مللنا.. يا آل الملا
تُبشرنا الأخبار الواردة علينا من بلاد الشام، أن رمضان هذا العام، وككل عام لن يمرّ دون مسلسل “باب الحارة” في جزئه الثامن، وطبعا ليس الأخير، فمن يتطلّع ولو من خلال نظرة عين على موقع الموسوعة الحرة “ويكيبيديا” سيقرأ التالي: تعتزم شركة “قبنض” إنتاج ثلاثة أجزاء جديدة من العمل (8، 9، 10)، بعد أن فجر مروان قاووق (مؤلف الأجزاء الثلاثة الأخيرة) مفاجأة من العيار الثقيل ببيع حقوق إنتاج الأجزاء من الثامن إلى العاشر إلى شركة “قبنض” للإنتاج والتوزيع الفني.
واختار المنتج محمد قبنض صاحب شركة “قبنض” بشار الملاّ شقيق المخرجين بسام ومؤمن الملاّ لإخراج الأجزاء الجديدة من العمل، وهم الذين أخرجوا غالبية أجزاء المسلسل، عدا الجزء السابع الذي تكفل بإخراجه عزام فوق العادة. وتتخلل الخبر إشاعات تقول إن شخصية “العكيد أبوشهاب”، الذي قام بأدائها في الأجزاء الثلاثة الأولى منها سامر المصري، سوف تعود إلى العمل، وسوف يؤدي الشخصية الفنان علاء قاسم، بدلا من سامر المصري، بعد أن رفض العودة إلى باب الحارة.
فابشروا يا أحباء “باب الحارة” الذي لم يعد بابا واحدا، بل عشرة أبواب بالتمام، ودون كمال، على اعتبار أن الأبواب العشرة السابقة واللاحقة أيضا تقتضي، شخصيات جديدة وأفكارا أجد، لكن نفاجئ في كل مرة بعودة أحد الأموات، أو من حسبناه من عداد الأموات، يعود إلى الحياة من جديد، ببعض الشيب لا أكثر، كحالنا مع “أبوعصام” الذي توفاه المخرج والمنتج والمؤلف في الجزء الثالث من باب الحارة، ليعود إلى الحياة في الجزء السادس منه، فسبحان الذي يحيي العظام وهي رميم!
أبوعصام، عاد إلى الحياة، بتوق أكثر للذات، و”ما فات مات”، قبلنا الأمر على مضض، وقلنا لا ضير في ذلك، فتلك هي سنة الحياة، أو قانون آل الملاّ، الذين لم يملوا استنزاف عملهم الناجح، وشخصياتهم المحببة لقلب المشاهد العربي الذي لا يزال يؤمن بالبطولات في زمن الخيبات حدّ الدُمّل.
قبلنا وأطعنا، بل وتواضعنا صاغرين أمام سطوة الفكرة المفاجأة، وما رافقها من عودة الحياة لمسلسل كاد يلفه النسيان، لولا عودة “أبوعصام”، فعاد الإشهار تلو الإشهار، لكل أنواع المواد الاستهلاكية الممكنة التي تصل بين أجزاء الحلقة الواحدة، والتي في الغالب لا تتجاوز الـ45 دقيقة، ثلاثة أضعاف زمن الحلقة الواحدة.
فبتنا نشاهد بداية الحلقة في تمام الساعة الثامنة ليلا، مثلا، وننتهي منها في حدود منتصف الليل، “فنتسحر” وننام، لنصحو من الغد على أضغاث أحلام آل الملاّ من جديد من خلال الإعادات وما بينهما من إعلانات.
وإن رافق اختفاء “أبوعصام” بعض الغموض، فلم يعرف المشاهد إن كان خُطف أو قُتل، لتنكشف خيوط اللعبة الدرامية في الجزء السادس من المسلسل، فتقبّل الحكاية على ضجر، فإنّ “أبوشهاب” الذي اختفى في بداية الجزء الرابع، وتم قتله على يد “أبوذراع” في بداية الجزء الخامس، مما يجعل عودته إلى الحياة شبيهة بالخرافات؟
ومع ذلك، أبى آل الملاّ ومعهم طبعا مروان قاووق، إلاّ أن يبعثوا فيه الروح من جديد في بقية الأجزاء المُنتظرة، لتكون عودته من تشخيص ممثل آخر تخصص في أداء مسلسلات البيئة الشامية كـ”بيت جدي”، و”الدبور” و”الشام العدية”، هو علاء قاسم، الذي كان في الجزء الخامس من المسلسل يُجسد دور “الملازم فادي”، ليرتقي في بقية الأجزاء المُنتظرة، بقدرة قادر، إلى “عكيد”، ولآل الملاّ في إخراجهم فنون أقرب إلى الجنون.
أبواب “باب الحارة” العشرة، تُذكرني هنا بمثل فرنسي، يقول تعريبه “باب مُقفل، هو بالضرورة مُقفل، وباب مفتوح هو بالقوّة مفتوح، وباب مُوارب هو أصلا مفتوح”، وعليه تبقى أبواب الحارة الإنتاجية مفتوحة على مصراعيها طالما هناك أكثر من مُستشهر ومُستثمر.
ولا غرابة في إنتاج أبواب أخرى تصل حدود المئة، مادام “العكيد” حي و”أبوعصام” يستعيد شبابه الضائع، ولا عجب البتة إن عاد إلينا “الإدعشري” أيضا، فيؤرق الحارة من جديد، ولن ينفع معه حينها إقفال الأبواب حتى بالحديد، عدا إغلاق جهاز التلفزيون بـ”الريموت كونترول”، وذاك أسهل الحلول إزاء مسلسل يأبى أن يحترم ذكاء المشاهد.
كاتب وصحافي من تونس