مقاربة مبهمة لإغراء مصر والسودان بالاصطفاف إلى جوار الدول الغربية

بعد غياب لسنوات عن التدخل بكامل ثقله في أزمة سد النهضة تحرك الاتحاد الأوروبي أخيرا للتوسط في حلّ سريع للأزمة، هدفه الأساسي من ذلك إعادة ترتيب موازين القوى بناء على المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، ومدفوعا بالحرب الروسية على أوكرانيا وما تمثله من تهديد لإمدادات الطاقة، ولمحاولة الحفاظ على مصالحه الحيوية في أفريقيا.
القاهرة - بدأ الاتحاد الأوروبي ينشط لإظهار قدرته على المشاركة في تسوية بعض الأزمات الإقليمية، وهو ما يشير إلى رغبة في توفير دعم كبير لجملة المواقف الغربية من التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
وقامت الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي والبحر الأحمر أنيت وايبر بجولة مبهمة الأهداف شملت مصر والسودان والإمارات، بدأتها الثلاثاء لتؤكد أن الاتحاد معني بأزمات المنطقة وعلى استعداد للتدخل من أجل المساعدة في إيجاد حلول لأزمة مثل سد النهضة الإثيوبي والتحرك الإيجابي في الأزمة السياسية بالسودان.
وتبدو الجولة غير بعيدة عما لمسته دوائر غربية من خطورة قد يشكلها الغياب السياسي عن معالجة الأزمات الإقليمية الساخنة، وما يمكن أن يؤدي إليه الاعتماد على الثقل الأميركي من ضعف في نفوذ الاتحاد الأوروبي، وهو ما ظهرت معالمه في اصطفاف بعض الدول بجوار روسيا وتبني مواقف محايدة غير داعمة للمواقف الغربية.

مصطفى الجميل: أمن القرن الأفريقي والبحر الأحمر يحمي إمدادات الطاقة
وزارت المبعوثة الأوروبية مصر الثلاثاء، عقب صدور بيان لسفراء الدول الصناعية السبع والاتحاد الأوروبي بالقاهرة حث الإدارة المصرية على إدانة التدخل العسكري الروسي، في توقيت متزامن مع تحركات غربية عديدة منفردة لحشد دعم دولي.
وأشادت أنيت وايبر بموقع مصر الجغرافي في تأمين البحر الأحمر، معتبرة أنها تلعب دورا مهما في أمان هذا البحر، وأكدت أن الاتحاد الأوروبي “يسعى لدفع المفاوضات بشأن سد النهضة إلى الأمام للوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف ويضمن الاستقرار والتنمية لجميع الدول المعنية” من أجل إقناع مصر بأن وقوفها بجانب الاتحاد الأوروبي يمكن أن تكون له مردودات إيجابية على أزمة حيوية تواجهها القاهرة.
وكانت الزيارة التي قامت بها وايبر إلى القاهرة هي الأولى لها بهدف معلن هو “النظر بشكل أعمق في علاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر” وبحث الآليات التي تمكن كلا الطرفين من حلحلة ملف سد النهضة وضمان أمن البحر الأحمر.
وأشارت المبعوثة الأوروبية إلى تزايد اهتمام الدول الأوروبية باحتياجات الطاقة وتنويع مصادرها وتحقيق الاستقرار في ضوء الحرب الروسية – الأوكرانية، ملمّحة في ذلك إلى سد النهضة؛ حيث قالت “ويمكن أن نكون نشطاء أكثر في مجال التعاون فيما يخص احتياجات المياه”.
والتقت وايبر وزير الموارد المائية والري بمصر محمد عبدالعاطي ومسؤولين من وزارة الخارجية، لافتة إلى أن الوضع الحالي في ملف سد النهضة يحتاج إلى بناء الثقة بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، واتخاذ خطوات لفهم ما تحتاجه هذه الدول للحصول على اتفاق يرضى جميع الأطراف ويضمن استقرار وتنمية الدول.
وازداد الحديث سخونة في القاهرة بشأن مفاوضات سد النهضة بعد إعلان إثيوبيا الشهر الماضي البدء في توليد الطاقة من السد، وأن أعمال البناء أوشكت على الانتهاء.
وقال وزير الري والموارد المائية المصري الأسبق محمد نصر علام لـ”العرب” إن تدخل الاتحاد الأوروبي بشكل فاعل في أزمة سد النهضة ضروري إلا أنه تأخر كثيراً وأهدافه في الوقت الحالي تتعلق “بإعادة ترتيب موازين القوى داخل الاتحاد الأوروبي بناء على العديد من المتغيرات على الساحات الداخلية والإقليمية والدولية”.
وأضاف أن جوهر التدخل الذي ظهر من خلال التصريحات المتواترة عن تقديم الدعم والمساعدة إلى مصر لتحسين كفاءة المياه لديها يبتعد عن جوهر الدور الذي من المفترض أن يقوم به الاتحاد الأوروبي الخاص بتفعيل القانون الدولي لمواجهة المخالفات القانونية لأن مصر لا تحتاج مساعدة فنية في موضوع استخدامات المياه.
وأسهمت دول أوروبية في إرساء غالبية القوانين الدولية أثناء احتلالها دولا في القارة الأفريقية، وهو ما نتج عنه تعيين الحدود وعقد غالبية الاتفاقيات التاريخية المرتبطة بملف المياه.
وكانت مصر تعول على أدوار وساطة من جانب الاتحاد الأوروبي ودول مهمة مثل فرنسا وإنجلترا للتوصل إلى حلول وسطى ترضي جميع الأطراف لأنهما من الدول التي تقدم مساعدات مختلفة لإثيوبيا، كما أن الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي يخدم مصالح عدد كبير من الدول الأوروبية في القارة، وهو ما كان يجب أن يصبح دافعا إلى التحرك.
وشهدت الفترة الماضية تواصل بعض الخبراء الأوروبيين في مجال المياه مع دوائر فنية لديها ارتباطات قوية بقضية سد النهضة في مصر واستمعوا إلى رؤى فنية وسياسية للحل.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” إمكانية أن تكون هناك ورش عمل يتم عقدها في القاهرة للخروج بمقترحات من خارج الصندوق يمكن أن تُقنع كافة الأطراف.

محمد نصر علام: التدخل الأوروبي يهدف إلى إعادة ترتيب موازين القوى
وعبرت مبعوثة الاتحاد الأوروبي عن تفاؤلها بشأن حل الأزمة السودانية والعمل مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاستفادة من طموح السودانيين ورغبتهم في الوصول إلى اتفاق وتأكيدهم أن الحوار هو الحل الوحيد للوصول إلى الاستقرار.
وأشارت إلى أهمية المرحلة الانتقالية الحالية التي سوف تقود إلى إجراء انتخابات عادلة وشاملة لكافة القوى السودانية، ولفتت إلى ضرورة عودة المدنيين إلى المشهد السياسي.
وأجرى مسؤولان من وزارتي الخارجية السودانية والبريطانية مباحثات الخميس في الخرطوم حول ملف سد النهضة الإثيوبي وتطرقت إلى التدخل الروسي في أوكرانيا.
وتباحث وكيل وزارة الخارجية السودانية المكلف نادر يوسف مع مدير الإدارة الأفريقية والمكتب التنموي بوزارة الخارجية البريطانية معظم مالك الذي أكد أن لندن تتواصل مع السنغال التي تتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي حاليا لدعم السودان وإرجاعه عضوا في الاتحاد والعودة إلى المسار الديمقراطي.
وذكر لـ”العرب” أن “هذه التحركات تواجه معضلة رئيسية تتمثل في ضعف تأثير دول الاتحاد على الدول الثلاث ذات الارتباط بقضية سد النهضة، كما أن الحرب الأوكرانية قد تكون لها انعكاساتها السلبية على طبيعة هذا الدور”.وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية في السودان مصطفى الجميل أن التقاطعات الإقليمية والدولية العديدة وزيادة حدة الاضطرابات تجعلان الاتحاد الأوروبي أكثر حاجة إلى السعي لإيجاد موطئ قدم في القرن الأفريقي.
وأوضح أن المحاولات الجارية يمكن وصفها بالمنطقية وسط التحديات الجسيمة لأن هناك قناعة أوروبية بأن أمن القرن الأفريقي والبحر الأحمر مدخل لتأمين إمدادات الطاقة وأي توتر شديد ستكون له انعكاسات خطيرة في ظل تصاعد الأزمة مع روسيا.
ويرجع تركيز الاتحاد الأوروبي مؤخرا على سد النهضة إلى كونه أكبر خطر على الأمن الإقليمي، مع استمرار السخونة في ملف إقليم تيغراي، واستمرار التهديدات الداخلية في إثيوبيا، والخوف من تصاعد حدة المواجهة مع موسكو.