مقهى "لمة" في طرابلس يجمع الليبيين في فضاء بيئي

المقهى الثقافي يكشف عن رسالة تساهم في تطوير الوعي في مجتمع مستهلك لا يعير اهتماما بتاتا لعمليات إعادة التدوير والحفاظ على البيئة.
السبت 2024/11/09
مرح للصغار والكبار

يصمم مهندس معماري في العاصمة الليبية طرابلس المقهى بمواصفات بيئية، من مواد مرمية في الشوارع، مثل مطاط الإطارات وخشب الأشجار أو مواقع البناء، ليظهر للناس أن ما يتم التخلص منه بعشوائية ويبدو قبيحا قد يصبح ذا قيمة في الواقع.

طرابلس - خلف جدار أبيض مرتفع افتتح حديثا في طرابلس مقهى ثقافي فريد من نوعه، أثاثه خشبي جُمع من ورش بناء، وفيه ألعاب للأطفال مصنوعة من إطارات، ويهدف إلى التوعية بإعادة التدوير وحماية البيئة.

من الخارج، لا يكشف مقهى "لمة" (جمعة الأحباء باللهجة الليبية)، عن طابعه المختلف. يقع في منطقة سكنية في غرب العاصمة طرابلس، وهو في الوقت ذاته مقهى ومساحة ثقافية ومعرض فني يعرض أعمال فنانين ليبيين ينظمون فيه أيضا ورش عمل.

ويقول لؤي برويس، المهندس المعماري الذي صمّم المقهى، "نستخدم مواد مرمية في الشوارع، مثل مطاط الإطارات وخشب الأشجار أو مواقع البناء، لنظهر للناس أن ما يتم التخلص منه ويبدو قبيحا هو في الواقع ذو قيمة".

ويقول إنه يسعى مع فريقه إلى المساهمة في تطوير الوعي في مجتمع مستهلك لا يعير اهتماما بتاتا لعمليات إعادة التدوير والحفاظ على البيئة. بمجرّد دفع باب المدخل المعدني الثقيل، تقود متاهة الزائرين إلى فناء مركزي يضم مطعما مضاء بمناور ومحاطا بجدران خضراء. في المطبخ المفتوح المصمم على الطراز الأميركي، ينشغل الطهاة وخبراء صناعة القهوة بإعداد طلبات الطعام والشراب.

وتقول مسؤولة الأنشطة الثقافية رولا العجاوي “حاليا، لا توجد أماكن أخرى مثل هذا في ليبيا. نحن نبني كل شيء على عنصر نعتبره مهما للغاية: إعادة التدوير. نحن لا نستخدم البلاستيك أبدا، سواء في الأطباق أو الكؤوس، كلّ شيء مصنوع من الزجاج". ولا تتبع الأرضيات والجدران أي خط مستقيم، وتخفي مساحات يجذب فيها انفجار الألوان الأطفال إلى مكان الألعاب.

◙ مقهى "لمة" ينظم ورشة أسبوعية لتعريف الأطفال بالفن لتعتاد أعينهم على ما هو جميل ومتناغم في مكان صديق للبيئة

بين ضحكات مدوية وصرخات ابتهاج يركضون في كل مكان من دون قيود، ولهم الحق في نقل الأثاث أو الخربشة على الجدران دون خوف من التوبيخ، والاندفاع إلى الأنفاق أو الجلوس في سلال من القش لقراءة كتاب مستعار من المكتبة. كلّ يوم خميس، وهو اليوم الذي يسبق عطلة نهاية الأسبوع في ليبيا، تنظّم ورش عمل في مقهى “لمة” لتعريف الأطفال بالفن ولتعتاد أعينهم على ما هو جميل ومتناغم وتشجيعهم على إطلاق العنان لخيالهم في مكان صديق للبيئة.

وتكافح ليبيا التي تقودها حكومتان متوازيتان، واحدة في الجزء الشرقي من البلاد والأخرى في الغرب، للتعافي لأكثر من عقد من الزمن، من الانقسامات السياسية والعنف الذي أعقب سقوط الزعيم السابق معمر القذافي ومقتله في عام 2011.

ولا توجد أرقام رسمية توثّق المشاريع المرتبطة بإعادة التدوير في ليبيا ومدى مساهمتها في الحركة الاقتصادية. ويتوقّع بورويس أن يتعرف زوار “لمة” على الأشياء المستخدمة في تصميم المكان، و”أن ينظروا إليها بشكل مختلف من الآن فصاعدا". ويقول “نحن نتطلّع إلى بناء عقلية جديدة هنا".

ولا يعاد استخدام أي شيء في ليبيا سواء كان من البلاستيك أو التغليف بمختلف أنواعه أو الزجاج أو الخشب أو الورق أو الحديد… أما النفايات فغالبا ما ينتهي بها الأمر في الطبيعة أو على الشواطئ، حيث تحملها الأمطار والرياح. مع مثل هذه المبادرة، تحوّلت الأشياء التي يتمّ إخراجها من مكبات النفايات إلى أعمال فنية.

ويقول أحد زبائن المطعم رياض يوسف "أنا أحب المكان. الطعام جيد، والخدمات ممتازة”، مضيفا "كما أعجبني مبدأ عدم الإسراف، وطريقة تقديم المياه في قوارير زجاجية". ويتابع "كل أفكار الترويج هنا رائعة، من حيث نوع الطعام والنظافة"، و"فكرة خدمة نفسك بنفسك هنا فيها إبداع".

ومن المبادرات الليبية التي تسعى لحماية البيئة تلك التي تقوم بها جمعية الشهيد للتنمية والعمل التطوعي بمنطقة الغويلات بزليتن (160 كم شرق العاصمة طرابلس)، والتي تنشط منذ حوالي 10 سنوات في جمع النفايات البلاستيكية تحت شعار “لا ترمها بل تصدق بها".

يقول صاحب الفكرة عادل الرطب (48 عاما) إن فكرة المشروع نشأت نتيجة للواقع الصعب الذي يعيشه سكان زليتن، حيث يعانون من التلوث الكبير الناتج عن تراكم البلاستيك والإغلاق المتكرر لمكبات النفايات في المدينة، بالإضافة إلى الأساليب غير المستدامة في التخلص من المخلفات، مثل الحرق الذي ألحق ضررا بصحة السكان المحليين وأسهم في انبعاث الغازات الدفيئة، مما يفاقم مشكلة تغير المناخ.

 

18