مقاه شعبية في السعودية تمزج الفن بالحياة

الدرعية (السعودية) - تحوّلت المقاهي الشعبية بمحافظة الدرعية إلى مساحات ثقافية وفنية متكاملة، تجمع بين عبق التاريخ وروح الفن المعاصر، لتُشكّل وجهة سياحية وترفيهية نابضة بالحياة، تستقطب الزوار من داخل المملكة وخارجها، في تجربة تمزج بين أصالة المكان وحداثة التعبير، وتعزز الجوانب السياحية والثقافية، مواكبةً لمستهدفات رؤية المملكة 2030 في إبراز الهوية الوطنية، وتعزيز الصناعات الإبداعية، وتطوير الوجهات التراثية.
وتتميّز هذه المقاهي بطابعها المعماري المستلهم من البيوت الطينية التقليدية، حيث تحافظ جدرانها المشيّدة من الطين على برودة المكان صيفًا ودفئه شتاءً، بينما تعكس الزخارف والنقوش تفاصيل العمارة النجدية الأصيلة، تنتشر لوحات ورسومات مستوحاة من التراث المحلي، مفعمة بالألوان الدافئة التي تحاكي طبيعة البيئة الصحراوية، في مشهد بصري يُجسّد ذاكرة المكان ويستحضر ملامح الإنسان القديم.
ويعتمد المصممون على استغلال المساحات الداخلية والخارجية ودمج العناصر النباتية المحلية، مثل النخيل، والأشجار الصغيرة؛ لتلطيف الأجواء، وإضفاء لمسة خضراء على الطابع الصحراوي.
وأسهم الفن التشكيلي بدور محوري في إثراء هذه المساحات، إذ يجد الزائر نفسه محاطًا بأعمال فنية تعبّر عن الهوية الوطنية، من لوحات زيتية تحكي قصص الحياة اليومية في الماضي، مرورًا بالمنمنمات التي تصوّر مشاهد من العُيون والنخيل، إلى مجسّمات وأعمال يدوية تبرز جماليات الحِرَف التقليدية كصناعة الجلود والمنسوجات، وتضم بعض المقاهي زوايا خاصة للخط العربي، يُقدم فيها خطاطون محليون عروضًا حيّة أمام الجمهور، ما يضفي على المكان بعدًا تعليميًا وفنيًا.
وتحوّلت هذه المقاهي إلى منصات مفتوحة للفنانين المحليين لعرض أعمالهم الفنية، بما يعزز من التفاعل الثقافي، ويمنح الزوار تجربة فنية متكاملة، وتشهد هذه المساحات على هامش التغطيات الدورية إقامة معارض مؤقتة تُعرض خلالها مجموعات جديدة من أعمال الفنانين، إضافة إلى ورش عمل مفتوحة للأطفال والكبار في مجالات الرسم والفخار.
ولا يقتصر دور هذه المقاهي على تقديم القهوة العربية والتمر والمشروبات الشعبية فحسب، بل أصبحت ملتقى للفنانين والمثقفين والمهتمين بالفن من مختلف الفئات العمرية، ما جعلها مساحة حيوية للتبادل الثقافي، ومجالًا للإبداع والتجديد، مع الحفاظ على روح المكان وخصوصيته التاريخية، ويؤكد زوار المقاهي أنهم يختبرون تجربة فريدة، تجمع بين الاستمتاع بعبق الماضي، والتعرف على مواهب المبدعين الشباب في السعودية، وسط أجواء ترحيبية وأصيلة.
وتأتي هذه المبادرات ضمن الخطة الإستراتيجية لمحافظة الدرعية؛ التي تهدف إلى تطوير الوجهات السياحية ذات الطابع الثقافي والتراثي، وتعزيز إسهام القطاع الإبداعي في الناتج المحلي، وحرصها على نقل تراثها الحضاري إلى أجيال المستقبل، وتقديم تجربة سياحية وثقافية متجددة تليق بمكانة المملكة على خارطة السياحة العالمية.