مقاه عثمانية ترحل بزائريها إلى الماضي

لا تقتصر زيارة منطقة بلاط على الأتراك فقط، بل يأتيها السياح من جميع أنحاء العالم لالتقاط الصور التذكارية لاسيما هواة التصوير.
الخميس 2019/01/31
ثقافة عمرها أكثر من خمسة قرون

إسطنبول (تركيا) - تجتمع كل من الكتب القديمة، الصحف التي تحمل تواريخ القرن الماضي أو ما قبله، أدوات موسيقية كلاسيكية، أسقف من الأعمدة الخشبية، أرضية من الحجر الطبيعي، كراس وطاولات خشبية عتيقة في المقاهي الكلاسيكية بإسطنبول.

إذ تختلف ثقافة المقاهي في إسطنبول عن نظيراتها في الشرق، فهي ليست وليدة اللحظة بل يمتد عمرها إلى أكثر من 500 عام، منذ أن وطأت أقدام العثمانيين مدينة القسطنطينية.

وفي بداية تأسيس الدولة العثمانية، ازدادت أعداد المقاهي، وباتت تشكل بؤرة لتكوين الحياة والنسيج الاجتماعي لدى الشعب التركي، وأصبحت كساحة عامة، يلتقي فيها المثقفون والسياسيون والفنانون والرسامون والشعراء وغيرهم، بهدف تبادل الآراء والمعلومات، وقضاء وقت ممتع.

وتذكر المصادر التاريخية أن الدولة العثمانية ضمّت ما يقارب من 600 مقهى، أبرزها في إسطنبول في عهد السلطان سليم الثاني والسلطان مراد الثالث، لكن السلطان مراد الرابع أمر في فترة حكمه بتحديد وإغلاق كل المقاهي في إسطنبول بسبب ظهور أفكار وولادة حركات مناهضة للحكم فيها.

وبات من الملاحظ خاصة في السنوات الأخيرة، الإقبال الكبير على المقاهي الكلاسيكية في إسطنبول، لتميّزها بالجمع بين القديم والحديث، والتاريخ الذي يمتد إلى أكثر من 5 قرون، بالإضافة إلى احتوائها على ثقافات وفنون العديد من الحضارات المختلفة.

المباني في منطقة بلاط، غالبيتها يزيد عمرها عن 70 عاما، ويصل عمر بعض الأبنية فيها إلى أكثر من 300 سنة

أن تجلس على مقهى عمر كرسيه 80 عاما، وتتكئ بظهرك على سور القسطنطينية الذي يبلغ عمره أكثر من 1700 سنة، وعلى يمينك تلفزيون مرت على صناعته 60 سنة، وجدران مزخرفة ومنقوشة بالرسومات العثمانية التقليدية بصورة احترافية، فلا شك أنك تدخل بكل نظرة لك داخل المقهى إلى عصر من الأزمان.

وما إن تدخل بعض المناطق في إسطنبول، كمنطقة “بلاط”، الشهيرة بالمقاهي والمطاعم الكلاسيكية، حتى تشعر أنك تتجول في القرون الوسطى، نظرا لخلو المحال والمقاهي من أي مظهر يوحي بالحداثة والتطور، بل حتى العربات يحظر سيرها في بعض المناطق.

وتقع منطقة بلاط، التي تحتوي على مقاهٍ تشبه أجواء المتاحف، على الساحل المقابل لمنطقة تقسيم في منطقة الفاتح، وهي محاذية لسور القسطنطينة، حيث تعتبر المنطقة من أكثر الأماكن تاريخية في إسطنبول.

وحول الأدوات، التي تقدم بها المشروبات والمأكولات، فهي تخلو أيضا من مظهر الحداثة، فتجد أكواب الشاي على الشكل العثماني التقليدي مزخرفة بالرسوم العثمانية، وتقدم القهوة مع قطعة من الحلوى وكوب صغير من الماء على غرار التقاليد العثمانية، بخلاف المقاهي التي تقدم القهوة لوحدها.

كما تقدم المأكولات في أطباق خشبية، وفي معظم المطاعم والمقاهي تكون الملعقة والشوكة فيها قد تمت صناعتهما من الخشب أيضا.

إقبال الكبير على المقاهي الكلاسيكية في إسطنبول، لتميّزها بالجمع بين القديم والحديث، والتاريخ الذي يمتد إلى أكثر من 5 قرون

ويتم في فصل الشتاء تشغيل المواقد النارية الطبيعية “مواقد الحطب” داخل المقاهي، حيث تخلو من التدفئة المركزية، من خلال الحطب الطبيعي الذي يتم تزويده للموقد (المدفأة) من وقت لآخر، ليعيش الزائر أجواء الدفء الطبيعية.

أما عن المباني في منطقة بلاط، فغالبيتها يزيد عمرها عن 70 عاما، ويصل عمر بعض الأبنية فيها إلى أكثر من 300 سنة، وتحيط المقهى أربعة جدران مغطاة بالأحجار الطبيعية.

ولا يخلو حائط دون وجود فجوة فيه، تحتوي على العديد من الكتب والروايات والفوانيس (الشعلة التي تضيء في مناطق العتمة كانت تستخدم قبل الكهرباء) ونحوها. وللأبواب حكاية أخرى في منطقة بلاط، فغالبيتها تصنع من الأخشاب الطبيعية، ويتم غلقها بالسلاسل الحديدية الكلاسيكية، كالجنازير ونحوها.

ولا تقتصر زيارة منطقة بلاط على الأتراك فقط، بل يأتيها السياح من جميع أنحاء العالم لالتقاط الصور التذكارية لاسيما هواة التصوير.

ويشكل رواد تلك المقاهي مزيجا كبيرا من الأعراق والجنسيات المختلفة، فيشكل الأتراك النسبة الأكبر منهم، يليهم الأوروبيون والعرب نظرا لوقوع المكان في قلب الأماكن التاريخية وبجانب العديد من الجامعات والمؤسسات التعليمية، كجامعة “قدير هاص” الدولية.

كما تشتهر المنطقة بتصوير الأفلام والمسلسلات التاريخية التركية، نظرا لما تزخر به من معالم ومظاهر تاريخية وأثرية، بالإضافة إلى جمال المكان وطبيعته الضاربة في القدم.

20