مقعد سوريا الشاغر يثير الخلافات في القمة العربية

بقي مقعد سوريا شاغرا خلال أعمال القمة العربية المنعقدة حاليا في الكويت، وتصاعدت الخلافات حول أحقية المعارضة السورية في استلام المقعد السوري من عدمها، من هذا المنطلق أكد وائل ميرزا القيادي في ائتلاف قوى الثورة السورية في حوار له مع “العرب” أن أنظمة عربية تساند بشار الأسد مارست ضغوطا ليبقى كرسي سوريا شاغرا.
لم يتفق العرب على تسليم مقعد سوريا في الجامعة العربية وتمثيلها في القمة العربية، كما لم تنجح المعارضة السورية في إقناعهم بهذا الأمر، وأقصى ما استطاعت بعض الدول العربية المؤيدة للثورة والمناهضة للنظام السوري فعله هو أن يُلقي أحمد الجربا، رئيس ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، كلمة في افتتاح القمة كما فعل خلفه معاذ الخطيب العام الماضي.
لقد حال دون تسليم مقعد سوريا للمعارضة أمران، الأول سوري ذاتي يتعلق بالشكوك بأحقية استلام الائتلاف مقعد سوريا وأهليته لذلك خاصة وأنه، باعتراف الجامعة العربية، ممثل شرعي للشعب السوري وليس ممثلا وحيدا، ما يعني في العرف الدبلوماسي أن هناك أطرافا أخرى يجب أن تكمّله ليكون ممثلا حصريا للشعب السوري، والثاني عربي يتعلق بالخلافات العربية البينية ومواقف بعض الدول العربية من حلفاء النظام السوري التي ترفض تمرير هذا الأمر الذي يؤذي حليفها، ويقف على رأسها لبنان والعراق والجزائر.
|
مقعد سوريا
تسرّعت المعارضة السورية قبل ثلاثة أسابيع في الإعلان عن أنها ستستلم مقعد سوريا في الجامعة العربية وستحضر القمة ممثلة عن الشعب السوري، وقال المحامي هيثم المالح مدير المكتب الحقوقي في الائتلاف إنه سيكون ممثلا للائتلاف في الجامعة وسيستلم كرسي بلده في مؤتمر القمة، وجهّز نفسه بالفعل لذلك، لكنه، ورغم أنه رجل قانون، فاته أن مثل هذا القرار العربي يجب أن يكون بإجماع الدول العربية وليس بالأكثرية، وهو أمر مستحيل التحقق في ظل موقف لبنان والعراق والجزائر وغيرها من الدول العربية التي مازالت مؤيدة للنظام السوري أو تربطها علاقات جيدة معه.
أما هيثم مناع رئيس هيئة تنسيق قوى التغيير الديمقراطي أحد تكتلات المعارضة السورية غير المنضوية تحت راية الائتلاف، قال إن الائتلاف لا يمثل الدولة السورية، ومقعد الجامعة هو للدولة السورية، الائتلاف لا يمثل جميع قوى المعارضة السورية، بل يمثل قسما صغيرا منها، لقد فقد الائتلاف كثيرا من حاضنته الشعبية، ولم تعد تعتبره أغلبية قوى الثورة والمعارضة ممثلا لها، واعترافت بعض دول الجامعة العربية بأن الائتلاف لا يعطي له الحق لشغل مقعد الدولة السورية، ومنح مقعد سوريا في الجامعة للائتلاف مساهمة من الجامعة في تكريس انقسام المعارضة.
وقد تذرّع مندوبو بعض الدول العربية التي تربطها علاقات جيدة بالنظام السوري بأن تسليم مقعد سوريا لائتلاف المعارضة مخالف لأحكام الجامعة العربية وقوانينها، فيما تذرّع آخرون بأنه لا يمكن اختزال الأزمة السورية في تسليم مقعد للمعارضة، وتحجج آخرون بأن مقعد سوريا في الأمم المتحدة لم يُسلّم للمعارضة وعلى الجامعة العربية الاقتداء بالمنظمة الأممية، وحسما للخلاف اقترح الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي رفع الموضوع إلى الملوك والرؤساء لحسم الموضوع خلال القمة.
أنظمة مساندة لبشار
وعن الخلافات حول تسليم مقعد سوريا إلى المعارضة السورية أوضح وائل ميرزا، القيادي في ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية لـ”العرب” قائلا “إن عدم تسليم المقعد هو نتيجة ضغوط أنظمة عربية تقف مع نظام الأسد، لكن أداء الائتلاف الذي يسوء بشكل مطرد يُعطي ذريعة قوية لتلك الدول، ويُضعف موقف الدول الداعمة للشعب السوري”، وأضاف “إذا أراد الائتلاف أن يكون جديا في مسألة تمثيل الثورة فيجب التركيز على ما هو داخل في نطاق تأثيره وهو تحسين الأداء والتصرف بطريقة رجال الدولة، فمثل هذا الأداء هو الذي سيفرض نفسه على الجميع في نهاية المطاف”.
لكن عدم تسليم مقعد سوريا في الجامعة وفي القمة لا يعني أن العنوان الأبرز لهذه القمة لن يكون الأزمة السورية، فغالبية السوريين المناهضين للنظام لا ينتظرون أن تخرج القمة بإنجاز أو نتائج عملية نوعية لصالح الثورة قابلة للتنفيذ والتحقق، خصوصا في ظل عدم وجود إجماع عربي على توصيفها وطرق حلّها، وفي وقت لم تحرز فيه جهود دولية بمشاركة دول كبرى تقدما يذكر في اتجاه إنهاء معاناة الشعب السوري وإعادة الاستقرار إلى البلد الممزق بالحرب.
نتائج القمة
طالبت غالبية الدول العربية مرارا النظام السوري بالكف عن شن الهجمات ضد المدنيين ووقف الاستخدام العشوائي للأسلحة، وشددت على ضرورة محاسبة جميع المسؤولين عن ارتكاب الجرائم وانتهاكات القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان ضد الشعب السوري، حاولت ذلك بود في الأشهر الأولى للثورة، ثم قدّمت مبادرات عربية مدعومة دولياً، ثم تحوّلت إلى الهجوم على النظام بعد أن ضرب بعرض الحائط كل المبادرات العربية.
وكان الرئيس السوري قد اتّخذ موقفا معاديا جدا للجامعة منذ السنة الأولى للثورة، فوصفها بأنها “بحاجة إلى شرعية”، وقال عنها إنها “لا تعطي شرعية ولا تسحبها”، وأن ما تقوم به “مسرحيات ليست لها أية قيمة بالنسبة إلينا”، كما وصفها بأنها “مجرد مرآة لزمن الانحطاط العربي”، وقال إنها “تسعى إلى زعزعة استقرار سوريا”، ووصف ما تقوم به بأنه “قمة الانحطاط”، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بأن وضع سوريا في كفة والجامعة العربية في كفة مقابلة وقال “إن الجامعة بلا سوريا تصبح عروبتها معلقة”.
لا يمكن إلقاء اللوم على الدول العربية في تعطيل تسلم المعارضة مقعد سوريا، فالأمم المتحدة لم تسلم المقعد للمعارضة، وكذلك المنظمات الدولية العديدة التابعة لها، كما لم تسمح غالبية دول العالم، العربية والأجنبية باستلام المعارضة لسفارة بلادها بشكل رسمي ولم تعترف لها بتسيير الشؤون القنصلية، فالأمر مرتبط بقرار دولي لم ينضج بعد.
لطالما أكّدت المعارضة السورية على أهمية الجامعة العربية في حل الأزمة، وحاولت أن يبقى الحل محصورا بيد الجامعة قبل أن ينتقل إلى يد المجتمع الدولي، واقترح سوريون أن ترسل الجامعة العربية قوات حفظ سلام إلى سوريا أو قوات ردع، لكن بنية الجامعة وطبيعة قراراتها لا تتيح لها المجاللعب مثل هذا الدور طالما لم تحظ بموافقة جميع الأطراف بمن فيها النظام السوري، وهو الأمر الذي شل قدرتها على لعب أي دور حاسم.