"مكنز التراث الشعبي المغربي" مشروع توثيقي يحفظ تراث البلاد من الزوال

الرباط- الأشكال التوثيقية الحديثة تقوم على التقنيات الإلكترونية في التخزين التي من شأنها أن تسهل على الباحث الوصول إلى المعلومة المدققة بطرق علمية سهلة تفسح المجال لإنشاء قواعد بيانات إلكترونية خاصة بالتراث الشعبي العربي في جميع الدول. هذا ما أضافه مشروع “مكنز التراث الشعبي المغربي” الذي يقدم توثيقا إلكترونيا وورقيا لكل ما يهم الحقل التراثي المغربي، وهو متاح بشكل ورقي يتكون من مجلد واحد ومتاح بشكل إلكتروني من خلال موقع المركز المغربي للتراث الشعبي والمخطوطات ويتكون من 856 واصفة.
ويعد هذا المنجز أول مبادرة في المغرب العربي لجمع التراث الشعبي بأسلوب حديث عبر نظام المكانز في ترتيب الحقل الدلالي التراثي وفق المنهج التصنيفي المعمول به عالميا. وهو في الوقت ذاته أول مكنز صنف على هذا الشكل في الساحة الثقافية المغربية وثاني تجربة على الصعيد العربي ويعد إثراء للثقافة العربية بشكل عام وللدراسات التراثية والتاريخية التي تهتم بمواد التراث الشعبي. كما أنه مصدر للمعلومة تستفيد منه البحوث الأكاديمية، حيث يتيح للدارسين مرجعا يسهل تصفحه في مجالات الفنون الشعبية والعادات والتقاليد والخصائص الثقافية لكل مناطق المملكة المغربية.
وتقول الأستاذة السعدية عزيزي، أستاذة النقد والتراث بكلية الآداب بن امسيك بالدار البيضاء، وأحد منجزي المكنز التراثي: إن مشروع “مكنز التراث الشعبي المغربي”، توخى توثيقا إلكترونيا وورقيا لكل ما يهم التراث الشعبي المغربي، وهو دراسة علمية عززت المكتبة التراثية المغربية والعربية، وسند مرجعي داعم للمهتمين والباحثين في الحقل التراثي وفي مجال الفولكلور الشعبي على اختلاف صنوفه.
المكنز ينقسم إلى 5 حقول: الأدب الشعبي، والعادات والتقاليد، المعتقدات الشعبية، والفنون الشعبية، والثقافة المادية
وصدر المكنز عام 2009 عن جمعية وادي الحجاج للثقافة والتنمية بورزازات، وهو واحد من المشاريع العلمية للمركز المغربي للتراث الشعبي والمخطوطات بالدار البيضاء، وتكمن أهميته في أنه يلبي حاجات البحث العلمي في ميدان التراث الشعبي، ويحقق رغبات الكثير من الباحثين في الاستزادة من معين الدراسات والبحوث التراثية، مواكبا التطور الحاصل في نظم التوثيق وعمليات تخزين المفاهيم واسترجاعها.
وقد أوضحت الأستاذة عزيزي، أن مكنز التراث الشعبي المغربي الذي أنجزته رفقة الباحثين سعيد آيت زهرة وطارق المالكي، يمثل قاعدة بيانات إلكترونية ونواة معلوماتية للتوثيق، تم الاشتغال في إطاره على كل ما يهم التراث والثقافة الشعبية المغربيين على تنوعهما عبر الجهات المغربية.
وبينت الباحثة المغربية، رئيسة قسم التراث بجامعة الحسن الثاني وعضو لجنة الخبراء العرب للتراث، في تعريفها لمصطلح “المكنز أنه تخزين وتكشيف واسترجاع لعدد من المعلومات الخاصة بالتراث، حيث يرتكز أساسا على قائمة استنادية بالواصفات أو مصطلحات التكشيف في نظام المعلومات، ويعتبر الأداة التي يعتمد عليها المكشف في الحصول على المصطلحات أو الواصفات المناسبة لوصف محتوى الوثائق، لذلك يعد حلقة الوصل بين المكشف والباحث التي توفر أقصى درجات الدقة في التخزين والاسترجاع.
وتعرف المكانز عالميا بأنها وسيلة للتوثيق والفهرسة تستند على مجموعة من المصطلحات المنتقاة اعتبارا لقدرتها على توصيف معلومات ومفاهيم في مجال معين، فنجد مكانز متخصصة وأخرى عامة، ومكانز ضيقة وأخرى أحادية اللغة.
مؤلفو المكنز المغربي اعتمدوا على مجموعة من الآليات التي توظف في المكانز، منها الواصفات والتبصيرات التوضيحية
وهي تختلف باختلاف الموضوع الذي يشتغل عليه المكنز، لذلك فمن الأهمية بمكان أن تودع في المكنز المعلومات المجمعة بطريقة مصنفة بعد أن تمر بما يسمى بالجرد ثم عملية التكشيف ثم التخزين فإعادة الاسترجاع. وبما أن مكنز التراث الشعبي المغربي متخصص في التراث، فهو وسيلة لتوثيق الذاكرة المغربية، التي لن يكون توثيقها بطريقة ورقية فقط مجديا، حسب عزيزي، لأن إصدار المكنز إلكترونيا يتيح قاعدة بيانات إلكترونية ونواة معلوماتية لتوثيق كل ما يهم التراث المغربي في تنوعه، خاصة وأن المملكة تزخر بمادة ثرية في مجال التراث الشعبي، وهو ما يسهل على الباحث في أي مجال وفي أي مكان من العالم مهمة البحث الشاقة، وذلك من خلال تصنيف هذا المكنز إلى خمسة حقول، هي: الأدب الشعبي، والعادات والتقاليد، والمعارف والمعتقدات الشعبية، والفنون الشعبية، والثقافة المادية.
واعتمد مؤلفو المكنز المغربي على مجموعة من الآليات التي توظف في المكانز، منها الواصفات والتبصيرات التوضيحية، وذلك لكي يتمكن مستعملوه من فك اللبس اللغوي، وهو ما تؤكده الأستاذة السعدية عزيزي بقولها “إن قضية المصطلح داخل الثقافة تعتبر من الإشكالات الأساسية ليس فقط على الصعيد المغربي بل على الصعيد العربي ككل”.
يذكر أن عددا من البلدان والمنظمات وضعت تجاربها في مجال المكانز، وكانت أول تجربة عربية بريادة المملكة العربية السعودية عن طريق مكنز للوحدات الرقمية في مجال التعليم، غير أن مكنز التراث الشعبي المغربي يعد أول مكنز عربي يهتم بجمع وتخزين جميع أنواع التراث الشعبي في المغرب ومن بينها الرقصات والأغاني الشعبية والأمثال الشعبية وعادات الزواج التقليدية والحرف، ما يجعله تجربة تستحق الاهتمام والاقتداء بها من الدول العربية التي شرع عدد منها في رقمنة تراثه المادي والمعنوي وتوثيقه لحفظه لأجيال المستقبل حتى لا تضيع هويتها وثقافتها المميزة تحت تأثير الحروب من جهة والعولمة من جهة أخرى.