم منطقة سيونيك) بين مدينة أذربيجان الكبرى ومنطقة ناختشيفان ذات الحكم الذاتي.
وجاء في تحليل نشرته مؤسسة جايمس تاون أن المنطقة أصبحت متفجرة للغاية بسبب التطورات التي حدثت خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى درجة أنها تهدد الآن بإشعال صراع أوسع نطاقا، حتى أن أحد المعلقين الروس، فلاديمير بروخفاتيلوف، قارن الوضع بأزمة ممر دانزيج، التي ساهمت في اندلاع الحرب العالمية الثانية عندما طالب الزعيم النازي أدولف هتلر بولندا بتسليم الأراضي لبرلين. ويسلط ذلك الضوء على مدى خطورة الوضع في المنطقة.
ومع رحيل الجالية الأرمنية من قرة باغ، أصبح الوضع الآن محفوفا بالمخاطر. ويقول بروخفاتيلوف “لا يمكن استبعاد أن أذربيجان ستحتل منطقة سيونيك الحالية في أرمينيا بالقوة، حيث إن الرايخ الثالث ‘حل مسألة’ ممر دانزيج بالقوة”.
ويؤكد المعلق الروسي أنه لا يقارن الزعيمين الحاليين لتركيا رجب طيب أردوغان وأذربيجان إلهام علييف بهتلر، لكنه يوضح “في الوقت نفسه، فإن الطريق عبر زانجيزور إلى تركيا يشبه الهواء لكلا البلدين؛ ولتحقيق أهدافهما، يمكنهما تنفيذ عملية كلاسيكية تحت علم مزيف أو بالقوة، وهو الأمر الذي تحدث عنه الرئيس الأذري”.
المنطقة أصبحت متفجرة للغاية بسبب التطورات التي حدثت خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى درجة أنها تهدد الآن بإشعال صراع أوسع نطاقا
وتشير التحركات الحالية إلى أن الوضع قد يتحرك بسرعة في اتجاه التصعيد. والتقى علييف والرئيس التركي في ناختشيفان في الخامس والعشرين من سبتمبر. وهناك، ناقشا خططا للضغط من أجل توسيع الروابط بين البلدين والإقليم.
وتحدث الزعيمان عن فتح اتصالات مع المنطقة وفيما بينهما وكذلك إنشاء ممر عبور عبر إيران إذا عارضت أرمينيا إنشاء ممر عبر سيونيك – زانجيزور.
ومع ذلك، فمن غير المرجح أن توافق إيران، وسوف تشك كل من أذربيجان وتركيا في موثوقية طهران في إبقائها مفتوحة.
ونشأت مشكلة زانجيزور قبل قرن من الزمان عندما رسم الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين الحدود في جنوب القوقاز، لكنها تفاقمت في الأسابيع الأخيرة.
ويرجع ذلك إلى إلغاء أذربيجان لترتيب التوازن الذي وضعه ستالين: الجيب الأرمني الفعلي “ناغورني قرة باغ ” داخل أذربيجان.
وفرض ستالين هذه الجغرافيا غير المتكافئة لضمان عدة مواقف. أولا، لكي تظل التوترات بين أرمينيا وأذربيجان مرتفعة، مما يسمح لموسكو باستخدام نهج فرق تسد الذي تم اختباره عبر الزمن. وثانيا، من شأن هذا الترتيب أن يحرم تركيا من جسر بري مباشر إلى أذربيجان وآسيا الوسطى، بينما يمنح أرمينيا حدودا سوفيتية خارجية مع إيران.
وحصلت تركيا على خط اتصال بطول 13 كيلومترا مع ناختشيفان، لكنها لم تتمكن من الوصول إلى أذربيجان إلا عن طريق المرور عبر الأراضي الأرمنية أو الإيرانية.
إيران هي الدولة الأكثر قلقا، لأن توسع تركيا عبر حدودها الشمالية يقلل من قدرتها على التأثير في جنوب القوقاز
وقبل أن ينتهي هذا الوضع غير المتكافئ الشهر الماضي باستعادة أذربيجان قرة باغ، اقترح بعض المحللين، في وقت سابق مبادلة الاثنين، حيث تذهب قرة باغ إلى أرمينيا وزانجيزور إلى أذربيجان.
وكانت أذربيجان وتركيا مهتمتين، لكن أرمينيا وروسيا وإيران عارضت ذلك. وهكذا لم يأت منه شيء.
والآن، خسرت أرمينيا قرة باغ، وقد تتعرض للتهديد في زانجيزور مع وجود الدولتين (تركيا وأرمينيا) في وضع يسمح لهما باكتساح المنطقة.
وكان ممر زانجيزور يحظى بأهمية متزايدة على أجندات أذربيجان وتركيا حتى قبل عملية “مكافحة الإرهاب” الأخيرة التي نفذتها باكو.
وبعد حرب قرة باغ الثانية في عام 2020، وافقت أرمينيا على إعادة فتح العبور عبر المنطقة، بما في ذلك بين أذربيجان وناختشيفان. وكانت يريفان تخشى أن تكون سيطرتها على سيونيك – زانجيزور هي مصلحتها في وضع لن تفعل فيه موسكو أو طهران أو أي شخص آخر الكثير للتدخل.
وهكذا، فإن الجانب الأرمني، بدعم علني على الأقل من روسيا وإيران، تباطأ، مما أثار حفيظة باكو وأنقرة.
وقد دفع هذا القوتين إلى التحدث بشكل أكثر صراحة عن الحاجة إلى المضي قدما عبر الممر، بموافقة أرمينيا أو بدونها.
دول آسيا الوسطى ستصبح أكثر اندماجا مع أنقرة إذا انتقلت زانجيزور إلى السيطرة الأذرية، مما يعزز أهمية العالم التركي كما يروج له أردوغان
وفي أعقاب الاستخدام الناجح للقوة في قرة باغ وفي الوقت الذي تشتتت فيه موسكو بسبب عدوانها في أوكرانيا، من الواضح أن البعض في باكو وأنقرة يفكرون في استخدام القوة للسيطرة على زانجيزور.
وتشعر أرمينيا وروسيا بالقلق إلى حد ما بشأن احتمال القتال بشأن زانجيزور. ومع ذلك، فموسكو ليست الدولة الوحيدة التي لها مصلحة في ما يحدث في المنطقة والتي قد تنجر إلى أي صراع مستقبلي.
ومن الواضح أن إيران هي الدولة الأكثر قلقا، لأن هذا من شأنه أن يوسع النفوذ التركي عبر حدودها الشمالية ويقلل من قدرتها على التأثير في جنوب القوقاز.
وفي الأشهر الأخيرة، أبدت إيران استعدادها لنشر قواتها بالقرب من الحدود الأذرية للتأكيد على هذه المخاوف.
وتشعر جورجيا بالقلق أيضا، لأن أي تغيير في وضع زانجيزور ستكون له آثار على روابطها بالعالم الخارجي.
وفي الوقت نفسه، ستصبح دول آسيا الوسطى أكثر اندماجا مع أنقرة إذا انتقلت زانجيزور إلى السيطرة الأذرية، مما يعزز أهمية العالم التركي كما يروج له أردوغان.
وبما أن التحول في السيطرة على زانجيزور من شأنه أن يؤثر على الجغرافيا السياسية الأوسع لآسيا الوسطى وجنوب القوقاز، فإنه سيكون له أيضا تأثير على التأثيرات الإقليمية للصين والاتحاد الأوروبي والغرب.
وسوف تواجه الصين تركيا أقوى بكثير، مما يحد من توسع نفوذها في هذه المناطق. وسوف يشعر الاتحاد الأوروبي بالانزعاج إزاء الكيفية التي قد يهدد بها مثل هذا التغيير أمن أرمينيا.
ورغم ترحيب الولايات المتحدة بتراجع النفوذ الروسي والإيراني، فإنها ستكون مضطرة إلى التفكير في حماية أرمينيا من أي تقدم تركي آخر. وبالتالي، حتى لو لم يكن التحرك العسكري التركي وشيكا كما يخشى البعض، فإن ممر زانجيزور أصبح نقطة ساخنة يجب على جميع القوى الكبرى مراقبتها عن كثب.