مغنية راب مراهقة تبث الأمل والراحة في نفوس السودانيين

بورتسودان (السودان) - بدأ الراب في السودان يظهر كجزء من المشهد الموسيقي والثقافي في أواخر التسعينات وأوائل الألفية الجديدة، متأثرا بالحركة العالمية للهيب هوب والراب. ومع مرور الوقت، تطور هذا النوع من الموسيقى ليصبح وسيلة للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يعاني منها الشباب السوداني.
ويتميز الراب السوداني بتركيزه على القضايا اليومية التي تواجه المجتمع، مثل الفقر، البطالة، الفساد والحريات السياسية، كما يتناول أيضا قضايا الهوية والثقافة السودانية، مما يجعله وسيلة قوية للتعبير عن هموم الشباب.
وخلال الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة بنظام عمر البشير، لعب الراب دورا مهما في تحفيز الشباب وتوثيق أحداث الثورة. كانت الأغاني الثورية جزءا من الحراك الشعبي، مما أعطى هذا الفن مكانة أكبر في المشهد الثقافي السوداني.
◙ مع تزايد الاهتمام بالراب وانتشاره بين الشباب، من المتوقع أن يستمر هذا النوع من الموسيقى في النمو
داخل ملجأ مؤقت أقيم في ساحة مدرسة في شرق السودان، تؤدي هانم محمد البالغة 14 سنة، أغاني راب من تأليفها لتبث الراحة في نفوس الأسر النازحة بسبب الحرب المستمرة في البلاد. للحظات عابرة، تبدو ندوب الحرب المستمرة منذ 21 شهرا وكأنها تتلاشى، عندما تجتمع العائلات للاستماع إلى محمد وهي تؤدي أغاني راب تبعث على الحنين إلى الحياة ما قبل الحرب.
وتقول محمد “عندما أؤدي الأغاني، يردّد الجميع معي ويصفقون ويرقصون”، مضيفة والابتسامة تضيء وجهها “إنّ ذلك يجعلني سعيدة جدا.” داخل خيمة في الملجأ، تطغى الطاقة المدهشة لمغنية الراب الشابة المعروفة باسم نانا. يتعالى صوت الضحك والتصفيق في حين يتمايل الأطفال والنساء على الإيقاع، متحدّين الحرب التي تجتاح البلاد منذ أبريل 2023.
وقد أودى الصراع بعشرات الآلاف، وشرّد أكثر من 12 مليون شخص ودفع السودانيين إلى حافة المجاعة. وتسببت الحرب بـ”أكبر أزمة إنسانية تُسجَّل على الإطلاق”، بحسب لجنة الإنقاذ الدولية. يؤكد محبو نانا أنّ أغانيها تترك أثرا عميقا. تشير نجوى عبدالرحيم التي تواظب على مشاهدة عروض محمد إلى أنّ “الفرحة التي تبثها نانا لا توصف”، مشيرة إلى أنّ المغنية الشابة “مجتهدة وطموحة.”
ويقول دير فتحي، وهو معجب آخر بمحمد، “أشعر بالراحة والحماسة عندما أستمع إلى موسيقاها.” عندما اندلعت الحرب، فرّت محمد مع عائلتها من مسقط رأسها أم درمان. وتقول الشابة التي تقيم حاليا في مدرسة ثانوية في بورتسودان، إنها تلجأ إلى موسيقى الراب للتعبير عن حزنها والحفاظ على ذكرياتها العزيزة عن مسقط رأسها.

وباتت ذكرياتها عن المدينة التي كانت نابضة بالحياة تغذّي تعبيرها الإبداعي، لاسيما في أغنيتها المؤثرة “مأساة أم درمان”. تقول كلمات الأغنية “تجلس في صمت، يندلع حريق، ماذا تفعل؟ عقلك نفسه مشوش”.
وتشير إلى أنّ شغفها بموسيقى الراب ترسّخ مدى سنوات، لكن اندلاع الحرب دفعها إلى البدء في كتابة أغانيها الخاصة. وقد ألّفت حتى اليوم تسع أغان. وتقول إنّ “معظم الأغاني التي ألّفتها كانت لأكثر مكان أحبّه ونشأت فيه، وهو أم درمان.” وتضيف “عندما اندلعت الحرب، أعطاني ذلك دافعا أكبر.”
داخل الملجأ، تتقاسم مغنية الراب المراهقة وعائلتها أماكن ضيقة مع العشرات من العائلات النازحة الأخرى. وتشكل الاحتياجات الأساسية صراعا يوميا لهم. تقول محمد إنّ “أصعب ما واجهته هو مشكلة الماء”، مضيفة “كنت أجده أحيانا مالحا وأحيانا أخرى مرّا.” يعاني السودان الذي أنهكته الحرب منذ فترة طويلة من أزمة مياه، على الرغم من مصادر المياه الكثيرة فيه بينها نهر النيل.

وحتى قبل الحرب، كان ربع السكان يضطرون إلى المشي أكثر من 50 دقيقة للحصول على المياه، بحسب الأمم المتحدة. أما اليوم، ومن الصحاري الغربية القاحلة في دارفور، مرورا بوادي النيل الخصب وصولا إلى شواطئ البحر الأحمر، تطال أزمة المياه 48 مليون سوداني أنهكتهم الحرب.
ومع ذلك، ترفض محمد السماح بترك هذه الصعوبات تحبطها. واستحالت موسيقاها شريان حياة ليس فقط لنفسها ولكن أيضا للأشخاص الذين يتجمعون لمشاهدة أدائها. لا تتوقف محمد عند هذا الحد. فداخل غرفة صغيرة في الملجأ، تجلس منحنية فوق كتبها، آملة أن تحقّق أحلامها في أن تصبح جرّاحة ومغنية راب مشهورة. لكن أهم من كل شيء، تعبّر عن أمنية واحدة بالقول “أكثر ما أتمنّاه هو أن تتوقف الحرب.”
ويواجه الراب في السودان العديد من التحديات، منها قيود الحرية الفنية، وصعوبة الوصول إلى الجمهور بسبب نقص البنية التحتية لدعم الفنون. ومع ذلك، استمر الفنانون في إنتاج أعمالهم باستخدام منصات التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وإنستغرام.
ومع تزايد الاهتمام بالراب وانتشاره بين الشباب، من المتوقع أن يستمر هذا النوع من الموسيقى في النمو، خاصة مع تحسن الظروف السياسية والاقتصادية التي قد تسمح بظهور المزيد من الفنانين ودعمهم.