مكتب الرحّل الرقميين جهاز كمبيوتر

العمل عن بعد فرصة للسياحة والترحال في زمن كورونا.
الاثنين 2021/02/15
متعة وحرية

على شاكلة البدو الرحّل، انتشرت في السنوات الماضية ظاهرة “الرّحل الرقميين”، وهم مجموعة من المختصين في التكنولوجيا الرقمية يملكون صفات شخصية تجعلهم قادرين على العمل عن بعد وبشكل حر، ويستفيدون من تلك الميزة في التنقل والسفر بين البلدان واكتشاف الثقافات الجديدة، ما جعل العديد من الدول تجتذبهم كمصدر إيرادات مرتفعة في زمن كورونا.

باريس - يغتنم الملايين حول العالم فرصة العمل عن بعد في ظل جائحة كورونا للانتقال إلى أي نقطة جغرافية تستهويهم الحياة فيها والقيام بعملهم من هناك بعيدا عن قيود المكاتب… ويشكل هؤلاء “الرحّل الرقميون” وهم مجموعة ممن يعتمدون في عيشهم على العمل بحرية مطلقة أثناء ترحالهم وتنقلهم بواسطة أجهزة الكمبيوتر المتنقلة أو ألواحهم وهواتفهم الذكية، وأصبحوا اليوم مصدر إيرادات تسعى بلدان عدة إلى اجتذابها.

تروي شارون، التي أصرت على عدم ذكر اسمها الحقيقي واختارت هذا الاسم المستعار، “لطالما أردت العيش في بلد آخر لأرى كيف هي الحياة فيه”. وانتقلت الأميركية البالغة من العمر 28 عاما والتي تعمل في إدارة البيانات، إلى مكسيكو طلبا لـ”الطقس الجميل” و”حرية تنظيم” أمورها.

وجاءت جائحة كرونا لتزيد الطلب على سوق العمل عن بعد بسبب التوصيات، التي فرضتها على سوق العمل، مما فتح آفاقا وفرصا جديدة لتقنين أوضاع تلك الفئة من خلال تخصيص نوع جديد من تأشيرات السفر، التي تتناسب مع ظروف حياة أفرادها.

وتشجع العديد من البلدان هذا النوع الجديد من العمل وتسعى الحكومات إلى اجتذاب المزيد من المبدعين في مختلف المجالات لما لهم من إسهامات في إنعاش الحركة الاقتصادية في بلدانهم.

ومن الصعب تحديد عدد هؤلاء الرحّل من صنف جديد، ومعظمهم شباب يعملون في اختصاصات على ارتباط بالمجال الرقمي، لكن من المؤكد أنهم يقدّرون بالملايين.

عدد الرحل الرقميين الأميركيين بلغ 10.9 ملايين في 2020، معظمهم شباب يعملون في اختصاصات مختلفة

وبحسب ستيف كينغ المحلل في مكتب “إيمرجنت ريسيرتش” للأبحاث، فإن الرحل الرقميين الأميركيين وحدهم بلغ عددهم 10.9 ملايين في 2020، إذا ما استخدمت العبارة بمعنى واسع. ويعكس هذا العدد زيادة بنسبة 33 في المئة عن العام السابق.

ومع فرض العمل عن بعد لمكافحة تفشي فايروس كورونا، اكتشف الموظفون نمط الحياة هذا، البعيد عن مكاتبهم، وقد كان حتى الآن حكرا على المستقلين العاملين لحسابهم الخاص، ولو أن الأزمة الصحية حدّت من إمكانيات التنقل.

وهكذا تمكن ماريوس وكلير، وهما فرنسيان ثلاثينيان يعملان في مجال التسويق، من الرحيل عن بلدهم “بفضل الحجر المنزلي”، الذي أقنع ربّ عمل ماريوس بأن العمل عن بعد مجدٍ في هذه الظروف، بعدما قاومه من الأساس في البداية.

تقول كلير متحدثة من فندق في بلايا ديل كارمن بالمكسيك “أعتقد أنه ستكون من المستحيل العودة إلى المكتب ذات يوم”.

وانتقلت جوستين روا (24 عاما) في الصيف إلى بالي حيث بدأت العمل كمستشارة مستقلة في مجال “التأثير” الرقمي. وتقول “لولا الجائحة، لكنت بقيت على الأرجح في فرنسا”.

يرى دوني مونيليا الأربعيني الموظف في شركة تأمين، في العمل عن بعد “فرصة” له، وخاصة أنه اعتاد تمديد عطله بمواصلة العمل مرة من بلغاريا وأخرى من مالطا.

ولم تغفل الدول هذه الإمكانات الاقتصادية، فعمدت 15 منها أخيرا إلى تيسير شروط استقبال هؤلاء السياح الجدد، وفق ما لفت الباحث كليمان مارينوس.

وأشار ستيف كينغ إلى أنهم “سياح جيدون لأن لديهم وظيفة، وبالتالي لا يحرمون السكان المحليين من فرص عمل، وهم يتقاضون عموما أجورا جيدة”.

وللرحّل الرقميين معاييرهم الخاصة، وهي كلفة المعيشة والطقس وسرعة الإنترنت، إنما كذلك وضع الجائحة في البلد.

وأوضح أرنو ويلبرود (35 عاما) أنهم يبحثون عن “بلدان تكون القواعد المتبعة فيها أكثر ليونة”، وهو نفسه يستفيد من “الحانات والمطاعم المفتوحة” في تالين عاصمة إستونيا، مواصلا في الوقت نفسه نشاطه كناشر محتويات رقمية.

واستحدثت جورجيا الصيف الماضي تأشيرة دخول تسمح للموظفين الذين يتقاضون ما لا يقل عن ألفي دولار في الشهر، بالإقامة فيها لمدة عام.

سياحة وعمل
سياحة وعمل

وانتقل 787 من الرحل الرقميين للإقامة في جورجيا رغم تراجع الوضع الصحي فيها منذ ذلك الحين. وقالت تيا شانشيبادزه الناطقة باسم المديرية الوطنية للسياحة في جورجيا إن هذا العدد يبقى ضئيلا، غير أن البرنامج يهدف بصورة خاصة إلى “اجتذاب زوار ذوي دخل مرتفع”.

وروت جيني برينغل، الجنوب أفريقية الحائزة على تأشيرة الدخول الخاصة هذه، “بحثت على غوغل عن بلد آمن وغير باهظ التكاليف” من غير أن تعرف “شيئا عن جورجيا”. وفتنت معلّمة اللغة الإنجليزية البالغة 61 عاما بـ”جمال” البلد و”نظافته” وهي تنوي الإقامة فيه بشكل دائم.

غير أن وصول الوافدين الجدد لا يتم على الدوام بشكل سلس.

ففي يناير الماضي، طردت أميركيتان إحداهما تقول إنها من الرحل الرقميين، من بالي بعد نشرهما تغريدات اعتبرتها السلطات الإندونيسية “مسيئة”، أشادتا فيها بالحياة في الجزيرة التي وصفتاها بأنها جنّة لمثليي الجنس.

وقال بوتو أستاوا رئيس وكالة السياحة في الجزيرة إن الرحّل الرقميين يبقون رغم كل شيء “مصدر عائدات للبلاد ولبالي، يساعدهم على التعافي من الصدمة الناجمة عن الجائحة”.

وفي ماديرا في البرتغال، تم تدشين قرية خاصة بالرحّل الرقميين، هي الأولى من نوعها في أوروبا. وتتضمن بونتا دو سول مساحة عمل مشتركة ويقيم فيها مئة شخص يعملون عن بعد ويسكنون في حوالي أربعين منزلا. وتلقت البلدة الساحلية 3800 طلبا آخر للانضمام إليهم.

وتعتزم السلطات المحلية أن تجعل من ماديرا “أحد أفضل الأماكن في العالم للعمل عن بعد”، كما قالت الناطقة باسم دائرة الاقتصاد المحلية مارغاريدا لويس.

ويبدي غونسالو هول، رجل الأعمال الذي بادر إلى تنفيذ المشروع، ثقته في تحقيق هذا الهدف، مؤكدا “لن نعود إلى الوراء على صعيد العمل عن بعد”.

20