مغامرة منصور عباس بالانضمام للائتلاف الحاكم في إسرائيل بدأت تؤتي ثمارها

زعيم "راعم" يسير على حبل مشدود بين تلبية رغبات ناخبيه العرب وشركائه اليهود.
الجمعة 2022/01/21
القائمة الموحدة نجحت في كسر أحد أكبر المحظورات

اختار القيادي الإسلامي وزعيم القائمة العربية الموحدة منصور عباس نهجا مختلفا عن باقي الطيف السياسي داخل المجتمع العربي في إسرائيل، حينما تجاوز أحد أكبر المحظورات وهو المشاركة في الائتلاف الحاكم الإسرائيلي، ولئن يرى البعض أن مغامرة عباس بدأت تؤتي ثمارها، إلا أن هناك من يفضل التريث في الحكم على مدى إمكانية أن يكون لهذه المشاركة تأثير في رسم السياسات الإسرائيلية مستقبلا وفي تحسين الوضع العربي داخل إسرائيل.

تل أبيب - كسر منصور عباس أحد المحرمات القديمة عندما قاد القائمة العربية الموحدة إلى المشاركة في الائتلاف الحاكم في إسرائيل العام الماضي. ويبدو أن هذه الخطوة الجريئة بدأت تؤتي ثمارها.

وأصبحت القائمة العربية الموحدة العمود الفقري للائتلاف الحكومي الهش، ونجح عباس في تأمين ميزانيات ضخمة وسياسات مواتية لناخبيه حتى أنه تمكن من لقاء العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.

وقال عباس لموقع واينت الإخباري الإسرائيلي “نحن شركاء متساوون على طول الطريق، وجزء من التحالف، لأول مرة في دولة إسرائيل. ونحن نساوم لحل مشاكل المجتمع العربي”.

وأمّن نهج عباس البراغماتي التمويل لخطط الإسكان والكهرباء ومكافحة الجريمة في القطاع العربي المُهمَل على مدى عقود في إسرائيل. كما أنه لم يخش مواجهة شركائه ليحشد ما يحتاج إليه.

لكنه يُجبر أيضا على إجراء توازن دقيق بين رغبات ناخبيه العرب وشركائه اليهود في الائتلاف. ويراقب ناخبوه كل تحركاته، حيث قد تتعثر حصتهم في ديمقراطية البلاد إذا فشل في إحداث تغييرات طويلة الأمد.

وقالت نسرين حداد حاج يحيى رئيسة برنامج المجتمع العربي في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث في القدس، “حقيقة أن العرب يجلسون حول طاولة في الحكومة ليس بالأمر الهين. لكن السؤال هو هل ستترجم هذه القوة السياسية إلى أفعال يشعر بها المواطنون في حياتهم اليومية؟”. ودخل عباس التاريخ في يونيو الماضي عندما أصبحت القائمة العربية الموحدة الذراع النيابية للحركة الإسلامية (الجناح الشمالي) أول كتلة عربية تنضم إلى ائتلاف إسرائيلي. فعلى مدى 73 عاما من تاريخ إسرائيل، ظلت الأحزاب العربية في المعارضة، وتنتقد الحكومات المتعاقبة ولا تريد أيّ دور في السياسات ضد إخوانها الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وغالبا ما كان نظراؤهم اليهود ينظرون إليهم على أنهم أعداء من الداخل ويشكلون تهديدا أمنية محتملا.

نسرين حداد حاج يحيى: جلوس العرب على طاولة الحكومة ليس بالأمر الهين

ويمثل المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل خمس سكان إسرائيل البالغ عددهم 9.4 مليون نسمة. وفي حين أن الكثيرين مندمجون في المجتمع الإسرائيلي، فإن المجتمع بشكل عام أكثر فقرا وأقل تعليما من اليهود وواجه منذ فترة طويلة التمييز والأسئلة حول ولائه. وكان إقبال الناخبين العرب عادة أقل من اليهود ووصل إلى الحضيض في انتخابات العام الماضي.

ويعتمد الائتلاف الحكومي، المكون من 61 نائبا من أصل 120 مقعدا في الكنيست الإسرائيلي، الآن على أعضاء عباس لتمرير تشريع، والموافقة على الميزانية، وإبقاء الحكومة قائمة.

ويترأس عباس البالغ من العمر 47 عاما سنة حزب “راعم” الإسلامي المحافظ المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين. وغالبية ناخبي عباس هم من العرب البدو، وهم من أفقر المواطنين في البلاد.

وقاد عباس، الذي كان طبيب أسنان، القائمة الموحدة في الكنيست منذ عام 2019 حيث حصل على عضوية في العديد من اللجان البرلمانية ولكنه لم يسجل في السياسة الإسرائيلية السائدة.

وعندما انزلقت إسرائيل في مأزق سياسي مطول، مع إجراء أربع انتخابات في غضون عامين، ظهر كعلاج للفوضى. وقبيل انتخابات مارس 2021، انفصلت القائمة الموحدة، عن اتحاد الأحزاب العربية وألمح عباس إلى أن الكتلة ستكون في الائتلاف الحاكم، بغض النظر عمّن يقودها.

وأجرى رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو محادثات غير مسبوقة مع عباس بشأن توحيد الجهود، ووعده بحسب ما ورد بالاستجابة لقائمة من الطلبات التي ترتبط بتعزيز الأمن في المجتمع العربي الذي يعاني من تفشي الجريمة، ومعالجة قضايا الإسكان. لكنّ حلفاء نتنياهو القوميين المتطرفين عارضوا التعاون مع عباس وانهارت المحادثات.

وعندما طُلب من النائب يائير لابيد تشكيل الحكومة، اختار المكان الذي توقف فيه نتنياهو وأصبح “راعم” عضوا رئيسيا في الائتلاف الحالي.

ويتألف التحالف غير العملي الذي يتزعمه زعيم المستوطنين السابق في الضفة الغربية نفتالي بينيت من ثمانية أحزاب تدير سلسلة كاملة من الفصائل القومية إلى الأحزاب الحمائمية التي تدعم الدولة الفلسطينية، ووعد بتنحية القضايا الخلافية جانبا.

وقد ركزت مكونات الائتلاف الحاكم بدلا من ذلك على المواضيع التي لن تهز استقرار التحالف القائم، بما في ذلك الوباء والاقتصاد. ويصر عباس على أنه لا يتجاهل التطلعات الفلسطينية طويلة الأمد لإقامة دولة في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية وهي أراض احتلتها إسرائيل في حرب 1967. حيث تربط الروابط الأسرية المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وأولئك الذين يعيشون في الأراضي المحتلة.

وقال عباس في تدوينة صوتية بعد تشكيل الائتلاف إن “القائمة تريد التركيز على القضايا الملحّة في المجتمع العربي”. ورفض مكتبه طلبات المقابلة ودفعت قائمة الجبهة قدما في أولوياتها من داخل التحالف.

وأمّنت ميزانية غير مسبوقة بالمليارات من الدولارات للمجتمع العربي، بهدف تحسين الظروف المعيشية وتقليل معدلات الجريمة التي حطمت الأرقام القياسية. وتحركت الحكومة بناءً على طلب الحزب للسماح ببعض قرى البدو غير المعترف بها في صحراء النقب الجنوبي وربط آلاف المنازل المبنية بشكل غير قانوني بالكهرباء.

وقال فايز أبوصهيبان، رئيس بلدية مدينة رهط البدوية وأحد أنصار عباس، إن “الحكومات الإسرائيلية أهملت بمرور الوقت النقب ولم تتعامل مع جذور المشاكل. إنها المرة الأولى التي تستمع فيها دولة إسرائيل للبدو”.

انضمام منصور عباس إلى الائتلاف الحاكم جاء نتيجة تغير بدأ يطرأ على المزاج العربي لصالح مشاركة أكبر في صنع القرار داخل إسرائيل
انضمام منصور عباس إلى الائتلاف الحاكم جاء نتيجة تغير بدأ يطرأ على المزاج العربي لصالح مشاركة أكبر في صنع القرار داخل إسرائيل

واصطدمت الآراء المختلفة حتما. ففي الأسبوع الماضي، هدد عباس بحجب تصويت حزبه في البرلمان احتجاجا على غرس الأشجار في الأراضي التي يطالب بها البدو في النقب، وهي أزمة أدت إلى تعليق مشروع الغابات. كما تراجعت قائمة “راعم” عن الجهود التي تبذلها قوى الائتلاف الحاكم الأخرى لتمديد قانون يمنع الفلسطينيين الذين يتزوجون من مواطنين إسرائيليين من الحصول على حقوق الإقامة.

وصنّف المشرّعون القوميون المتطرفون عباس مرارا بأنه متعاطف مع الإرهاب. وهو محافظ اجتماعيا، ويعارض أيضا التشريع المؤيد للمثليين في ائتلاف مع وزير مثلي الجنس علنا. كما واجه انتقادات من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. وأثار ضجة في الآونة الأخيرة بين الجمهور العربي عندما اعترف بإسرائيل كدولة يهودية في مؤتمر أعمال.

ودعا القادة الإسرائيليون اليمينيون مرارا وتكرارا الفلسطينيين إلى الاعتراف بطابع إسرائيل اليهودي، واندلع تصفيق الجمهور المكون من أغلبية يهودية، لكنّ منتقدين عربا من بينهم القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية اتهموا عباس بالتخلي عن القضية الفلسطينية. وقال النائب العربي المخضرم أحمد الطيبي الشهر الماضي إنهم “يتحملون المسؤولية عن كل ما تقرره هذه الحكومة، بما في ذلك ميزانيات مستوطنات الضفة الغربية”.

وجاء انضمام عباس المعروف عنه براغماتيته الشديدة إلى الائتلاف نتاج تغير بدأ يطرأ على مزاج الرأي العام العربي لصالح مشاركة عربية أكبر في صنع القرار داخل إسرائيل. وقد تساعد إخفاقاته وإنجازاته في تحديد طبيعة المشاركة السياسية العربية في المستقبل.

وقال محمد مجادلي، المحلل السياسي في راديو ناس الناطق بالعربية والقناة 12 الإسرائيلية، “إذا رأى الجمهور العربي أن ما فعله منصور عباس كان فعالا وأحدث تغييرا فلا شك لديّ في أن إقبال الناخبين سيزداد بشكل كبير. ويعني هذا أن إسرائيل ستصبح ديمقراطية حقيقية”

7