مقتل أبوإبراهيم القرشي نكسة كبيرة لداعش.. لكنها ليست النهاية

القضاء على زعيم الدولة الإسلامية يطرح تساؤلات حول مستقبل التنظيم الجهادي الذي ظهر في العراق وتمدد في أنحاء من آسيا وأفريقيا.
السبت 2022/02/05
القرشي أحد أكبر منظري داعش العقائديين

إدلب (سوريا) - يطرح مقتل زعيم تنظيم داعش أبوإبراهيم الهاشمي القرشي تساؤلات كثيرة حول مستقبل التنظيم الجهادي الذي ظهر في العراق وتمدد في أنحاء من آسيا وأفريقيا، لاسيما وأن القرشي هو أحد مؤسسيه ومن كبار منظري التنظيم العقائديين.

وقتل زعيم تنظيم داعش خلال عملية إنزال جوي نفذتها وحدة كوماندوس أميركية على مبنى في بلدة أطمة على الحدود السورية - التركية، حيث عمد القرشي إلى تفجير نفسه بواسطة قنبلة شديدة الانفجار، في مشهد يعيد إلى الأذهان تفجير سلفه مؤسس تنظيم داعش أبوبكر البغدادي لنفسه خلال مداهمة أميركية عام 2019 في سوريا.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس إنّ بلاده "أزالت تهديدا إرهابيا كبيرا" بمقتل القرشي، لكن الكثيرين يتشككون في إمكانية أن يؤثر ذلك على مستقبل التنظيم حيث أن من أدبيات الجماعات الجهادية التحضير مسبقا لقيادات بديلة في حال حصل فراغ على مستوى القيادة.

ويذهب الخبراء في الجماعات الجهادية إلى أن تنظيم داعش يعتمد بالأساس على سياسة اللامركزية، وهو ما يتضح في قوة فروعه المنتشرة في أنحاء من أفريقيا وآسيا مقارنة بنفوذه في العراق وسوريا الذي انحسر بشكل كبيرة منذ عام 2019 رغم محاولات العودة وإثبات ذاته في الساحتين.

ويشير الخبراء إلى أن مقتل القرشي بالتأكيد ستكون له تداعيات على معنويات مقاتلي داعش مؤقتا، لكنها لن تؤثر كثيرا على استراتيجية التنظيم الذي يسعى للتمدد خصوصا في آسيا الوسطى وفي الساحل وغرب أفريقيا.

والقرشي، واسمه الحقيقي أمير محمّد عبدالرحمن المولى الصلبي، عُرف بألقاب عديدة منها “الأمير” و”الأستاذ” و”المدمّر”. وكان، قبل أن يتزعّم التنظيم الجهادي نهاية أكتوبر 2019 خلفا للبغدادي، شخصا مجهولاً بالنسبة إلى الكثير من الخبراء في شؤون الجماعات الجهادية.

وكانت الولايات المتحدة رصدت في أغسطس 2019 مكافأة مالية تصل قيمتها إلى خمسة ملايين دولار، ضاعفت قيمتها لاحقاً إلى عشرة ملايين، مقابل أي معلومة تقودها إلى المولى.

إعلان المكافأة الذي أعلنته الخارجية الأميركية في عام 2020 للحصول على معلومات حول مكان زعيم داعش
إعلان المكافأة الذي أعلنته الخارجية الأميركية للحصول على معلومات حول مكان زعيم داعش 

والقرشي مجاز من كلّية العلوم الإسلامية في جامعة الموصل ويتحدّر من الأقليّة التركمانية في العراق، وبالتالي يعتبر أحد القياديين غير العرب النادرين في التنظيم الجهادي. وهذا الضابط السابق في جيش صدام حسين التحق بصفوف تنظيم القاعدة في أعقاب الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، وفقاً لمنظمة “كاونتر إكستريميزم برودجكت” (سي إي بي) الأميركية غير الحكومية.

وفي عام 2004 اعتقلته القوات الأميركية وأودعته سجن بوكا (جنوب العراق) حيث تعرّف إلى البغدادي. وبعد أن أطلق الجيش الأميركي سراحهما لأسباب غير معروفة عمل المولى جنباً إلى جنب مع رفيقه السابق في السجن والذي سيصبح في 2010 زعيماً لفرع تنظيم القاعدة في العراق قبل أن يؤسّس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق ثم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش).

هانز - جاكوب شيندلر: من الخطأ الاعتقاد بأنّ كلّ شيء انتهى بتصفية المولى

وبحسب “سي إي بي” فإنّ المولى ارتقى بسرعة إلى المراتب العليا للتنظيم الجهادي، ولُقّب بـ”الأستاذ” و”المدمّر”، بعد أن اكتسب في أوساط الجهاديين سمعة بأنه رجل متوحش، ولاسيّما من خلال قضائه على معارضي البغدادي في صفوف التنظيم.

وسرعان ما انتشرت في تلعفر، مسقط رأسه على بُعد 70 كيلومتراً إلى الغرب من مدينة الموصل، ورش لصنع العبوات الناسفة ومراكز من أجل التخطيط للهجمات الجهادية.

ووفقاً للأستاذ في جامعة العلوم السياسية في باريس جان – بيار فيليو، الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، أدّى “أبوعمر التركماني دوراً رئيسياً في الحملة الجهادية لتصفية الأقليّة الإيزيدية من خلال المذابح والطرد والاستعباد الجنسي”.

ومنذ تولّيه زعامة التنظيم الجهادي لم يسجّل أيّ ظهور علني للقرشي الذي سعى لأن يستعيد تنظيمه الزخم الذي كان عليه حين أعلن قيام دولة “الخلافة” على مساحة شاسعة سيطر عليها الجهاديون في سوريا والعراق بين 2014 و2019.

وقال فيليو إنّ “الولايات المتّحدة ردّت بقوّة ودقّة على تحدّ لا يُحتمل بالنسبة إليها وتمثّل في حمام الدم الذي حصل في سجن الحسكة”، في إشارة إلى الهجوم الذي شنّه مقاتلون من تنظيم الدولة الإسلامية في يناير الماضي على سجن الصناعة في شمال شرق سوريا لتحرير رفاقهم الجهاديين المحتجزين داخله.

وأضاف أنّ “المولى كان قائدا عملانيا حقيقيا، ومن المحتمل أن يؤدّي القضاء عليه إلى إعاقة صعود قوة التنظيم الجهادي، على الأقلّ مؤقتاً”.

من جهته قال داميان فيريه الذي يدير شركة “جهاد أناليتيكس” المتخصّصة في تحليل المعلومات المرتبطة بالجهاد الدولي والسيبراني إنّ القرشي عمل خلال تزعّمه تنظيم الدولة الإسلامية “على أن تكون ولاية خراسان في تنظيم الدولة الإسلامية (فرع التنظيم في أفغانستان) في موقع الصدارة قبل وقت طويل من وصول طالبان إلى السلطة”.

جان - بيار فيليو: من المحتمل أن يؤدي مقتل القرشي إلى إعاقة صعود داعش مؤقتا

ومذّاك أصبحت “ولاية خراسان” مصدر التهديد الرئيسي لنظام طالبان في أفغانستان، لاسيّما بعد الهجوم الدامي الذي شنّه التنظيم الجهادي على مطار كابول أثناء انسحاب الولايات المتحدة في أغسطس 2021.

كما شهد تنظيم الدولة الإسلامية في عهد المولى صعوداً لافتاً في منطقة بحيرة تشاد، خاصة بعد أن بايعه قسم من مقاتلي جماعة بوكو حرام، وكذلك في وسط أفريقيا.

وبالنسبة إلى فيريه "استعاد تنظيم الدولة الإسلامية وهجه في عام 2020 قبل أن تتراجع عملياته كمًّا ونوعا خلال العام الماضي”، حتى وإن استمرّ نشاطه في المنطقة العراقية – السورية كما برهن على ذلك الهجوم على سجن الحسكة.

ومن غير المرجّح أن يشكّل مقتل القرشي ضربة قاصمة للتنظيم؛ إذ إنه، بحسب خبراء، يحضّر على الدوام أشخاصاً لخلافة قادته. والخميس لم تتوافر أيّ معلومات عن الشخص الذي يمكن أن يخلف المولى على رأس التنظيم.

وعلى غرار منافسه الرئيسي تنظيم القاعدة، نجح تنظيم الدولة الإسلامية في البقاء على قيد الحياة كلّما قُطع رأسه.

وبالنسبة إلى هانز – جاكوب شيندلر، الخبير السابق في الأمم المتّحدة والذي يدير حاليا "سي إي بي"، فإنّ مقتل المولى "يشكّل بوضوح نكسة كبيرة” لتنظيم الدولة الإسلامية.

وأضاف "بالطبع سيتعيّن عليهم العثور على زعيم جديد، وطرح اسم اليوم سيكون مجرّد تكهّنات (..). لكنّ الخطأ سيكون الاعتقاد بأنّ كلّ شيء انتهى، أو بأنّ الأمور أفضل بعد هذه التصفية، مع الأخذ في الاعتبار العدد المنخفض للهجمات في أوروبا والولايات المتحدة" مؤخّرا.

عملية تعيد إلى الأذهان تصفية مؤسس التنظيم أبوبكر البغدادي
عملية تعيد إلى الأذهان تصفية مؤسس التنظيم أبوبكر البغدادي

7