مكتب التحقيقات الفيدرالي مكروه من اليسار ومهاجم من اليمين المحافظ

التحقيق في قضية ترامب الجنائية يضع الـ"أف.بي.آي" في مواجهة تهديدات واسعة.
الجمعة 2022/08/19
محل انتقادات دائمة

كان مكتب التحقيقات الفيدرالي دائما في مرمى الاتهامات والتنديدات، فبينما كرهته أحزاب اليسار سابقا، يهاجمه اليمن المحافظ حاليا على خلفية تحقيقاته في قضية الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن مستوى التهديدات ارتفع حد المطالبة بالهجوم على فروعه وتوجيه اتهامات حادة لها في مواقع التواصل.

واشنطن - اعتاد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي “أف.بي.آي” الأميركي على مواجهة انتقادات، لكنهم لم يشهدوا من قبل في تاريخ وكالتهم مثيلا للهجمات التي يشنها المحافظون، بعد مداهمة مقر الرئيس السابق دونالد ترامب في فلوريدا الأسبوع الماضي.

منذ تأسيسه قبل أكثر من مئة عام، واجه مكتب التحقيقات الفيدرالي اتهامات في الجنوب من مؤيدي الفصل العنصري، وانتقده المدافعون عن الحريات المدنية الذين يدافعون عن الناشطين السياسيين والأميركيين المتحدرين من أصل أفريقي، الذين تعاملت الوكالة مع حركة تحريرهم في ستينات القرن الماضي على أنها تهديد للأمن القومي.

لكن التهديدات غير العادية التي أطلقت الأسبوع الماضي صدرت عن القاعدة السياسية لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وهي الجمهوريون المحافظون.

كره قديم

قال كينيث أورايلي، المؤرخ المتقاعد من جامعة ألاسكا الذي ألف كتبا عن هذه الوكالة، “انقلب العالم رأسا على عقب”. وأضاف أن مكتب التحقيقات  الفيدرالي هو تاريخيا “مؤسسة محافظة في العمق” تضم أعضاء من الحزبين في واشنطن.

ولكن منذ أن دان ترامب هذه المؤسسة ووصفها بأنها “فاسدة” و”فاشية” بعدما فتشت مقره في مارالاغو في الثامن من أغسطس الجاري بحثا عن وثائق “سرية للغاية” احتفظ بها بشكل غير قانوني، لم تتوقف الهجمات على الوكالة.

كينيث أورايلي: الـ"أف.بي.آي" يواجه باستمرار انتقادات من كل الاتجاهات

واتهمت رئيسة اللجنة الوطنية الجمهورية رونا ماكدانيال المكتب “بإساءة استخدام السلطة”.

وشبه السيناتور ماركو روبيو، وهو جمهوري من فلوريدا، الوكالة بالشرطة السرية في الدكتاتورية الماركسية، بينما أعلن النائب بول جوسار أن “علينا تدمير مكتب التحقيقات الفيدرالي”.

وعبر الإنترنت، بما في ذلك على شبكة ترامب “تروث سوشال”، جاءت تهديدات أعنف، بل نفذت. ففي الحادي عشر من أغسطس هاجم رجل مسلح يبلغ من العمر 42 عاما فرع مكتب التحقيقات الفيدرالي في سينسيناتي، بعد أن كتب في حسابات على وسائل للتواصل الاجتماعي نسبت إليه أنه يجب “الرد بقوة” على دهم مقر ترامب و”قتل مكتب التحقيقات الفيدرالي”.

لكن الرجل أخفق في دخول مقر الوكالة في مدينة أوهايو وقتلته الشرطة في وقت لاحق.

بعد ذلك بيوم واحد، اعتقل رجل يبلغ من العمر 46 عاما في ولاية بنسلفانيا لقيامه بتوجيه تهديدات مماثلة. وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي “إذا كنت تعمل لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي فأنت تستحق الموت”. وأضاف “هدفي الوحيد هو قتل المزيد منهم قبل أن أسقط”.

وقال أورايلي إن مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي كان يمثل أسطورة في السينما والتلفزيون يواجه باستمرار انتقادات من كل الاتجاهات.

وأضاف أن “الجنوبيين مؤيدي الفصل العنصري في أوائل الستينات ردوا بعنف على مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي شبهوه بالغستابو”، البوليس السري الألماني، عندما حقق في عمليات قتل للسود.

وأوضح أن أسوأ فترة كانت في الستينات عندما قام مكتب التحقيقات الفيدرالي بعمليات تجسس واسعة، وسعى إلى تقويض حركة الحقوق المدنية وشوه سمعة مارتن لوثر كينغ جونيور وأذكى العنف بين مجموعات متنافسة لتشويه سمعتها.

لكن ردود الفعل في ذلك الوقت، على حد قول أورايلي الذي وثق حرب مكتب التحقيقات الفيدرالي على الحركة القومية السوداء، اقتصرت على غضب ومقاضاة ثم تحقيق شامل في الكونغرس كشف الانتهاكات. وتابع “لم يستخدم العنف ضد عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي”.

دعم شعبي

جذور التحول الحالي ضد مكتب التحقيقات الفيدرالي تعود إلى معركة ترامب الطويلة معه، وتحديدا تحقيقاته مع المئات من أنصاره الذين اقتحموا الكابيتول

في 1995، أدت أنشطة مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى قيام متطرفين مناهضين للحكومة بتفجير مبنى في مدينة أوكلاهوما، كان يضم مقرا إقليميا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، ما أسفر عن مقتل 168 شخصا.

وكان أحد دوافع هذين المتطرفين جزئيا سوء تعامل المؤسسة مع عمليتي حصار أشبه باحتجاز رهائن في 1992 و1993 أدتا إلى سقوط قتلى.

لكن في الوقت نفسه، حافظ الـ”أف.بي.آي” على دعم سياسي وشعبي عام.

وتعود جذور التحول الحالي ضد مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى معركة ترامب الطويلة معه، وتحديدا تحقيقاته مع المئات من أنصاره الذين اقتحموا الكابيتول، مبنى الكونغرس الأميركي، في تحرك عنيف في السادس من يناير 2021.

ويرى أورايلي أن التهديدات العلنية التي أطلقها مؤيدو ترامب وسياسيون هي التي تجعل الوضع الحالي صعبا. وقال “أعتقد أن الغالبية العظمى من عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي صوتوا لصالح ترامب”.

وأضاف “لذلك يبدو اعتبار العناصر الأكثر تشددا في الحزب الجمهوري أن مكتب التحقيقات الفيدرالي هو أداة لليسار الراديكالي، فكرة غير منطقية”.

عنف متصاعد

كانت مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي، المرة الأولى التي يتم فيها تفتيش منزل رئيس سابق في تحقيق جنائي. وتم خلالها استرداد 11 مجموعة من الملفات السرية من الممتلكات في بالم بيتش، وفقا للمذكرة التي تم نشرها لاحقا.

ورغم تنفيذه للقانون الأميركي، تعرض المكتب لتهديدات وقال إن هناك “زيادة في التهديدات العنيفة، المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، ضد المسؤولين الفيدراليين”. ويقول الـ”أف.بي.آي” إنه مهدد باعتداءات جديدة.

وكان الرد القوي من قبل سلطات القضاء الأميركية على التهديدات غير عادي. فقد شيدت أسوار لحماية مقر مكتب التحقيقات الفيدرالي في واشنطن.

وحذر مدير الوكالة كريس راي من أن “العنف والتهديدات ضد تطبيق القانون، بما في ذلك ضد مكتب التحقيقات الفيدرالي، أمر خطير ويجب أن يثير قلقا عميقا لدى كل الأميركيين”.

وحذرت وزارة الأمن الداخلي في نشرة خاصة من أن عناصر الـ”أف.بي.آي” قد تكون في خطر.

المرة الأولى التي يتم فيها تفتيش منزل رئيس سابق
لمرة الأولى التي يتم فيها تفتيش منزل رئيس سابق

وقال براين أوهير، رئيس رابطة ممثلي مكتب التحقيقات الفيدرالي، لإذاعة “أن.بي.آر”، “لا أتذكر تلقي دفق من التهديدات مشابه لهذا في السنوات العديدة الماضية”.

وأضاف “إنه أمر مقلق وغير مقبول ويجب إدانته من قبل كل من يعلم به”. وتابع “يجب تغيير هذه الأجواء التي يصير خلالها العنف مقبولا”.

وكانت رابطة للدفاع عن عناصر الـ”أف.بي.آي” قالت في بيان “لا ينبغي أبدا تهديد العملاء الخاصّين وعائلاتهم بعنف، بما في ذلك بسبب تأديتهم لعملهم”. وأضافت أنّ “التهديدات التي وُجِّهت مؤخرا، تُسهم في إثارة جوّ قبل أو سيقبل فيه البعض بالعنف ضدّ سلطات إنفاذ القانون”.

وصدر بيان الرابطة بعيد إعلان وزير العدل ميريك غارلاند أنّه وافق شخصيا على عمليّة دهم غير مسبوقة لمنزل رئيس سابق. ووصف غارلاند الهجمات على مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنّها “غير مبرّرة”. وقال “لن أقف مكتوفا” عندما يتعرّض عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي “لهجوم غير عادل”.

7