مغامرة رواد الكوكب الأحمر محفوفة بالمخاطر الصحية

عندما يتعلق الأمر بالمهمات المتجهة إلى المريخ يصبح هناك تعقيد إضافي يفرضه تأخّر الاتصالات بين الأرض والمريخ.
الأحد 2022/08/28
تحديات متعددة

سيدني – طور فريق من خبراء طب الفضاء من الجامعة الوطنية الأسترالية نموذجاً رياضياً للتنبؤ بما إذا كان بإمكان رواد الفضاء السفر بأمان إلى المريخ وأداء واجباتهم بمجرد وصولهم إلى الكوكب الأحمر، وذلك لاعتزام ناسا والصين إرسال رواد فضاء إلى المريخ لأول مرة في التاريخ، عام 2033. وهو ما يطرح عدة تحديات، بدءاً من القضايا اللوجستية والتقنية وصولا إلى ضمان قدرة رواد الفضاء على التعامل مع النفايات والحصول على ما يكفي من الطعام والماء، كي يتم العبور الذي يستغرق أشهراً من وإلى المريخ.

ويمكن أن يكون هذا النموذج ذا قيمة كبيرة إلى جانب جميع الاستعدادات الأخرى التي يجب أن تحدث قبل أن يطأ رواد الفضاء سطح المريخ. ويمكن استخدامه أيضاً لتقييم تأثير المهمات قصيرة وطويلة الأمد، والتي ستأخذهم إلى ما هو أبعد من المدار الأرضي المنخفض ونظام الأرض والقمر في المستقبل.

وظهرت الورقة التي تصف نموذجهم الرياضي واستنتاجاتهم مؤخراً في “بي جي ميكروغرافيتي ناتشر”، وهي مجلة علمية شهيرة.

وقاد فريق البحث ليكس فان لون، ولاحظ هو وزملاؤه في دراستهم أن المخاطر المحتملة للبعثات المتجهة إلى المريخ عديدة، ولكن يمكن القول إن التهديد الأكبر هو الوقت الذي يقضيه رواد الفضاء في الجاذبية الصغرى.

إلى جانب الإشعاع المدمر من الشمس والمصادر الكونية، ستُحْدث التجربة تغييرات أساسية في أجسام رواد المريخ

وإلى جانب الإشعاع المدمر من الشمس والمصادر الكونية، ستؤدي التجربة إلى تغييرات أساسية في أجسامهم.

واستنادا إلى الأبحاث المكثفة التي أجريت على متن محطة الفضاء الدولية، من المعروف أن الجاذبية الصغرى تسبب فقدان كثافة العضلات والعظام وتؤثر على وظائف الأعضاء والبصر والجهاز القلبي الرئوي (القلب وقدرته على ضخ الدم عبر نظام الشرايين في الجسم).

وكما وصف فان لون في بيان صحفي للجامعة الوطنية الأسترالية، فإن أبحاثهم ليست ضرورية فقط بسبب المهام المقترحة للسفر إلى المريخ، وإنما هي ضرورية أيضاً لقطاع الفضاء التجاري المزدهر؛ فـ”نحن نعلم أن السفر إلى المريخ يستغرق نحو ستة إلى سبعة أشهر وقد يتسبب ذلك في تغيير بنية الأوعية الدموية أو قوة القلب بسبب انعدام الوزن الناتج عن السفر في الفضاء بانعدام الجاذبية. وإثر ظهور وكالات الرحلات الفضائية التجارية مثل ‘سبيس إكس’ و’بلوأوريجين’ توفرت للأثرياء -وليس بالضرورة الأشخاص الأصحاء- فرص الذهاب إلى الفضاء، لذلك نريد استخدام النماذج الرياضية للتنبؤ بما إذا كان شخص ما مناسباً للسفر إلى المريخ”.

وأضافت إيما تاكر، عالمة الفيزياء الفلكية المشاركة في الدراسة، أن التعرض بشكل مستمر لانعدام الجاذبية يمكن أن يتسبب في جعل القلب كسولاً لأنه لا يتعين عليه العمل بجد للتغلب على الجاذبية وضخ الدم في جميع أنحاء الجسم. وعندما تكون على الأرض تسحب الجاذبية السوائل إلى النصف السفلي من أجسامنا، ولهذا السبب يجد بعض الناس أن أرجلهم بدأت تنتفخ في آخر النهار.

ولكن عندما تذهب إلى الفضاء تختفي هذه الجاذبية، ما يعني أن السائل ينتقل إلى النصف العلوي من جسمك، ويؤدي ذلك إلى استجابة تخدع الجسم بالتفكير في وجود الكثير من السوائل.

ونتيجة لذلك تشرع في الذهاب إلى المرحاض كثيراً، وتبدأ في التخلص من السوائل الزائدة، ولا تشعر بالعطش ولا تشرب كثيراً، ما يعني أنك تصاب بالجفاف في الفضاء.

وهذا، كما تقول تاكر، هو سبب رؤية رواد الفضاء العائدين من محطة الفضاء الدولية مغمى عليهم عندما تطأ أقدامهم الأرض مرة أخرى، أو يحتاجون إلى التنقل باستخدام الكراسي المتحركة.

وكلما طالت مدة بقائهم في الفضاء زاد احتمال انهيارهم عند عودتهم إلى الأرض، وزادت صعوبة عملية إعادة التكيف مع جاذبية الأرض.

وفي حالة مارك كيلي أمضى أكثر من عام في المدار وعانى ألماً شديداً وتورماً وأعراضاً أخرى عند عودته، كما وصف في كتابه “التحمل: عام في الفضاء، عمر من الاكتشاف”.

اكتشاف

وعندما يتعلق الأمر بالمهمات المتجهة إلى المريخ، يصبح هناك تعقيد إضافي يفرضه تأخّر الاتصالات بين الأرض والمريخ؛ فاعتماداً على محاذاة الشمس والأرض والمريخ، يمكن أن تستمر هذه التأخيرات لمدة تصل إلى 20 دقيقة، ما يعني أن رواد الفضاء يجب أن يكونوا قادرين على أداء واجباتهم دون مساعدة فورية من مراقبي المهمة أو أطقم الدعم (والتي تشمل حالات الطوارئ الطبية).

وكما أوضح فان لون، “إذا أغمي على رائد فضاء عند مغادرته المركبة الفضائية لأول مرة أو إذا كانت هناك حالة طبية طارئة، فلن يكون هناك أحد على سطح المريخ لمساعدته. وهذا هو سبب أننا يجب أن نكون متأكدين تماماً من أن رائد الفضاء لائق للطيران ويمكنه التكيف مع مجال جاذبية المريخ. ويجب أن يكون قادرا على العمل بفاعلية وكفاءة بأقل قدر من الدعم خلال تلك الدقائق القليلة الأولى الحاسمة”.

ويعتمد نموذجهم على خوارزمية التعلم الآلي بناء على بيانات رواد الفضاء التي تم جمعها من الرحلات الاستكشافية السابقة على متن محطة الفضاء الدولية وبعثات “أبولو” لمحاكاة المخاطر المرتبطة بالسفر إلى المريخ.

وأظهر الاختبار أنه يمكن أن يحاكي التغيرات الرئيسية في الدورة الدموية للقلب والأوعية الدموية، بعد رحلة فضائية طويلة وتحت ظروف تحميل مختلفة للجاذبية والسوائل. والنتائج مشجعة، لأنها تشير إلى أن رواد الفضاء يمكنهم العمل بعد أشهر قضوها في الجاذبية الصغرى.

وفي حين أن النموذج الحالي مستوحى من البيانات المستمدة من رواد فضاء متوسطي العمر ومدربين تدريباً جيداً، يأمل الباحثون في توسيع قدراته لتشمل بيانات رحلات الفضاء التجارية.

وفي النهاية، هدفهم هو إنشاء نموذج يمكنه محاكاة تأثير السفر في الفضاء لفترات طويلة على الأفراد غير الأصحاء نسبياً الذين يعانون أمراضاً قلبية موجودة مسبقاً (أي هم مدنيون غير مدربين). ويأملون أن يقدم هذا النموذج صورة أكثر شمولية لما يمكن أن يحدث إذا سافر شخص “عادي” إلى الفضاء.

ويمكن إجراء المزيد من التحسينات لدمج القضايا الصحية المتعلقة بالعمر، وهو أمر منطقي بالنظر إلى عدد المشاهير الذين سافروا إلى الفضاء مؤخرا.

مغامرة

15